مسلسل من عملة نادرة
في السباق الدرامي الرمضاني نشاهد الأعمال الدرامية المتنوعة ما بين الكوميديه والإجتماعية والرومانسية والوطنية ولكن تظل دراما الصعيد الوجبة الدرامية المحببة لدي شريحة كبيرة من المشاهدين علي مختلف ثقافتهم و ميولهم و طبقاتهم الإجتماعية
ومنذ فترة غابت دراما الصعيد بالشكل الذي إعتادنا عليه من وقت دراما مسلسلات عظيمة و خالدة مثل ذئاب الجبل و الضوء الشارد و غيرهما.
وبالرغم من وجود تجارب معدودة من لعام لآخر عن دراما الصعيد في دراما رمضان إلا أنها ظلت بعيدة كل البعد عن مستوي هذه المسلسلات الخالدة العالقة في الأذهان و القلوب
إلي أن أطل علينا هذا العام مسلسل من عملة نادرة كما لو كان إسم علي مسمي الكاتب الأستاذ مدحت العدل يقدم لنا هذا العام واحد من أفضل بل يكاد يكون أفضل عمل درامي في رمضان، عمل فني متكامل و نادراً ما نري عملاً فنياً متكاملاً خاصةً في السنوات الأخيرة فكل عمل مهما كان ممتاز نجد فيه بعض الخلل .
أما هذا المسلسل "عملة نادرة" فمن أول التتر تجد الكلمات للخال الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي بصوت الكينج محمد منير الذي يظل صوته يمتلئ بالإحساس مهما مرت عليه السنين.
قد تكون قصة العمل قد تم تناولها بشكل أو بآخر من قبل والصراع بين أهالي الصعيد وأن يكون هناك كبير للمنطقة ونساء لا يرثن وموضوع الثأر والانتقام والعصبية في الصعيد، كل هذا تم تناوله بشكل أو بآخر في أعمال عديدة في دراما الصعيد، ولكن ما يميز هذا العمل عن غيره عنصر التشويق الذي لا تخلو منه حلقة من المسلسل و كل حلقة بها حدث إلي جانب عدم كرتونية الشخصيات فنجد كل شخصية في هذا المسلسل لها قصة وحكاية ووجودها في العمل له ألف داعي وداعي حتي وأن كان ظهوره محدود وهذا ما كان يحدث فقط في أعمال عمدة الدراما العربية الأستاذ الكبير أسامة أنور عكاشة فنراه من جديد شخصيات كلها من لحم ودم وليس فقط يستأثر المسلسل ببطل أو بطلين أو علي الأكثر ثلاثة فالكل في هذا المسلسل بطل قصته وكأن هذا المسلسل هو عدة مسلسلات و ليس مسلسل واحد.
الممثلين في هذا العمل في أفضل حالاتهم الفنية علي الإطلاق النجمة نيللي كريم تكاد تكون بلا مكياچ نهائي طوال أحداث المسلسل وكعادتها نيللي كريم الممثلة تنتصر علي نيللي كريم النجمة اللامعة فقد تكون نيللي كريم النجمة الوحيدة بلا إبتسامة سمايل هوليوود ووجهها البسيط بالملامح المصرية الأصيلة بلا فيلر أو بوتكس أو ما يعرقل تعبير وأداء الممثل بوجهه الذي يتغير ملامحه بفعل ما يسمي بالتجميل وهذا وحده كفيل أن يجعل من نيللي كريم نجمة إستثنائية شكلاً و مضموناً .
جمال سليمان يقدم دوراً مهماً ومعقداً ويتفوق علي نفسه في أدوار صعيدية قدمها قبل هذا الدور فكان هنا أكثر نضجاً وتوهجاً ماسكاً بيده تفاصيل الشخصية بكل تفاصيلها .
عودة أحمد عيد و كأنه شخص آخر ممثل لم نراه من قبل كأنه وجه جديد تماماً سنوات غيابه أثقلته خبرة و نضج و توهج فعاد منتصراً لفنه و أداءه الذي يستحق عنه جوائز.
كل من في هذا العمل من ممثلين يسطعوا في أفضل حالاتهم من الأستاذ الكبير كمال أبو رية والفنان أحمد فهيم الذي يقدم لنا نفسه بعيداً عن محمد رمضان ومحمد سامي فيتفوق و يزداد تألق و روعة والنجم محمد فهيم الذي يفاجئنا دوماً بأن عنده المزيد والمزيد .
وكلا من الوجوه المبشرة بالخير والتي تؤكد أن المواهب لا تنتهي وأن هناك فنانات عظيمات يستطعن أن يكونوا لهن أعمال تحمل إسمهم ندا موسي و مريم الخشت وريم رؤؤف.. شكراً للعدل جروب علي إختيار هؤلاء الثلاثة معاً فقد أضافوا للعمل فكل واحدة منهن تمتلك الموهبة الكبيرة والحضور الطاغي والوعي لما يقدموه.
المخرج محمد العدل قائد هذا العمل
استطاع أن يجعل من سيناريو العمل وموضوعه رؤية واضحة خاصةً مع الإضاءة المظلمة التي تعبر عن أحداث العمل بل والشخصيات نفسها..
المخرج محمد العدل يقدم واحد ليس فقط من أجمل وأهم أعماله ولكن يقدم عملاً فنياً يخلد إسمه مع كبار المخرجين العظام الذين أمتعونا بأعمالهم الخالدة التي وإن مر عليها عشرات السنوات تظل تُشاهد علي من جيل لآخر وهذا نادراً ما يحدث في مسلسل درامي في الفترة الأخيرة، فهناك مسلسلات كثيرة ناجحة ولكن ليس كل مسلسل ناجح يعيش ويظل في ذاكرة الجماهير وتاريخ الدراما.
وفي النهاية نحن أمام أفضل عمل درامي من عملة نادرة .