الجانب الإيجابي للتكنولوجيا.. متخصصون في الأقمار الاصطناعية يحددون أولويات المساعدات الانسانية في أوقات الكوارث والحروب.. ويؤكدون: انقطاع الاتصالات بالمناطق المنكوبة أبرز التحديات
لقد وصل القتال الدائر بين حركة حماس واسرائيل الي ذروته مما ادي الي نزوح 1.4 مليون فلسطيني على الأقل في قطاع غزة، وسط ظروف معيشية عصيبة وتعذر الوصول إلى الماء والغذاء والكهرباء والامدادات الطبية. وفي خضم هذا الصراع الذي راح ضحيته أكثر من 9 آلاف فلسطيني و 1400 إسرائيلي، وصعوبة وصول المساعدات الانسانية إلى القطاع بشكل منتظم، يتبادر الى الاذهان السؤال بشأن أهمية هذه المساعدات وأولوياتها في مثل هذه الصراعات وفي حالات الكوارث الطبيعية.
ويقول ناثانيال رايموند المدير التنفيذي لمختبر أبحاث المساعدات الانسانية التابع لكلية الصحة العامة بجامعة يال الأمريكية إنه من أهم أسباب الوفاة في حالات الحروب ليس الرصاص ولا القنابل، بل وفاة المدنيين جراء سوء التغذية. وأضاف في تصريحات للموقع الإلكتروني الأمريكي "بوبيولار ساينس" المتخصص في الأبحاث العلمية أن توفير الامدادات اللازمة لانقاذ الأرواح بسرعة مناسبة يمكن أن يحول دون تفاقم أزمة معينة إلى كارثة يروح ضحيتها مزيد من القتلى.
ويرى رايموند أن تجهيز المساعدات الانسانية وترتيب أولوياتها يشبه العزف داخل فرقة أوركسترا، فلابد من تنسيق جهود عمال المساعدات وتوفير التمويل ووسائل النقل وغيرها من الموارد من أجل تحقيق استجابة فعالة في حالات الكوارث. ويقول إن الكارثة الانسانية قد تقع في أي لحظة، وبعدها تتضافر جهود الهيئات الدولية والمنظمات غير الربحية لتوفير الخدمات اللازمة لتخفيف وطأة الأزمة عن كاهل الضحايا على الأرض، وعادة ما تتضمن المساعدات توفير المياه النظيفة والغذاء والدواء بحيث يستطيع الناجون البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة من الوقت.
ويقول دانيل موتون سميث مدير مكتب المساعدات الانسانية التابعة لوكالة المساعدات الأمريكية "يو.إس. إيد" إن حجم المساعدات المطلوبة يتوقف على نوع وجسامة الأزمة. وأوضح في تصريحات لموقع "بوبيولار ساينس" إنه في حالات الزلازل التي تبلغ شدتها 6.1 درجات على مقياس ريختر أو أكثر، يتركز الاهتمام على توفير الملاذات الآمنة واحتياجات الرعاية الصحية العاجلة، أما في حالات الجفاف على سبيل المثال، تكون الأولوية هي توفير الغذاء. ورغم أن احتياجات البشر لا تتغير بمرور الوقت، توصل خبراء المساعدات إلى آليات معينة لتوفير المساعدات بشكل منسق في مختلف الازمات والكوارث.
ويقول موتون سميث إن زبدة السوداني يمكنها على سبيل المثال إشباع الجوع في حالة تعذر وصول المساعدات الغذائية الأخرى، حيث أن هذا المنتج الغذائي غني بالبروتين ويحتوي على سعرات عالية ومكونات غذائية بالغة الأهمية. وذكر أن الخبراء نجحوا في ابتكار عبوات تحتوي على زبدة السوداني الشهية بحيث يسهل على الأطفال تناولها، كما تتميز بتناسب سعرها مع قيمتها الغذائية وسهولة نقلها وتخزينها، مما يجعلها من الأغذية المثالية في وقت الكوارث.
وأضاف أنه خلال المجاعة التي اجتاحت النيجر مطلع القرن الحالي، استطاعت منظمات المساعدات إعادة أكثر من 63 ألف طفل إلى الوزن الصحي بعد دمج زبدة السوداني مع وجباتهم الغذائية في غضون أسابيع قليلة.
ونظرا لأن الكوارث الطبيعية والصراعات المسلحة عادة ما تتسبب في انقطاع الاتصالات بالمناطق المنكوبة، فإن الوصول إلى خدمات الانترنت يعتبر من الأولويات التي تتطلبها جهود المساعدات الانسانية. ويقول رايموند: "في مختلف أنواع الكوارث، ينظر الكثيرون إلى الاتصال بالانترنت باعتباره من الاحتياجات الأساسية"، مضيفا أن "توافر شبكات المحمول وتغطية النطاق العريض لخدمات الانترنت ينطوي على أهمية بالغة من أجل تبادل المعلومات وتعقب أثر الناجين الذين يتعرضون للنزوح جراء الأزمات. وذكر أنه من الممكن توفير أجهزة لبث شبكات الانترنت المحلية (واي فاي) لتلبية الاحتياجات العاجلة الخاصة بالاتصالات لحين استعادة البنية التحتية للاتصالات في هذه المناطق.
ويقول رايموند أن المساعدات النقدية تنطوي على أهمية بالغة في حالات الكوارث والصراعات، موضحا أنها تساعد السكان على تناول وجبات متنوعة ذات سعرات حرارية مرتفعة، كما تتيح للضحايا مرونة في استخدام الموارد المتاحة لديهم على النحو الذي يرونه مناسبا، وتكفل بالتالي "احترام كرامة السكان عن طريق اعطائهم حرية الاختيار، وبمرور الوقت، تساعد المساعدات النقدية في إعادة الاستقرار للأسواق المحلية واستعادة الكفاءة الذاتية في المجتمعات المنكوبة".
ومن بين التحديات التي تواجه المنظمات الانسانية صعوبة توصيل المساعدات المالية والعينية للمحتاجين، وهنا تظهر أهمية استخدام تقنيات وتطبيقات تحويل النقود إلى المستحقين داخل المناطق المحاصرة من أجل توفير الدعم الانساني العاجل لحين التوصل إلى آليات مرور قوافل المساعدات بشكل آمن.
ويقول موتون سميث: "إنه تطور جديد تحقق خلال السنوات العشر الماضية"، فالآن يستطيع أي شخص استخدام بطاقات الائتمان الإلكترونية لسحب الأموال أو تحميل المساعدات النقدية، ورغم أن بعض هذه الخدمات مثل "ماني جرام" على سبيل المثال تسمح بإجراء عمليات تحويل نقدي شبه فورية، لا تزال هذه المنظومة غير مثالية حيث أظهرت الحرب الدائرة في أوكرانيا والصراع بين إسرائيل وحماس أن البعض قد يلجأ للاحتيال والخداع من خلال انتحال هوية غيرهم وسرقة بيانات شخصية من أجل الاستيلاء على المساعدات المالية الموجهة للمنكوبين.
ويؤكد موتون سميث أن التصوير بالأقمار الاصطناعية يعتبر من التقنيات الحديثة بالغة الأهمية في مجال المساعدات الانسانية حيث يمكن من خلاله تتبع حركة النازحين وتحديد المواقع التي يمكن توصيل المساعدات الانسانية من خلالها، كما يمكن استخدام صور الأقمار الصناعية للتنبؤ بالأزمات الغذائية عن طريق رصد تدهور المحاصيل الزراعية في منطقة ما، وبالتالي التحرك بشكل استباقي لتوفير الاحتياجات الغذائية لمجتمعات بعينها.
ويرى الخبراء أن المساعدات الخارجية هي شكل من أشكال الدبلوماسية التي يمكن أن تعزز العلاقات بين الدول، وتدعم الأمن القومي للبلدان لأن وقوع أزمة انسانية أو صراع مسلح في دولة ما ينذر دائما بشيوع الفوضى في المنطقة المحيطة بهذه الدولة.