الأوقاف: الدين لا يقف عند حدود العبادات فحسب بل يسعى إلى تهذيب القيم والأخلاق
الجمعة 29/أبريل/2022 - 10:09 م
تحدث الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، في الحلقة 28 من برنامج "رؤية" عن "آداب الطريق"، حيث أكد أن ديننا قد نظم شئون حياتنا تنظيمًا عظيمًا، ونحن مقبلون على أيام طيبة مباركة هي أيام العيد، وذلك في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر، وإسهامًا في بناء الوعي الرشيد.
وأوضح البيان أن بعض الناس يخرجون إلى الشواطئ أو المنتديات أو الحدائق أو الأماكن العامة أو الطرقات ولكل ذلك آداب ينبغي أن تراعى، ومن أهم هذه الآداب التي يجب مراعاتها أن من سلك طريقًا؛ ماشيًا كان أم راكبًا؛ واقفا كان أم جالسًا؛ أن يتأدب بآداب عدة من أهمها : غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وإماطة الأذى عن الطريق، وأن يترك المكان أنظف مما كان، وأن يراعي الآداب العامة، والأخلاق العامة، والعادات، والتقاليد الاجتماعية الراقية، وأن لا يتجاوز في حقوق الآخرين، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ، فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه (صلى الله عليه وسلم): فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ".
كما أشار البيان، إلى أن هناك أحاديث أخرى أضافت آدابًا أخرى، فأما غضُّ البصر فهو من سمات أصحاب الأخلاق الكريمة فضلًا عن كونه دينًا وإيمانًا وشرعة، فإن الإنسان الشريف الأصيل العفيف يغض بصره ولا يتطلع إلى ما حرم الله (عز وجل) يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): " النظرة أي النظرة المحرمة النظرة سهمٌ من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه" وغض البصر مما يعين على العلم فكان الشافعي (رحمه الله) يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يهدى لعاصي
مبينًا أنه علينا أن نعامل الناس بما نحب أن يعاملونا به، فإذا أردت أن تذهب إلى مكان نظيف يسرك فعليك أن تترك المكان الذي أنت فيه أنظف مما جئت، وهكذا عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، لا أن تعيب على الناس وأنت مثلهم، وفي هذا يقول الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا
كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
لا تعب الناس بمثل ما هو فيك إنما عليك أن تبدأ بنفسك فقد علمنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن نبدأ بأنفسنا فقال : "لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِمُوا" حتى لو وجدت الناس جميعا لا يلتزمون ابدأ بنفسك هكذا علمنا النبي (صلى الله عليه وسلم)، كما أن من هذه الآداب أيضًا كف الأذى يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ" إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ جزء من الإيمان، "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ أعلاها قولُ لا إله إلا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ " فقد بين نبينا (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث أن إماطَة الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ من الإيمان، والمراد بالأذى هنا كل ما يؤذي الناس من حجر أو شوك أو قمامة أو فضلات طعام أو حفر مؤذية أو غير ذلك، والمراد بكف الأذى إزالته وإبعاده عن طريق الناس، مع عدم التعرض لهم بأي لون من ألوان الأذى.
مضيفًا أنه إذا كان مطلوبًا منك أن تزيل الأذى فما بالك بمن يضع الأذى ويصنع الأذى يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): اتقوا اللَّاعنين أي الأمرين اللذين يصيبان صاحبهما باللعن الذي يتخلى أي يتبول أو يتغوط في طريق الناس أو في ظلهم ويقول (صلى الله عليه وسلم): "بينَما رجُلٌ يمشي بطريقٍ وجَد غُصْنَ شوكٍ على الطَّريقِ فأخَذه فشكَر اللهُ له فغفَر له" وقال (صلى الله عليه وسلم): "لقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ" هذه الأحاديث وغيرها تؤكد إزالة الأذى عن الطريق فما بالكم بمن يضع الأذى، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): منْ آذى المسلمينَ في طرقِهمْ وجبتْ عليه لعنتُهم"، أي حقت عليه اللعنة، أي يجلب لنفسه اللعن، فأذى الناس يجلب اللعن، وإماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ تجلب الرحمة فاختر لنفسك.
ومن حقوق الطريق أيضا رد السلام، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): "إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ، فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه (صلى الله عليه وسلم): فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ" فديننا دين السلام ورب العزة سمى نفسه السلام، ونبينا نبي السلام وتحيتنا في الدنيا السلام، وتحية أهل الجنة في الجنة السلام، والجنة نفسها هي دار السلام، وتحية الملائكة لأهلها السلام : "وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم أفشوا السَّلامَ بينَكم"، تحابوا ألق السلام على من تعرف ومن لا تعرف، فعن عبدُ اللهِ بنُ سلَامٍ رَضي اللهُ عنه لمَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ثلاثًا، فَجِئْتُ في النَّاسِ، لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ".
ومن أدب السلام أن يسلم الصغير على الكبير والماشي على القاعد والراكب على الماشي والقليل على الكثير فعن أبي هريرة (رضي الله عنه): قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ علَى الماشِي، والماشِي علَى القاعِدِ، والقَلِيلُ علَى الكَثِيرِ" ومن حق الطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعانة المحتاج وهداية السائل وارشاد بن السبيل وقد حث نبينا (صلى الله عليه وسلم) على هذا الأدب فقال (صلى الله عليه وسلم): "تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرَّجل في أرض الضَّلال لك صدقة".
كما أن من أهم آداب الطريق ولا سيما في أيام الأعياد تخفيض السرعات، فلا بد من احترام قواعد المرور وعدم التهور في السرعات وعدم اللعب بالسيارات أو بالدرجات بما يعرض شبابنا وغيرهم للمخاطر ثم يكون الندم حين لا ينفع الندم، نحذر الشباب من التهور بدراجاتهم أو بسياراتهم أو بأي آلة من الآلات في هذه الأيام حتى لا تحوِّل العيد عليك وعلى أهلك وأبيك وأسرتك وأحبائك إلى حزن وغم نتيجة تهورك فعلينا أن نراعي كل هذه الآداب في هذه الأيام المباركة.
هذا ديننا لا يقف عند حدود العبادات من صلاة أو صوم أو قيام أو ركوع أو سجود فحسب إنما يسعى إلى تهذيب القيم والأخلاق، نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يرزقنا وإياكم حسن الفهم وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.