أحلام الفراعنة
أحلام الفراعنة.. كان الحلم عند قدماء المصريين يمثل فترة يقظة في وسط النوم ولذا اطلق المصريون القدماء علي الحلم فى اللغة المصرية القديمة "رِسوت" وهى كلمة مشتقة من الفعل "رِس" و معناه يستيقظ والأستيقاظ وكانت الأحلام وتفسيرتها تدون في عهد قدماء المصريين على أعمدة طويلة بعضها فوق بعض .
لم يكن كلّ حلم يتطلب ، إلا سطراً واحداً، المصريين القدماء كانو يبدءون رواية أحلامهم او تدوينها بتلك الجملة :(عندما يرى الإنسان في المنام.)
كما نبدأ نحن الآن رواية أحلامنا بصيغة مشهورة متداولة بين الناس : (خير اللهم اجعله خير) ولكن عند قدماء المصريين هذة الجمله الأفتتاحية للأحلام كانت تتعلق ، في الحقيقة، بكلمات سر كان يستخدمها المفسر كجسر ناقل لتفسيرات أكثر دقة.
والنوم بطبيعة الحال مرحلة بين حياة وحياة اخري مثل الموت ولكن المصري لم يطلق علي الكابوس مصطلح محدد بل كان يصفه ب " الحلم المخيف " وكان ينصح النائم بان يضع كفيه علي وجهه حتي يستطيع حماية نفسه من الحلم المخيف.
كان يُنظر الى الأحلام على انها مساحه من الفضاء تفصل بين عالم الأحياء والعالم الآخر يُسمح فيها للحالم في عالم الأحياء بالإتصال بسكان العالم الآخر من المعبودات والأموات والملعونين.
الـoneiromancy وهو علم تفسير الأحلام عند قدماء المصريين وهو نوع من أنواع العرافه ويندرج تحت علوم الكهانه وبلغ من أهمية هذا العلم انه كان احد أدوات الكهنه خاصة في عصر الرعامسه فى تفسير احلام الصفوة وأحلام متبعيهم من عامة الشعب.
ثم اصبحت الأحلام بعد ذلك وسيله من وسائل التأثير على الشعب او الوصول الى الحكم او إيصال فكره معينه يريدها الحاكم ويريد إكتساب التأييد عليها. فكان من أبرز الملوك الذين استخدموا الأحلام كوسيله لإكتساب نوع من التأييد او الشرعيه هم تحتمس الرابع وأمنحتب الثانى ومرنبتاح.
النوم والأحلام مش مجرد استراحة و فاصل لكى نواصل أنشطة حياتنا الدنيا ، عالم الأحلام فى نظر أجدادنا كان هو العالم الحقيقى، وعالم اليقظة كان فى نظرهم حِلم .
مثل ما وصفته أناشيد عازف الهارب و قالت : "ما الدنيا إلا حِلم قصير"، عالم الأحلام هو نفسه العالم الآخر , الذى نرتحل إليه عند الوفاة .
بعبارة أخرى: الموت فى الصوفية المصرية هو يقظة روحية ، فى الأحلام أرواحنا ترتحل لعالم عجيب قوانينه مختلفة عن عالم اليقظة ، ونستطيع أن ننتقل من مكان لمكان بقوة الفكر.
أكتر شئ يميز الأحلام عن الواقع هو غياب التسلسل المنطقى للأحداث .
المشاهد فى الحلم تتغير فجأة , و بدون أى رابط بينها فجأة ترى نفسك ، فى مكان مع شخص (أو مجموعة أشخاص) ويحدث موقف معين وبعدها مباشرة ترى نفسك فى مكان أخرى مع أشخاص أخرى و موقف أخر مختلف تماماً كيف تم ذلك؟!
أسئلة ليس لها أجوبة فى عالم الأحلام , لأن الروح فى العالم ده تنتقل بقوة الفكر ، عالم الأحلام هو نفسه العالم الآخر الذى أرواحنا ارتحل له بعد انتهاء حياتنا الدنيا .
لذا نلاحظ غياب الترتيب المنطقى فى مشاهد كتب العالم الآخر عند الأجداد , خصوصاً كتاب الخروج للنهار فى العالم الآخر المشاهد تتغير بدون أى رابط منطقى بينها .
نجد الفنان يصور موقف معين أو تجربة بتمر بيها الروح و بعدها ينتقل لموقف تانى و تالت وهكذا بدون شرح أو تفسير لكيفية الانتقال من موقف لأخر .
لو سألنا عن الترتيب المنطقى و كيفية التنقل فى العالم العجيب نخرج منه و نرجع لعالمنا المادى , لأن العالم الآخر لا تنطبق عليه قوانين عالمنا .
لو نقترب من فهم كتب العالم الآخر المصرية من الأفضل نتعامل معاها مثلما نتعامل مع الأحلام ونراها كأننا نرى حلم .
فى الأحلام يمكن للمرء أن يدخل للعالم الالهى النقى , و فى الأحلام يمكن أن تكون له علاقة مباشرة بالقوى الالهية و أرواح الطبيعة و أرواح الأجداد المتوفين .
فى الأحلام يصبح بمقدورنا أن يلغى الزمن التاريخى ويستعيد الزمن الأسطورى الذى وقعت فيه أحداث قصة الخلق بالتالى يصير جزءا من لحظة ولادة الكون و بالتالى يمكنه أن يتلقى الوحى و الرؤى الالهية .
النوم فى نظر المصريين القدماء كان صورة مصغرة من الموت . أثناء النوم أرواحنا بترتحل للعالم الآخر , وهذا نفس العالم الذى ننتقل إليه بعد انتهاء حياتنا الدنيا . العالم هذا اسمه "دوات" (العالم النجمى / أعماق السماء / subconscious) .
الدوات هو العالم الحقيقى الذى تكتشف فيه الـمعبودات (قدرات الخالق) عن حقيقتها والتى نقابل فيه أرواح الأسلاف , و هناك نتلقى رسائل ربانية على هيئة رموز مستمدة من العالم المادى.
كانت الأحلام وسيله من وسائل الكشف عن المستقبل للشخص الرائى، وكان يُنظر اليها على انها علم من العلوم لأنها كانت تحتوى في بعض الأحيان على معلومات في مجالات مختلفه مثل علم العرافه والفلك، وكانت كتب الأحلام تُكتب على هيئة نصوص علميه حقيقيه فكانت تحتوى على نصوص طبيه وقانونيه.
واعتبر المصرى القديم تجربة الحلم واقع يستحق الاهتمام، فكان أول من أوجد دواء لإضطرابات النوم فاستخدم بذور الخشخاش (الأفيون) كمخدر لعلاج الأرق والصداع.
وشاعت الاحلام في العصر المتأخر وظهر ما يسمي بكتب الاحلام وان ظهرت اصلا في الدولة الوسطي والحديثة وفي هذه الكتب كانت تفهرس الاحلام ويتم تفسيرها ومن المعروف ان الذي يفسر الحلم هو كاهن السم.
الأحلام رسائل من الآلهة في عقيدة المصريين القدماء ، وكان المصريون يزورون المعابد وينامون في أسرّة مخصصة للأحلام، على أمل أن تصلهم رسائل الآلهة.
وكانت هناك أماكن لتفسير الأحلام تسمى دور الحياة عُرفت دور الحياة في مصر منذ الدولة القديمة كانت توجد في المعابد الكبيرة مثل معبد الإله "مين" في مدينة "فقط" جنوب مصر، ونُظر إليها باعتبارها نوعاً من الأكاديميات أو المعاهد العليا أو الجامعات أو المكتبات، إذ جمعت بين العلوم المختلفة وكذلك العلماء والكتبة الذين لقبوا بألقاب عديدة منها "كتبة دار الحياة العارفون بالأشياء" و"علماء دار الحياة"، و"هيئة دار الحياة"، وكان يفترض بهم الإلمام بالسحر وفنونه والطب والمعارف العامة والدين. وبالإضافة إلى تفسير الأحلام، كان يُرجع إلى علماء دور الحياة، من أجل بعض الشؤون الدينية، والتحري عن الصيغ السرية للآلهة، وتأليف أناشيد التعبد للملوك، وتبين العلامات الإلهية في الحيوانات المقدسة، وصياغة الألقاب المناسبة لها.
وكانت فى مصر القديمة معابد مكرسة لحضانة الأحلام، أي صناعتها أو إحداثها عمداً، مع كهنة مقيمين بشكل دائم عرفوا بـ"سادة الأمور السرية"، وذلك لأغراض متعددة، منها تشخيص الأمراض والتعامل مع العلل عبر استدعاء الآلهة في الأحلام. فمن ينام في مكان مقدس يأمل أن تحضر الآلهة إليه، وإن لم يعط إجابة على الأسئلة بواسطة فم خاص، فإنه ربما يجد الإجابة في الدعاء والصلاة.
أصحاب الأحلام المتوقعة تطلب منهم ممارسة أنواع مختلفة من السلوكيات، منها عدم الإسراف في أنواع معينة من الأطعمة والمشروبات، مثل النبيذ واللحوم والبقول، وكذلك أي تعاملات جنسية. وكان عليهم أن يجتازوا طقوس التنظيف في الماء البارد. وفي الليل كانت هناك خدمات على ضوء المشاعل تشتمل على صلوات جياشة. وفي النهاية، كان المرضى ينامون في مهجع خاص، فيه عدد كبير من الثعابين الصفراء التي لا تؤذي. وعند استيقاظهم في اليوم التالي، بخبر المرضى أن الإله أتى في أحلامهم ونصحهم باستخدام دواء معين وأغذية، كي يتعاملوا مع أمراضهم وعللهم، وفي بعض الحالات كان المرضى يتم شفاؤهم في الليل.
في مصر القديمة كان هناك معابد مخصصة لصناعة الأحلام وإحداثها عمداً، وذلك لأغراض متعددة. تعرفوا إليها وفي العادة، يفسر الحلم في أحداث مشابهة، فمن يرى أنه يشرب دماً فهو ينتظر كفاحاً أو عراكاً، ومن يحلم بأنه يشرب من البول الخاص به، سوف يعيش بفضل ابنه، لأن مدلولات البول والنطفة وكذلك الابن متداخلة، والسيدة التي تلد قطة ستلد أبناءً كثيرين، لأن القطة خصبة الإنجاب.
وكان مفسري ألأحلام في مصر القديمة يفسرون كما نفسر نحن الأن أيضا فجزء كبير من تفسيراتهم كانو يدركون أهمية الأخذ في الاعتبار ظروف حياة الحالم ونوع الحلم فيها.
أن المصريين القدماء كانوا يعتقدون أن أحلام الخوف أو الكوابيس تصيب أصحابها بأضرار صحية، تحدثها عن طريق أساليب شيطانية، وعن طريق الأموات أو القتلى، وأن منع ظهورها ومعالجتها يكون عن طريق السحر أو الدواء. تغطية الوجه، التي ما زالت عادة شرقية حتى الآن، هي إجراء احتياطي وقائي اتبعه المصريون القدماء ضد ظهور أحلام الخوف. وهناك وصفات طبية كان يتم تحضيرها لحماية السيدات الحوامل من الكوابيس، لأنها تهدد بحدوث أضرار للجنين وهو في رحم أمه. وكانت هناك تعويذة أو رقية، يقولها المرء الذي يصاب بالأرق نتيجة هذه الكوابيس، وتتلى بعدما يأخذ خبزاً وأعشاباً طبية طازجة نقعت في جعة ومر، ويقوم بتدليك وجهه بها، فتذهب عنه كل الأحلام الشريرة التي يراها. وكان على الفرد ألا يحكي تفاصيل حلمه المزعج حتى لا يصبح حقيقة
كذلك كان يؤخذ في الإعتبار عند التفسير الجانب الحسي للحالم وطبعه ومزاجه.
من المبادئ المهمة التي اعتمد عليها المصريون القدماء في تفسير أحلامهم، أن أي حلم يمكن أن يكون له تفسيرات مختلفة تبعاً للشخصية، لذلك يجب معرفة تخصص هذا الشخص ووضعه وحالته الاجتماعية، ومركزه المالي، وحالته الصحية وعمره ورغم ذلك، وجد اتفاق ما على تفسير عدد من الأحلام الرمزية. على سبيل المثال، الذي يقوم بأعمال بناء في بيته، يعني أن حياته ستدوم طويلاً، والتفسير نفسه ينطبق أيضاً على من مات في منامه. وإذا رأى رجل في حلمه أنه ينظر في بئر ماء عميقة، فهذا يعني أنه سيوضع في السجن، فالبئر العميقة تؤكد على فكرة احتباس الماء. ومن رأى نفسه مع من هو أكبر منه، بُشر بالترقية إلى منصب أكبر. أما اشتعال النار في الفراش، فهو نذير بطلاق الزوجة، ورؤية الرجل نفسه في المرآة كناية عن نفس ثانية معه، أي أنه سيتخذ زوجة ثانية.
مسألة تدوين كل حالات الحلم الممكن تخيُّلها فعلها المصريين القدماء وإستطاعوا صياغة دقيقة للأحلام في مفكّرة لإزالة كل مصادفة، فالأحلام عند قدماء المصريين كانت بالأهمية لتدوينها ودراستها دون ترك شئ للصدفه إذا أمكن ذلك. ومن هنا نشأت أولى مفاتيح الأحلام منذ أربعة آلاف سنة، ( 4000)عام.
وضع القدماء أولى مبادئ علم النفس، من خلال اهتمامهم بظاهرة الأحلام والرؤى، واعتبارهم أنها تعبر عن مشاعر ومحسوسات الشخص، كما يمكن من خلالها تحليل الشخصية واكتشاف العطب النفسي الذي شابها.
ولمصر الحق في أن تدّعي لنفسها مجد ممارسة هذا التفسير في العمق، للمرة الأولى إن تفاسير الأحلام الإغريقية والعربية والهندية قد تبنت فيما بعد الطريقة ذاتها، وأعاد عصرنا "اكتشافها" من جديد.