قراءة في الصحافة العالمية.. جيروزاليم بوست: "تضامن العرب والمسلمين مع الشعب الفلسطيني يتناقض مع عدم التدخل في صراعات إقليمية أخرى".. الأيام الفلسطينية: إسرائيل في القفص...وماذا عن التهديد الحوثي؟
نبدأ جولتنا في الصحف الصادرة اليوم من صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية التي تنشر مقالاً للكاتب بيير بيسنينو، وهو رئيس سابق للمؤتمر اليهودي الأوروبي، تحت عنوان "إسرائيل ليست وحدها".
يستهل الكاتب مقاله بالقول إن إسرائيل قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها باتت معزولة، لكن تحليلاً عميقاً للتكتلات العالمية يظهر حقيقة معقدة ودقيقة تؤثر على ديناميكيات العلاقات الدولية.
ويرى الكاتب أن هناك تكتلات ثلاثة في العالم أولها تكتل عربي-إسلامي يبدي تضامنه مع الفلسطينيين، وثانيها تكتل محايد يضم عملاقين ناشئين هما الصين والهند ودولاً في أمريكا الجنوبية وحتى في أفريقيا. أما التكتل الثالث فيضم دولاً ديمقراطية رئيسية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا واليابان وكندا، وهذا التكتل يتميز بدعمه الثابت لإسرائيل.
يقول الكاتب إن "التضامن الذي يبديه التكتل الأول من العرب والمسلمين إزاء الشعب الفلسطيني يتناقض مع عدم التدخل في صراعات إقليمية أخرى". ويدلل على ذلك بالصراع داخل سوريا الذي أودى بحياة 400 ألف شخص، وبالحرب الإيرانية -العراقية التي أودت بحياة حوالي مليون شخص، اللذان لم يتدخل هذا التكتل لوقفهما.
ويضيف الكاتب بأن ما وصفه بالانتقائية في سياسة دول هذا التكتل تثير تساؤلات حول طبيعة هذا التضامن والدوافع من ورائه.
ويشير إلى أن "القادة المستبدين في تلك الدول الممتدة من طهران إلى كابول ومن الجزائر إلى دمشق، اعتبروا في أغلب الأحيان أن تبني الكراهية ضد إسرائيل هو أفضل وسيلة لتهدئة شعوبهم".
ويقول الكاتب إنه "لدى تحليل الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول (باستثناء دول الخليج)، التي يبلغ عدد سكانها حوالي ثُلث عدد سكان العالم، وعدد براءات الاختراع المسجلة والمساهمات العلمية أو حتى عدد جوائز نوبل الحاصلة عليها، يصبح واضحاً أن ثروتها الفكرية والعلمية والاقتصادية ليس لها وزن كبير".
أما التكتل الثاني، فيرى الكاتب أن اهتمامه بالصراع الحاصل بين إسرائيل والفلسطينيين ليس أكثر من اهتمامه بالصراع القائم بين الجماعة الماوية "الدرب المضيء" وحكومة البيرو.
وينصب تركيز الكاتب على التكتل الثالث الذي يدعم إسرائيل بكل ثقله العلمي والاقتصادي، ويمثل دعمه أساساً صلباً لأمن إسرائيل، بالإضافة إلى الإحساس المريح بالتضامن. ويرى أن هذا الدعم يستند إلى القيم المشتركة والمبادئ الديمقراطية.
لكن الكاتب يقر بوجود مصاعب تواجهها هذه الدول في الحفاظ على هذا الدعم لإسرائيل، ويدلل على ذلك بما تواجهه فرنسا من جانب المهاجرين من المغرب العربي، أو ما تواجهه الولايات المتحدة من تنامي نفوذ الحركات التي تطالب بالمساواة والعدل الاجتماعي والتي نظمت مظاهرات معادية لإسرائيل في الجامعات الأمريكية الرئيسية.
ويختم الكاتب بالقول إن "أكبر ضمانة لإسرائيل ستظل متمثلة في التزامها بالقيم الإنسانية والديمقراطية وفي عدم انتهاكها".
إسرائيل تواجه مأزقاً في المحكمة الجنائية الدولية
إسرائيل في القفص
ننتقل إلى صحيفة الأيام الفلسطينية وإلى مقال للكاتب عبد المجيد سويلم تحت عنوان "إسرائيل في قفص آخر"، الذي يتناول فيه المأزق الذي تواجهه وستواجهه إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية من خلال القضية المرفوعة ضدها والتي تتعلق باتهامها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، هذا بالإضافة إلى المأزق السياسي في الداخل الإسرائيلي لقادة إسرائيل.
يقول الكاتب: "بصرف النظر عمّا سيكون عليه قرار محكمة العدل الدولية، سواءً تعلّق الأمر بالمطالب المباشرة التي ستخرج بها المحكمة، أو بقرار الإدانة، فقد أصبح واضحاً الآن أنّ الهستيريا الإسرائيلية في مواجهة المحكمة ليست صدفة أو حالة منفعلة، لأنّ إسرائيل تفهم وتقدّر، وتدرك حجم خسارتها قبل تلك المطالب، وقبل القرار المرتقب".
ويضيف: "فقد خسرت من خلال مثولها أمام المحكمة "احتكار" صورة الضحيّة، وخسرت بالتالي "امتياز" كونها قد نشأت وتطوّرت وعاشت واعتاشت على امتياز أنّ نشأتها وتطوّرها كلّه قد جاء بعد "المحرقة"، وأنّ هذه المسألة بالذات هي احتكار وامتياز حصري لها، ويخصّها وحدها، وبالتالي فإنّ وقوفها أمام قضاة "العدل الدولية"، هو بمثابة كارثة سياسية تفوق القدرة على التحمُّل".
ويمضي الكاتب قائلاً: "إن الكوارث السياسية ستتوالى فوق رأس إسرائيل إذا وافقت المحكمة بأنّ شبهة الإبادة الجماعية متحقّقة، وهو الأمر الذي سيعني حتماً الموافقة على الجزء الأكبر من المطالب الواردة في لائحة الدعوى التي قدّمها الفريق القانوني لجنوب إفريقيا الذي ترافع في اليوم الأوّل، والذي أبهر العالم كلّه بدرجة المهنيّة واحترافيّة الوصف والسرد، ومنطقيّة، وموضوعية المرافعة".
ويرى أن "الإدانة بالتهم، وخصوصاً التي تتعلّق بالإبادة الجماعية هي كارثة الكوارث، لأنّها ستفتح على إسرائيل أبواباً لا تستطيع إغلاقها، وليس بمقدور الولايات المتحدة الأمريكية، ولا "الغرب" كلّه إغلاقها حتى لو تمّ استخدام "حق النقض" في مجلس الأمن، وذلك لأنّ الجمعية العامة تستطيع تثبيت التهمة، وقد سبق وأن قامت الجمعية بذلك، وستفتح أبواب المحاكمات الفردية لكلّ من شارك في هذه الإبادة، وسيطال الأمر الدول التي شاركت، وستُخلق وتتولّد وتتوالد الكثير من الأزمات الدولية لإسرائيل، ولـ"الغرب"، وخصوصاً بعد استحقاقات المقاطعة والعقاب".
وهذا هو القفص الأوّل، الذي تجد إسرائيل نفسها فيه، بحسب الكاتب.
أمّا عن القفص الثاني فيقول الكاتب: "لو لم يقل أعضاء في "المجلس الحربي"، بالصوت والصورة: "يكفي كذباً، ويكفي إلى هنا، ولا بدّ من صفقة شاملة وسريعة" لما صدّق أحدٌ أنّ الكذب قد وصل إلى الجمهور الإسرائيلي لما وصل إليه، وأنّ التضليل قد تجاوز كلّ الحدود".
ويؤكد كاتب المقال على أن إسرائيل الآن عالقة في قفص اتّهامٍ داخلي، يمثل في الواقع، وعلى المدى المباشر خطراً لا يقلّ عن اتّهامات القفص الأوّل، ومطالباته أقسى على قيادات الحرب والحكومة، وعلى أكثرية أعضاء "مجلس الحرب" من مطالبات المحكمة في لاهاي إذا قبلت بشبهة الإبادة الجماعية.
ويمضي قائلاً إن "المقصلة السياسية التي تتعلّق بالقفص الأوّل تطال دولة الاحتلال كلّها، وخصوصاً طبيعة المشروع الصهيوني والأخطار التي باتت تحيط به، أمّا مقصلة القفص الثاني فهي مقصلة الإطاحة بالقيادات الإسرائيلية".
ويختم قائلاً إن "القفص الأوّل سيسرّع من تبعات القفص الثاني، والثاني سيؤدّي إلى تفاقم تبعات الأوّل، وفي الحالتين ستلتقي الأكاذيب المؤسّسة مع الأكاذيب المستحدثة، وستنهار تباعاً كذبة الضحيّة الحصرية مع أكاذيب انتصارات مزعومة وموهومة، والنتيجة حالة فوضى شاملة قادمة في إسرائيل قد لا يرى القائمون على الحرب الآن سوى مخرج واحد ووحيد وهو توسيعها مهما كان الثمن".
الحوثيون في البحر الأحمر
أمريكا والتهديد الحوثي
وإلى صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية التي تنشر مقالاً بقلم ألان بيتي، وهو أحد كبار الكتاب في الصحيفة والمتخصص في الشؤون التجارية، وهو بعنوان "لا يمكن للعالم الاعتماد على الولايات المتحدة في الحفاظ على السلم التجاري".
يتناول الكاتب في مقاله موضوع الخطر الذي يتهدد التجارة العالمية والمتمثل في الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن على سفن الملاحة التي تعبر البحر الأحمر من خلال مضيق باب المندب، والجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لوقف تلك الهجمات.
يقول الكاتب إن الولايات المتحدة هي الدولة التي يتم اللجوء إليها عندما يتعلق الأمر بمواجهة القراصنة، وقد قامت بهذا الدور طوال عقود.
لكنه يرى أن ما يحدث في البحر الأحمر ليس من أعمال القرصنة العادية وأن الحوثيين، الذين حدت هجماتهم على سفن الشحن وسفن البحرية الأمريكية في البحر الأحمر من الحركة التجارية عبر قناة السويس، ليسوا كالقراصنة.
ويقول الكاتب إن "الوضع الراهن يؤكد على أن العمل الأمريكي في حماية سلاسل الإمداد هو ضمن الأوضاع الجيوسياسية والعسكرية المعقدة. لكن أهدافه ذات طابع استراتيجي أكثر من كونه اقتصادي، وهو ما يجعل إجراءاتها مفيدة بشكل غامض وخاضعة للتحولات السياسية".
ويقول الكاتب إن الحوثيين ليسوا جماعة من اللصوص على متن زوارق سريعة، فهم مسلحون مدفوعون بدوافع عقائدية ولديهم قواعد على اليابسة وهم مدعومون من دولة قوية هي إيران.
وبالتالي، فإنهم يستطيعون أن يلحقوا الضرر عن بعد من خلال الصواريخ والطائرات المسيرة وهم مستعدون لتحمل الخسائر الثقيلة. ويقول الكاتب إن "هجماتهم توجه ضربة قوية للتجارة العالمية من خلال تخفيض حجم حركة الملاحة في قناة السويس، وإن هناك عدد قليل من الدول داخل المنطقة وخارجها تبدي إعجابها بهم".
لكن الكاتب يرى أن هناك "إحساساً بأن الحوثيين ما كانوا ليهاجموا السفن على الأرجح لو لم تقدم الولايات المتحدة الدعم لإسرائيل خلال هجومها على غزة. وعليه، وبالنظر إلى الإدانة الدولية الواسعة للأساليب الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة ليس لديها حلفاء موثوقون كثر مستعدون للانضمام إلى الحرب معها".
ويقول الكاتب إن الضربات الأمريكية الأولى على الحوثيين تضمنت مشاركة بريطانية وحظيت بدعم غير عملياتي من أستراليا وكندا وهولندا، لكن البحرين كانت الدولة الوحيدة من الشرق الأوسط التي ساهمت في تلك الضربات.
وعلى الرغم من مصالحهما التجارية الواضحة في الإبقاء على القناة مفتوحة، إلا أن الصين والهند لم تشاركا عسكرياً. أما مصر التي تعاني بسبب انخفاض إيراداتها من قناة السويس بنسبة 40 في المائة هذا العام، فلم تجرؤ علناً على الانضمام إلى هجوم يستهدف مسلحين يعلنون دعمهم للقضية الفلسطينية، بحسب رأي الكاتب.
ويخلص الكاتب إلى القول إن الولايات المتحدة تدفعها مصالح جيوسياسية وليس اقتصادية في الحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأحمر، وهذه الدوافع تتأثر بالتغيرات السياسية في واشنطن. وبالتالي، فإن التغيرات السياسية في الولايات المتحدة كعودة ترامب مثلاً إلى الرئاسة بسياسته الحمائية في الاقتصاد، قد يكون لها تأثير كبير على المنطقة خصوصاً في ظل غياب أي قوة تجارية أو عسكرية كبيرة قادرة على تولي الدور الأمريكي في حماية نقاط الضعف في الاقتصاد العالمي.