الجمعة 01 نوفمبر 2024 الموافق 29 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

في ذكرى ميلاد محمد خان الـ 78 "مخرج الواقعية".. الصدفة حولته من الهندسة للسينما.. النكسة دفعته للتأليف وكتب أول فيلم على ورقة كرتون بمحل ملابس.. وإنشاء جماعة أفلام الصُحبة..وحصل على الجنسية المصرية

الإثنين 26/أكتوبر/2020 - 02:42 م
محمد خان
محمد خان

تحل اليوم 26 أكتوبر الذكرى الـ 78 لميلاد المخرج الكبير محمد خان، أحد أبرز مخرجي فترة السبعينات والثمانينات في مصر، والذي نرى فى أفلامه وحكاياته ومشاهده صورة تحاكي الشارع المصري، وتسمع فيها صوت البسطاء، يطرح قضايا النساء ويعبر عن رومانسية الحالمين، والذي تميزت أفلامه بالواقعية الشديدة، والتعبير عن طبقات المجتمع المهمشة البعيدة عن الأنظار، حيث كان مهمومًا بفكرة الارتقاء بمستوى السينما في مصر.

نشأة الحريف

ولد خان في 26 أكتوبر 1942 بالقاهرة، لأب باكستاني وأم مصرية من أصل إيطالي، نشاء خان في حي السكاكيني، وتربى وتعلم فيه، ومنه أيضًا بدأت علاقته بالسينما، حيث جاور منزله سينما مزدوجة، وكانت تطل شرفة منزله عليها، ولأنه لم يكن يرى شاشة السينما أغلب الوقت، كان يشاهد الأفلام في اليوم الأول ويتابع شريط الصوت بقية الأيام، مما منحه نشاءة تحت ظل السينما، وبالرغم من أنه كان يحرص على شراء صور الأفلام، وجمع إعلاناتها من الصحف، إلا أنه لم يحلم يوماً أن يصبح مخرجاً سينيمائياً، ودارت أحلام طفولته حول الهندسة المعمارية.

نقطة تحول في مسار خان

سافر خان في عام 1956 إلى بريطانيا "التي كان يحمل جنسيتها" لدراسة الهندسة المعمارية، وفي رحلته التقى بالصدفة بشاب سويسري يدرس السينما هناك وذهب خان معه إلى مدرسة الفنون، ومن هنا بدأت رحلة خان في عالم الإخراج السينمائي، حيث استهوته السينما، فترك الهندسة، والتحق بمعهد السينما في لندن، ولم تكفيه المعرفة التقنية للسينما بالمعهد، حيث تعرف في الستينيات على السينما العالمية، وشاهد كمية رهيبة من الأفلام، وعاصر جميع التيارات السينمائية الجديدة في نفس وقت إنطلاقها وتفاعلها، لتكن بذلك معرفته في فترة الستينيات هي مدرسته الحقيقة للسينما.


رحلة كفاح في عالم السينما

عاد خان من إنجلترا بعد أنهاء دراسته بمعهد السينما بالندن في عام 1963، ليعمل بقسم القراءة والسيناريو في شركة إنتاج "الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي"، تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف، وسافر بعد ذلك إلى لبنان في عام 1964، وعمل هناك مساعدًا لعدة مخرجين كان من بينهم يوسف معلوف، ووديع فارس، وكوستا، وفاروق عجرمة، ليكتسب بذلك خبرة كبيرة في عالم الإخراج، وسافر مرة أخرى إلى إنجلترا في عام 1966، و في يونيو 1967 أثرت النكسة في نفسيته كثيرا، ونتيجة لذلك التأثر أنشاء دارً للنشر في لندن، وهناك أصدر كتابين، حيث كان الأول عن السينما المصرية، والثاني عن السينما التشيكية، ليعود بعد ذلك إلى مصر 1977، ليبدأ مشواره السينمائي.

ميلاد بكارة أفكاره

ولدت فكرة أول أفلامه "ضربة شمس" أثناء تواجده في لندن، وأعجب نور الشريف بالفيلم وقرر إنتاجه، حيث كتب خان قصته وأخرجه عام 1978، وقال خان في لقاء سابق حول ميلاد فكرة أول أفلامه: "بدأت فكرة فيلم "ضربة شمس" في لندن، عندما كنت أمتلك محل بيع ملابس الجينز، وضعت على الأرض ورقة كرتون بحجم نصف سجادة، ورسمت فيها دوائر بالبرجل، وفي كل دائرة كنت أكتب النقاط الرئيسية في المشهد، وألون مشاهد الأكشن باللون الآحمر، ثم أنظُر إلى هذا الرسم التوضيحي من بعيد، وأقول هنا لا يوجد الكثير من الدوائر الحمراء، إذاً اُزيدها"، وتابع: "أحضرت الورقة الكرتون معي من لندن، وأعطيتها إلى فايز غالي ليكتب السينا ريو"، في أحد الحوارات الصحفية صرح نور الشريف أنه أعجب بقصة الفيلم التي كتبها خان، وقرر إنتاجه بعدما علم قرر خان بأن يبيع ممتلكاته لينتجه لتمسكه الشديد بالعمل، لتنطلق من هنا أولى أفلام خان إلى الساحة السينيمائية، والفيلم بطولة نور الشريف، نورا، حسين الشربيني، ليلى فوزي، توفيق الدقن، عبد السلام محمد، ومجدي وهبة.


جماعة أفلام الصحبة

لم يرغب خان أن يكون مخرجًا عاديًا، كانت لدية دوافع كبيرة منها رغبته في إنشاء سينما تحمل مشاهد على قدر من الثقافة، ومحاكاة الحياة الواقعية، وجذب مُشاهد لا يسعى فقط إلى مشاعد تُثير الضحك أو تحرك الغرائز، وأيضاً كان مهموماً بمحاولة تطوير السينما، ومن وراء تلك الدوافع قرر خان أن يتعاون مع عدد من صُناع السينما من أبناء جيله، لتأسيس جماعة سينمائية، لتسعى هذه المجموعة إلى الأهداف نفسها التي سعى خان إليها، وانطلقوا معًا من نفس النقطة، فكان تأسيس "جماعة أفلام الصحبة"، وضمت هذة المجموعة كلاً من محمد خان مخرجًا، والمخرج عاطف الطيب، والمخرج خيري بشارة، والكاتب بشير الديك، والمصور السينمائي سعيد شيمي، المونتيرة نادية شكري، والمخرج والسيناريست داود عبد السيد، لم يجمع بين أعضاء "جماعة أفلام الصحبة" العمل فقط، بل جمعت بينهم الصداقة، والقناعات الفكرية المتعلقة في الفن، ومشاركة قضايا واحدة، ولم تنتج هذة الجماعة سوى فيلماً واحداً كان فيلم "الحريف" من بطولة عادل إمام، وفردوس عبد الحميد، في بداية الثمانينات، حيث أن "جماعة أفلام الصحبة" لم تستمر، وتفككت، إلا أن المخرج محمد خان استمر في عمله مع مجموعة من أصدقائه من الجماعة بعد تفككها، من بينهم المونتيرة نادية شكري، التي قامت بأعمال المونتاج لأغلب أفلامه، ومدير التصوير سعيد الشيمي الذي تعاون معه خان خلال 8 أفلام، والسيناريست بشير الديك الذي تعاون معه في 6 أفلام، وطارق التلمساني الذي تعاون معه في 3 أفلام.


نساء في حياة خان

تزوج خان في أوخر السبعينات من مصممة الحلي والاكسسوارات زينب خليفة، وأسسا سوياً شركة إنتاج باسم "خان فيلم" أنتجت العديد من الأفلام من بينها فيلم "كليفتي" عام 2004، وأنجب منها المخرجة نادين خان والفنان حسن خان، إلا أن خان انفصل عن زينب بعدما أقامت الأخيرة قضية خلع ضده في مطلع الألفية، وتزوج خان بعد ذلك من الكاتبة وسام سليمان، وجمعت بينهما 3 أعمال سينيمائية "بنات وسط البلد" في 2005، و"في شقة مصر الجديدة" في 2007، و"فتاة المصنع" في 2014، وجسدت من خلالها سليمان بعض قضايا المرأة، واستمر زواجهما حتى وفاة خان.

انتشرت في وقتً سابق أخبارً عن زواج خان من الممثلة نهلة سلامة، إلا أن الأخيرة نفت ذلك من خلال استضافتها في برنامج "اختيار"، مع الإعلامية إيمان أبو طالب، حيث أكدت أنه كان هناك علاقة حبّ ربطت بينهما، وكانت ستصل إلى الزواج، لولا أن العلاقة انقطعت قبل ذلك، وأشارت إلى أن الفشل جاء من جهته خان، وليس من جهتها، من دون أن تذكر أيّ أسباب.



مخرج السينما الواقعية

كان خان أحد أبرز مخرجى السينما الواقعية، حيث كان مهموماً بفكرة محاكاة تفاصيل حياة البسطاء في المجتمع المصري، وشارك فى كتابة 12 قصة من مجمل 24 فيلما روائيا طويلا قام بإخراجها، بجانب 9 أفلام روائية قصيرة، و3 أعمال تليفزيونية، بلإضافة ألى أنه شارك بالتمثيل فى عدد من الأفلام، وكان يتجول فى الشارع ليبحث عن أحلام البسطاء والمهمشين ، حيث حرص خان قبل تصوير كل فيلم من أفلامه على النزول للشارع لمعايشة الحالة التي يحكي عنها في الفيلم ،وعندما أخرج فيلم "الحريف"، قام بتصوير مشاهد الفيلم فى حي بولاق أبو العلا، لرغبته في تجسيد وواقعية مشاهد حياة سكان الحي عن قرب، وتعاون خان مع عدد كبير من نجوم ونجمات الصف الأول في تاريخ السينما المصرية خلال مشواره الفني، فاتعاون مع النجم الراحل نور الشريف في أول أفلامه السينمائية "ضربة شمس" عام 1980.








من أعمال فارس السينما الواقعية

فيلم"ضربة شمس"
تدور أحداث الفيلم حول، مصور صحافي يعمل لدى إحدى المجلات، وتربطه قصة حب مع فتاة، موظفة تشجعه على العمل، وتحلم معه بمشروعات كبيرة، وتتم دعوته لتصوير حفل زفاف، ويلتقط خلال الحفل صورة لقصاصة ورق تحترق عليها كلمات تبدو غامضة، لتقوده هذه الكلمات إلى عصابة تتزعمها امرأة تقوم بتهريب الآثار للخارج، وتزييف النقود، وتتوالى الأحداث بعد ذلك، والفيلم بطولة نور الشريف ونور وليلى فوزي.


فيلم "موعد على العشاء"
تدور أحداث الفيلم حول "نوال" التي تقوم بدورها الفنانة الراحلة سعاد حسني، وهي سيدة متزوجة من رجل الأعمال المتسلط "عزت" الذي يقوم بدوره الفنان حسين فهمي، وتحدث بينهما العديد من المشاكل الزوجية، ثم تتعرف على "شكري" الذي يقوم بدوره الفنان الراحل أحمد زكي، وتقع في غرامه وتتوالى الأحداث.


فيلم "الحريف"
تدور أحداث الفيلم حول "فارس" عادل إمام، والذي يعمل بمصنع أحذية ويقيم بغرفة على سطح أحد المنازل، وذلك بعد ان انفصل عن زوجته لاعتدائه عليها بالضرب، ويهوى ممارسة كرة القدم "الشراب" في الشوارع والساحات الشعبية، وتتوالى الأحداث.


فيلم "أيام السادات"
يتناول الفيلم قصة حياة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث يحكي مشوار حياته من البداية وحتى حادثة اغتياله في المنصة، وذلك على مدار أربعين عامًا مليئة بالتحديات السياسية، والفيلم من بطولة أحمد زكي، وميرفت أمين، ومنى زكي.


فيلم "خرج ولم يعد"
تدور أحداث الفيلم حول "عطية" يحيى الفخراني، الذي يعمل موظفًا بسيطًا في إحدى الهيئات الحكومية، يسعى للزواج من خطيبته، وتهدده حماته بفسخ خطوبته من ابنتها لتأخره في توفير عش الزوجية، ليقرر أن يأخذ إجازة من عمله، ويسافر إلى بلدته ليبيع الأرض التي ورثها عن والده، وهناك يقع في غرام "خيرية" ليلى علوي، وتتوالى الأحداث.


فيلم "زوجة رجل مهم"
تدور أحداث الفيلم حول أحد الضباط التي تنصدم فيه زوجته بعد الزواج منه، حيث تكتشف أنه شخص متسلط وغير سوي، وتتوالى الأحداث، والفيلم بطولة كلاً من أحمد زكي، وميرفت أمين، وزيزي مصطفى.


الجنسية المصرية بقرار جمهوري

أصدر الرئيس المؤقت السابق عدلى منصور قرارا جمهورياً بمنح خان الجنسية المصرية في عام 2014، حيث عاش خان حياته كاملة مصريا يعشق تراب الوطن، وترك لمصر جواهر من الفن السينيمائي.

جوائز في تاريخ خان

حصل عن فيلم "ضربة شمس" على جائزة تقديرية ذهبية عن الإخراج الأول من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الأول، وعلى جائزة العمل الأول من جمعية الفيلم، وجائزة الدولة التقديرية، و حصل فيلمه "طائر على الطريق" على جائزة لجنة التحكيم بمهرجان القارات الثلاث في فرنسا عام 1981، كما حصد جائزة التقدير الذهبية من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما عام 1981، وحصل في نفس العام على الجائزة الأولى في ليالي الإسكندرية السينمائية، بلإضافةإلى جائزة أفضل إخراج لفيلم "الحريف" من جمعية الفيلم، وفي عام 1984حصل فيلمه "خرج ولم يعد" على جائزة "التانيت الفضي"، كما حصد فيلمه "في شقة مصر الجديدة" على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق السينمائي، وحصد خان جائزة الخنجر الفضي والجائزة الخاصة للجنة النقاد والصحفيين في مهرجان مسقط السينمائي عام 2008.


وفاة حريف السينما الواقعية

توفي المخرج المصري محمد خان بعد تعرضه لأزمة صحية مفاجئة نقل بسببها إلى مستشفى المعادي يوم 26 يوليو عام 2016، بعد أن قدم للسينما المصرية العديد من الأفلام المميزة، التي حاكى الواقع من خلالها.