عادل حمودة يسرد شواهد على اغتيال الموساد للعالم النووي المصري يحيى المشد بسبب العراق
سرد الكاتب الصحفي عادل حمودة، وقائع تفوق واغتيال العالم المصري النووي يحيى المشد، وقال إن المشد ولد في بنها عام 1932، وتخرج في قسم الكهرباء في جامعة الإسكندرية عام 1952، وحصل على الدكتوراة في هندسة المفاعلات النووية من الاتحاد السوفيتي عام 1962 . وبعد عودته من البعثة طلب منه جمال عبد الناصر إنشاء قسم الهندسة النووية بمشاركة الدكتور عصمت زين الدين.
هدفنا هو تصنيع سلاح نووي عربي
وأضاف حمودة خلال برنامجه "واجه الحقيقة" على قناة القاهرة الإخبارية: أتذكر ان الدكتور عصمت زين الدين قال لي منذ سنوات طوال: إن هدفنا هو تصنيع سلاح نووي عربي لخلق توازن نووي مع إسرائيل. لكن بعد حرب يونيو كما قلت توقف كل شيء ووجد المشد نفسه بلا عمل.
وتابع: حسب ما سمعت من السيدة زنوبة علي خشخاني أرملة يحيى المشد، منذ سنوات بعيدة، فإن المشد بحث عن فرصة عمل في العراق في عام 1975 لكنه لم يعمل في هيئة الطاقة النووية العراقية وإنما عمل في أحد المعاهد الفنية المتوسطة الأقرب إلى المدارس الصناعية، وفي عام 1975 نفسه أبرمت اتفاقية للتعاون النووي بين صدام حسين والرئيس الفرنسي جيسكار ديستان لتوريد مفاعلين إلى العراق هما إيزيس وأزوريس.
وأكمل: اكتشف العراقيون وجود المشد في بلادهم فطلبوا منه الإشراف على المفاعلين لكن كانت هناك مفاجأة في انتظار الجميع. كانت صناديق المفاعلين ستشحن في 7 أبريل 1979 من طولون إلى مارسيليا ومنها إلى البصرة لكن فجر تسعة من عملاء الموساد الصناديق قبل شحنها في عملية سميت "قرص العسل" وتضرر 60% من المفاعلين وبلغت الخسائر 13 مليون دولار.
وأضاف: سارعت فرنسا بإرسال مفاعلات بديلة وحجم متفق عليه من اليورانيوم اعترض عليه المشد لعدم مطابقته للمواصفات. وهنا أصر الفرنسيون على حضوره بنفسه لمراجعة كل شيء قبل شحنه، لكن رحلته أخذت مسارا مختلفا، ووصل المشد إلى باريس للعمل في المشروع النووي يوم 7 يونيو 1980، لكن بعد 6 أيام وبالتحديد يوم 13 يونيو، وجدوه مقتولًا في الغرفة رقم 9041 بفندق الميريدان بوليفار سان كير.
وكشف حمودة: كُنت في باريس وقت وقوع الجريمة، وفوجئت بخبر عن إغتيال عالم نووي مصري في قلب العاصمة الفرنسية باريس، وعلى نحو مثير، كتبت الصحافة الفرنسية أن الحادثة كانت جريمة عاطفية وليست جريمة سياسية أو نووية. وتم تداول اسم امرأة مجهولة تُدعى ماري كلود ماجال وشهرتها ماري إكسبرس باعتبارها المتهمة الأولى في الحادث، بدافع الفضول الصحفي قررت الذهاب لمسرح الجريمة، وبدأت بعد ذلك رحلة بحث على مدار عام للوصول إلى الحقيقة.
وتابع: ظلت الحادثة عالقة في ذهني وحرصت على جمع المعلومات والشهادات المختلفة ومن أهمها شهادة أرملته السيدة زنوبة علي الخشخاني والتي كانت متأكدة أن اغتيال المشد كان نتيجة عمل مدبر، وكأن الجاني كان يريد اغتيال المشد مرتين، بقتله مرة، وتشويه سمعته مرة أخرى. وتعد هذه القضية واحدة من أكثر القضايا غموضا في فرنسا، وبدأت بعض التحليلات الفرنسية تؤكد تورط الموساد، وكان أول دليل على تورط الموساد ليس في فرنسا وليس في مصر، ولكن عبر أثير الإذاعة الإسرائيلية وبالتحديد بعد ساعات قليلة من إغتيال العالم المصري.
وقال حمودة: أثار دور ماري إكسبرس فضولي الصحفي خاصة أنها كانت الشاهدة الوحيدة والتي أكدت التحقيقات أنها حاولت التقرب من العالم المصري، الذي رفض التجاوب معها وابتعد عنها ولكنها ظلت منتظرة على باب غرفته في الفندق على أمل أنه يفتح لها الباب، لكن الباب ظل مغلقاً في وجهها، وحسب شهادتها الرسمية، كانت هناك أصوات معركة دائرة داخل غرفة المشد في ليلة وفاته. وبعد شهر.. وبالتحديد في 12 يوليو 1980 دهست سيارة مسرعة الشاهدة الوحيدة وفي ثواني ـصبحت جثة هامدة. وكان اغتيالها دليلا جديدا على تورط جهاز الموساد في اغتيال العالم المصري، وظهرت في ما بعد شهادات عديدة تؤكد هذه الحقيقة.
هناك عددا كبير من التسربيات أكدت تورط جهاز الموساد في عملية الاغتيال
وأوضح حمودة: المثير أن هناك عددا كبير من التسربيات أكدت تورط جهاز الموساد في عملية الاغتيال على سبيل المثال، ضابط المخابرات الاسرائيلية المنشق فيكتور ستروفيسكي أشار في كتاب من تأليفه بعنوان بطريق الخداع في سبتمبر 1990، لتفاصيل هذه العملية، اعترف ستروفيسكي أن عميل في المخابرات الإسرائيلية يتحدث العربية ذهب للمشد في غرفته وحاول الدخول مؤكدا للعالم المصري أن لديه عرض مالي ضخم له مقابل التعاون مع جهة ما، لكن المشد طرده.
بعد ساعات من طرد المشد لهذا العميل تسلل إلى غرفته اثنان من عملاء الموساد وفتحوا الباب بمفتاح مزور وحطموا رأس العالم المصري، ووضعوا لافتة عدم الازعاج على باب غرفته لضمان وفاته قبل أن يفكر أي شخص في دخول الغرفة.
وأكمل: الاعتراف الثاني للموساد باغتيال المشد جاء في كتاب الصحفي البريطاني الشهير جوردن توماس جواسيس جدعون، وكتب توماس: رئيس الموساد في الفترة ما بين عامي 1974 و1982 أصدر أمرا إلى فرقة اغتيال من أجل التخلص من المشد بأي طريقة، تم تنفيذ عملية الاغتيال بالفعل والتي حملت اسم (عملية سفنكس في ملفات الموساد.
وأوضح: لما قرأت ملف الجريمة عرفت سر الإصرار على اغتيال المشد، فحسب ملف جريمة اغتيال العالم المصري، أكد تقرير لجنة الطاقة الذرية الفرنسية أن الدكتور يحيى المشد هو الوحيد القادر على تطوير البرنامج النووي العراقي إلى حد الاقتراب من القنبلة الذرية.. والأهم أن التقرير أشار إلى أن قبل اغتياله بساعات كان قد أنهى بنجاح مهمته في فحص الوقود النووي من اليورانيوم المخصب بدرجة 93% والذي يمكن استخدامه في صناعة القنبلة الذرية. ولم تكتف إسرائيل بقتل المشد فقط، ففي عام 1981 استهدفت عدة غارات اسرائيلية المفاعل النووي العراقي، وتم تدميره بالكامل، لتكتمل سلسلة الاجراءات لصالح أن تظل إسرائيل منفردة في المنطقة بالقوة النووية.