اهتمام إعلامي عالمي بذكري إنقاذ اليونسكو لمعبدي أبو سمبل من الغرق.. موقع ألماني يتناول الحدث التاريخي الأثري "صور"
سلط الاعلام الدولي الاضواء حول ذكري إنقاذ اليونسكو لمعبدي أبو سمبل ونشر موقع “دويتش فيليه” تقريرا حول ذلك
في نوفمبر 1963 انطلقت حملة دولية مذهلة أدت إلى إنقاذ معبدي أبو سمبل بجنوب مصر من الغرق في مياه بحيرة ناصر والضياع للأبد. ولاتزال الحملة تعتبر إنجازا تقنيا رائعا ونقطة انطلاق لتطوير مفهوم التراث الثقافي العالمي لليونسكو.
في عام 1953، قررت مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بناء سد جديد على نهر النيل بالقرب من أسوان، التي تقع على بعد حوالي 900 كيلومتر جنوبي العاصمة القاهرة.
وبالفعل بدأ بناء "السد العالي" في عام 1960، ومعه بدأ سباق مع الزمن لانقاذ معبد ابو سمبل من الغرق ، فباكتمال بناء السد كان مجمع المعابد في أبو سمبل سيختفي في مياه الخزان الجديد إلى الأبد. وتقع قرية أبو سمبل الحديثة، حيث يوجد المعبدان، على بعد حوالي 280 كيلومترا جنوبي مدينة أسوان.
لجأت مصر حينها إلى منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة "اليونسكو"، مناشدة العالم المساعدة المالية والتقنية لإنقاذ مجمع المعابد ونقله.
50 دولة تهب لإنقاذ معبدي أبو سمبل
في أبو سمبل، تلك المنطقة من بلاد النوبة المصرية، يقف معبدان بناهما الملك رمسيس الثاني في القرن الـ13 قبل الميلاد، أحدهما، وهو الأكبر، خصصه لنفسه والمعبود المصري القديم "آمون"، أما الآخر الأصغر فخصصه لزوجته الملكة "نفرتاري" بجانب المعبودة "حتحور".
وتعد “نفرتاري ” والتي يعني اسمها "جميلة الجميلات" الزوجة الوحيدة من زوجات رمسيس الثاني التي بني لها معبدا.
وصلت التبرعات للمشروع من أكثر من 50 دولة حيث جمع حوالي 80 مليون دولار. وتم تقديم العديد من المقترحات لإنقاذ المجمع.
واختار المسؤولون شخصًا من السويد خطط لتفكيك المعبدين وإعادة بنائهما في موقع أعلى وأبعد من موقعهما آنذاك. وفي 17 نوفمبر 1963، تم تكليف اتحاد شركات دولي بتفكيك المعبدين وإعادة بنائهما على تل قريب من بحيرة السد الجديد.
ألمان شاركوا في المهمة الصعبة
نحتت التماثيل الضخمة للمعبدين ونقوشهما الفريدة في صخر صلب، ويصل عمق المعبدين إلى 60 مترًا داخل الصخر. ولهذا عندما بدأ العمل في إنقاذ المعبدين ملئت مكوناتها بالراتنج الاصطناعي من أجل تقطيعها إلى 1036 قطعة قابلة للنقل، يصل وزن الواحدة منها أحيانا إلى 30 طنًا، وهو ما يمثل تحديًا تقنيا هائلا ولكن أيضا حظا رائعا لمن شاركوا في عملية الإنقاذ، ومن بينهم المهندس المعماري الألماني بيتر غروسمان، الذي توفي قبل عامين.
تطلب العمل الشاق لإنقاذ معبدي أبو سمبل منتهى الدقة نظرا لكبر حجم التماثيل وأهميتها.صورة من: Arte France
تملك الإعجاب غروسمان في ستينيات القرن العشرين، عندما تواجد في المكان الأصلي لمعبد أبو سمبل، حيث ظل قائمًا لأكثر من ثلاثة آلاف عام - مباشرة على نهر النيل، على بعد أمتار قليلة من ضفته.
وكان غروسمان قد صرح لقناة تلفزيون غرب ألمانيا "WDR"، عن عمله في إنقاذ أبو سمبل فقال: "لقد ذهبنا إلى هناك بالباخرة وكنا قادرين على رؤية معبد أبو سمبل عندما كنا على بعد حوالي 25 كيلومترًا منه، وكانت لدينا أيضًا فكرة عن حجمه.." الضخم.
لكنّ معبدي أبو سمبل لم يكونا يستطيعان البقاء عند هذه النقطة، حيث كانا معرضين للغرق بشكل نهائي. بل إن بعض هياكل المعبدين كانت مغمورة بالمياه فعلا.
ويوضح بيتر غروسمان طريقة العمل لقناة "WDR" بالقول: "تبدأ في تفكيك الأشياء من الأعلى ولكن إعادة التركيب تبدأ من الأسفل. وهذا يعني أنه يجب عليك تخزين كل شيء بشكل مؤقت. وبالطبع، كانت هناك حاجة إلى مساحة هائلة من الأرض لتخزين الكتل الحجرية هناك".
شارك أيضًا في هذه الحملة غير المسبوقة خبير من ولاية راينلاند-بفالتس الألمانية. إنه كونراد مولر صاحب أحد المصانع الحجرية وخبير المنحوتات الحجرية من مدينة كايزرسلاوترن بجنوب غرب ألمانيا. وقال كونراد مولر: "كانت مهمتي هي التحقيق في كيفية تفكيك المعبدين، اللذين تم نحتهما من الصخور الصلبة، إلى قطع كبيرة قدر الإمكان".
العمال المصريون يبهرون الألمان
كان هناك أيضا متخصصون إيطاليون، قاموا بكل حرص وعناية، بنشر التماثيل الأربعة الضخمة الشهيرة في المنطقة الأمامية للمعبد الكبير، والتي يبلغ ارتفاعها 21 مترًا، والتي تصور رمسيس الثاني.
أما عن العمال المصريين المشاركين في نقل المعبدين فقال المعماري المصري حمدي السطوحي لـ"WDR" إن عقد نقل المعبدين كان ينص على أن يكون سمك تقطيع أحجارهما يجب ألا يزيد عن 6 مم "لكن العمال المصريين الذين عملوا بأيديهم لم يتخطوا سمك 4 مم".
إنها مسألة أثارت إعجاب الخبراء الألمان المتخصصين في أعمال الترميم والآثار، الذين "وقفوا مبهورين وقالوا إنها نفس الوجوه السمراء والأيدي تقطع الصخر، نفس الوجوه التي بنت المعابد" قبل آلاف السنين، بحسب حمدي السطوحي.
استمرار تعامد الشمس على وجه رمسيس
في سبتمبرعام 1968 تم إنجاز المهمة. ومنذ ذلك الحين يقف المعبدان المهيبان على ارتفاع 64 مترًا من ارتفاعهما الأصلي وعلى بعد 180 مترًا من مكانهما الأصلي، في مكان آخر داخل الصحراء آمن وجاف، تحت قبة ضخمة مكسوة بالحجر الطبيعي.
ويقول ديتريش راوه، المدير الأسبق لمعهد الآثار الألماني بالقاهرة إن "هذه القبة هي، إذا جاز التعبير، إجراء مساعد، لأن هذه المساحات الداخلية كانت تحتوي بشكل طبيعي على نقوش. هذه النقوش معلقة الآن على دعامات فولاذية طويلة. وهذا حل تقني، عندما تقف أمامها مباشرة، تشعر بالانطباع الذي كان موجودا في ذلك الوقت" قبل نقلها.
المعبدان احتفظا حتى بالمسافة السابقة بينهما، بحيث يمكن استمرار حدوث ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني مرتين في السنة ، في 22 فبراير و22 أكتوبر. ففي هذين اليومين تدخل أشعة الشمس على عمق 60 مترًا داخل قدس الأقداس للمعبد الكبير فتضيء وجه تمثال الملك رمسيس الثانى.
بداية لقائمة التراث العالمي
ومن بين إحدى أهم نتائج عملية الانقاذ المذهل لمعبدي أبو سمبل من مياه بحيرة ناصر، اعتماد اتفاقية اليونسكو للتراث العالمي في عام 1972، التي تتعلق بحماية الأصول الطبيعية والثقافية ذات القيمة العالمية الاستثنائية للبشرية جمعاء ووضعها على ما تعرف بقائمة التراث العالمي.
وبالنسبة لعالمة الآثار المصرية الشهيرة مونيكا حنا، فإن هذا علامة فارقة: "كان نقل المعبدين في أبو سمبل أمرًا مهمًا. وقد أعطى ذلك زخمًا لليونسكو. وكان أول مشروع كبير من نوعه".
وقد تم إدراج المعبدين الصخريين في أبو سمبل ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو في عام 1979.