المصريون الشعب الأكثر إيمانا على مر التاريخ
الأحد 03/أبريل/2022 - 11:34 م
آمن المصريون، بالحياة الآخرة والحساب والعقاب، والخير والشر، ولا شك أن المصريين القدماء عرفوا الأخلاق والقيم القائمة على الدين، بل وتعاملوا على أساسها، وكان العدل والخير والأمانة من أعمدة الحياة المصرية، بل ما من أحد قط كان مؤمنًا بالآخرة مثلما كان يؤمن بها المصريون الفراعنة، فمن أجل هذه الآخرة ابتدعوا التحنيط وحفظوا الموتى بكل ممتلكاتهم، بل وقاموا بتصوير مشاهد للآخرة ومنها الصورة التى يوزن فيها قلب الرجل وكأنهم عرفوا أن الإيمان محله القلب.
وقد تركزت الديانة فى مصر القديمة على تعدد الآلهة، حيث كان دينهم يضم نحو 700 إله وإلهة، لكن من المرجح أنهم أول من ابتدعوا فكرة التوحيد، على الرغم من أنهم لم ينتموا إلى إحدى الديانات السماوية، لكن هل كان المصريون موحدين بالفعل؟ وهل كانوا موحدين طوال تاريخهم؟
كتاب الموتى
"الإله الواحد الذى وُلد فى بدء الزمان، خالق الأرض ومكون الإنسان"، هذا ما ورد فى "كتاب الموتى" الذى أطلق عليه البعض "إنجيل المصرين"، كونه أحد أهم جوانب الديانة المصرية القديمة.
ومن الصعب تحديد إذا ما كان المصريون موحدين أم وثنيين، نظرًا للعدد الكبير من الآلهة التى كانت تعبد وقتها، لكن هذا النص يمكن فهمه على أنه دليل على توحيد المصريين وأن الآلهة المتعددة هى مجرد تجليات أو صفات مختلفة للإله الواحد، بالإضفة إلى وصف الحياة الآخرة بوضوح ودور الآلهة فيها، يعطى "كتاب الموتى" أيضًا نظرة ثاقبة على مفاهيم مهمة مثل "كا وبا"، وهى جوانب من الروح يعتقد أنها تعيش بعد الموت، وذلك يعطى لنا لمحة عن الأهمية الذى يشكلها الكتاب الأقدم فى تاريخ البشرية للمصريين.
توحيد الآلهة
يعتقد المؤرخون أن أعظم إنجاز لإخناتون "أمنحتب الرابع"، هو تقديم الإله آتون إلى المصريين فلا جميع أنحاء أمته، ليذهب الكثير إلى فكرة التوحيد التى كانت على يد إخناتون.
حاول أمنحتب الرابع بعد توليه عرش البلاد توحيد آلهة مصر القديمة بما فيها الإله أمون رع فى شكل عبادة إله الشمس وحده، ورمز له بقرصها الذى سماه آتون، وغير اسمه لإخناتون، وقال عن معبوده: "إنه لا شريك له"، وفى العالم الرابع لحكمه اختار إخناتون موقعًا لعاصمته الجديدة للابتعاد عن طيبة مركو عبادة آمون رع وكهنتها الذين قاموا دينه الجديد بشدة.
أسفرت الإصلاحات الدينية لإخناتون فى كونه مُحتقرًا بأنه "ملك المهرطقين" من قبل البعض، فى حين أن الآخرين أعجبوا به كبطل التوحيد، حتى إ، البعض قالوا إنه كان نبيا من أنبياء الله، ولم يختلف العلماء فى تاريخ المصريات أكثر مما اختلفوا حول ما إذا كان المصريون القدماء موحدين أم لا.
أول الموحدين
يقول د. زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، إن التوحيد يبدو موثقًا بشكل أكبر ومنسوب إلى الملك الفرعونى العظيم إخناتون، أحد أشهر فراعنة مصر القديمة على الإطلاق لأنه يعتبر أول الفراعنة الموحدين، والذى ألغى عبادة آلهة متعددة، وقال بأن خالق الكون والكائنات هو الخالق الواحد الأحد، وكانت متشكله أنه أخذ من الشمس مظهرًا من مظاهر قدرة الإله الواحد، فظهر كما لو كان يتعبد للشمس، والحقيقة أن أخناتون كان يؤمن بالإله الواحد خالق الكون كله.
ويتابع أن هناك من أرادوا أ، يشتهروا على حساب إخناتون قد كان نبيا، أو أنه كان مُحتلا عقليا، وقال بعضهم إنه كان مهرطقًا، أى كفر بدايانة أجداده، واختلفوا حول الأسباب التىدفعته إلى ذلك.
وهُناك بعض علماء المصريات "الكبار منهم"يرون أن التوحيد فى مصر يرجع إلى عصور الأسرة المصرية الأولى، أى قبل مولد إخناتون نحو 1700سنة تقريبَا.
ويشير د. وسيم السيسى، أحد أبرز خبراء علم المصريات، إلى أن مصر عرفت التوحيد مُنذ الأسرة الأولى، ونفى ما تردد عن كون إخناتون هول أول من أخدل التوحيد فى مصر، واستشهد فى كلامهبموت الأهرامات والتى كتب عليها باللغة الهيروغليفية: "أنا الإله واحد أحد موجد نفسى بنفسى ليس لى كفوا أحد".
ونفى د. وسيم، كون المصريين القدماء من عبدة الأوثان، مؤكدًا أنهم كانوا يعبدون الإلهه الواحد الأحد، وكان هناك صلاة ولها وضوء، مع غرف مخصصة للضوء.
آلهة مصر
وفى كتاب "آلهة مصر" لعالم المصريات الإنجليزى والسن بودج، قال: "إن التسابيح الموجهة لـ"الله الواحد، كانت تُسمع فى وادى النيل قبل خمسة آلاف سنة، وأنهم كانوا يعتقدون فى الله العظيم الواحد، خالق البشر، وسائر الشرائع، والمززود بروح خالدة لا تفنى".
أما الفرنسى "إمانويل دى روج" فى كتابه عن مصر، فيقول: "لقد كان التوحيد بكائن سام وُجد من تقاء نفسه، أزلى، أبدى، قادرًا على كل شىء، وخلق العالم وكل الكائنات الحية يُعزة ويُنسب إليه، مثل هذه القاعدة السامية الراسخة، يجب أن تضع عقائد المصريين القدماء فى أشرف وأكرم مكان بين عقائد العالم القديم"، وفى كتاب له: "إن فكرة الكائن العلى الذى أوجد نفسه، الواحد القادر على التجدد الأبدى والخلود كإله، له القدرة على خلق العالم وكل الكائنات الحية، هى فكرة تفسح لعقائد المصريين القدماء مكانًا مُشرقًا بين ديانات العالم القديم".
وذكر هنرى بروجيش، أكبر علماء المصريات فى ألمانيا، أن أولئك القوم-يقصد المصريين- كانت عقيدتهم قمة التوحيد، وجمع عدة ألفاظ من نصوصهم وردفيها: "هو الإله واحد أحد لا ثانى له.. لا أحد يعرف تكوينه.. لا شبيه له.. خالق السماوات والأرض والأعماق.. خالق الكون وكل ما فيه وما تحت الثرى".
ويكفى أن المعبود الأشهر عندهم، "آمون"، بمعنى: "الخفى"، الذى لا يراه أحد، والمعبود "أتوم"، بمعنى التام أو الكامل.
وعلى الرغم مما ذكره الباحثون الغربيون عن كثرة الآلهة فى بلاد وادى النيل وتعدد أشكالها ومسمياتها، نرى أن الكثير من كبار العلماء اتجهوا نحو فكرة أن المصريين القدماء كانوا موحدين طوال تاريخهمحتى من قبل إخناتون، وجاءت آراؤهم مستندة بأدلة مثلما وُجد على متون الأهارام ونصوص من "كتاب الموتى"، وعلى الرغم من ذلك لا يعد هذا الرأى ششهيرا بدرجة توحيد إخناتون فى فترة حكمه، والجدل حول هذا الموضوع يرجع إلى المصريين القدماء أنسهم، حيث تعمد الفراعنة تشويه إخناتون ومحوه من التاريخ بقدر ما استطاعوا.