مضيق ساخن.. هل يفاقم القصف الأمريكي لليمن أزمة واردات الطاقة لأوروبا؟
أثمرت الغارات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة على الحوثيين في اليمن إلي زيادة المخاوف من نشوب صراع أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط فحسب، بل قرعت أجراس الإنذار في عموم القارة الأوروبية، مُحذرةً من قدوم أزمة طاقة جديدة تزيد الأزمة التي تشهدها الدول الأوروبية منذ حظر استيراد النفط والغاز الروسيين مع اشتعال الحرب الأوكرانية.
وبينما يتصارع العالم حاليّاً مع شبكة مُعقّدة من التوترات الجيو-سياسية المصحوبة بموجات تضخم وزيادة في الأسعار، جاء الهجوم الأمريكي على اليمن ليضيف طبقة جديدة من التعقيد على أزمتَي التضخم والطاقة التي كانت قد بدأت تنحسر قبل أن يطلق الحوثيون هجماتهم ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ردّاً على العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ أكثر من ثلاثة شهور.
وبالتزامن مع انخراط التحالف، الذي تقوده واشنطن في أعمال عسكرية في اليمن، بدأت تُطرح أسئلة حول العواقب المحتملة على أمن الطاقة الأوروبي، لا سيما بعد أن شنَّ الحوثيون جولة جديدة من الهجمات في أحد أهم الممرات الملاحية الحيوية للتجارة العالمية، ما أدى إلى إتلاف سفينة تجارية مملوكة للولايات المتحدة يوم الاثنين بعد محاولتها ضرب سفينة حربية أمريكية في اليوم السابق.
إغلاق المضيق أمام الأمريكيين والبريطانيين
جاءت الهجمات الحوثية، التي استهدفت سفينة الشحن الأمريكية، بعد أيام فقط من قصف قوي من الجيشين الأمريكي والبريطاني على مواقع للجماعة في اليمن.
وردّاً على الضربات الأمريكية والبريطانية التي استهدفت أكثر من عشرة مواقع للحوثيين، قالت الجماعة إن هجماتها في البحر الأحمر لم تعُد مقتصرة على السفن التي تملكها أو تشغّلها شركات إسرائيلية أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل فحسب، بل توسّعت لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية.
وفي هذا السياق، قال محللون لـABC News إن الهجوم الأمريكي قد يتسبب في ارتفاع أسعار النفط والتضخم إذا أدى إلى تصعيد أوسع نطاقاً للحرب بين إسرائيل وغزة، مما يؤدي إلى تعميق مشكلات سلسلة التوريد وزيادة أسعار عديد من السلع الأساسية. وأضافوا أن أسعار النفط ارتفعت بنسبة 3% في التعاملات المبكرة يوم الجمعة لأسباب، منها الخوف من مثل هذا السيناريو.
وقال محللون إن التأثير المباشر للهجوم يبدو ملحوظاً، ولكنه محدود، إذ إن عديداً من شركات الشحن الكبرى قد حوّلت مساراتها بالفعل ردّاً على التهديد الذي يشكله الحوثيون.
يُذكر أن نحو 10% إلى 15% من التجارة العالمية -و30% من تجارة الحاويات- يمر عبر الممر المائي الذي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط. ويجري حاليّاً بالفعل تغيير مسار بعض السفن حول الطرف الجنوبي لإفريقيا، وسيؤدي الإغلاق الفعال لقناة السويس لفترة طويلة إلى زيادة تكاليف الشحن وأوقات التسليم.
المضيق يزداد سخونة
تزامناً مع الغارات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة على أهداف للحوثيين في اليمن، وما ترتب عليها من تزايد مخاطر الشحن، أعلنت قطر -أكبر مورد للغاز الطبيعي المُسال إلى أوروبا بعد الولايات المتحدة، وتشكّل نحو 13% من استهلاك أوروبا الغربية العام الماضي- أنها توقفت مؤقتاً عن إرسال ناقلات الغاز الطبيعي المُسال عبر مضيق باب المندب، وفقاً لما نقلته بلومبرغ.
وقبل قطر، أعلنت شركة بريتش بتروليوم "BP" وأربع من أكبر شركات شحن الحاويات في العالم وقف العبور عبر البحر الأحمر، واتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح، جنوب دولة جنوب إفريقيا، ممرّاً بديلاً لشحنات النفط والغاز، مما يعني أنه يتعين عليهم أيضاً تجنُّب قناة السويس الحيوية.
والجمعة، حذرت الرابطة الدولية لأصحاب الناقلات المستقلة "إنترتانكو"، التي تمثل نحو 70% من جميع ناقلات النفط والغاز والكيماويات المتداولة دوليّاً، أعضاءها من “البقاء بعيداً” عن مضيق باب المندب.
ووفق بيانات وزارة الطاقة الأمريكية، تحصل أوروبا على قرابة 25% من حاجتها من الغاز الطبيعي المُسال المنقول بَحراً، عبر مضيق باب المندب وقناة السويس، بينما تحصل على أكثر من 20% من حاجتها إلى النفط الخام عبر مضيق باب المندب وقناة السويس، ما يعني أن استمرار أزمة البحر الأحمر سيتسبب في تأخير شحنات الطاقة المتجهة إلى القارة العجوز.
قلق أوروبي
أشارت وكالة الأناضول للأنباء إلى أنه على الرغم من توفير دول الاتحاد الأوروبي 90%، وهو مؤشر متوسط، من حاجتها إلى الغاز الطبيعي لفصل الشتاء الحالي، مع استقرار الإمدادات دون تغيير، فإن فرضية طول أمد أزمة البحر الأحمر تعني أن فبراير/شباط ومارس/آذار المقبلَيْن قد يشهدان نقصاً في إمدادات الغاز، وبالتالي ارتفاع في الأسعار.
وحسب الأناضول، فإن ما يفاقم أزمة عبور الطاقة في البحر الأحمر ارتفاع الطلب على النفط والغاز في أوروبا بنسبة 6% في ديسمبر/كانون الأول الماضي على أساس شهري، بالتزامن مع هبوط درجات الحرارة إلى ما دون 5 درجات مئوية في بعض دول أوروبا الغربية.
لم تكن الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية مفاجئة، ولكن بالنظر إلى التهديد الذي تواجهه السفن واضطرابات تدفقات التجارة والطاقة بسبب هجمات الحوثيين، فمن الواضح أن ذلك يشير إلى "احتمال أكبر لحدوث اضطرابات والحاجة إلى تحويل السفن، الأمر الذي سيوفر ارتفاعاً في أسعار النفط، وخصوصاً إذا انتشر الصراع وبدأت السوق رؤية تهديدات للتدفقات القادمة من الخليج حسب لوارن باترسون، رئيس استراتيجية السلع في جروب نيفادا.