قصة "القديس فانتين".. بين الزواج الروحي ومعركة الإمبراطور
عيد الحب هو مناسبة تحتفل بها الثقافات حول العالم كتعبير عن المشاعر العاطفية والرومانسية. و يُصادف هذا اليوم في 14 فبراير من كل عام، وترتبط الاحتفالات به بتبادل الهدايا والكتابة على البطاقات العاطفية و يعد عيد الحب فرصة للأزواج والأحباء حول العالم للتعبير عن حبهم وتقديم لمسات رومانسية.
يمتلك عيد الحب أصولًا تاريخية غنية، حيث تعود جذوره إلى مختلف الحضارات والثقافات عبر العصور. واحدة من القصص التاريخية المشهورة تعود إلى قديس روماني يُدعى سانت فالنتاين، الذي عاش في القرن الثالث الميلادي. يُزعم أنه قام بأفعال رومانسية تجاه السجناء وقدم الزهور لابنة حارس السجن قبل إعدامه، مما جعله رمزًا للحب.
في العصور الوسطى، كتب الشعراء الإنجليز قصائد عن الحب والرومانسية خلال فصل الربيع، وكان 14 فبراير يُعتبر يومًا مناسبًا لتقديم الهدايا والتعبير عن المشاعر. على مر العصور، تطورت هذه العادات والتقاليد، وأصبح عيد الحب يحتفل به بأساليب متنوعة، حيث يتبادل الأشخاص الهدايا ويعبرون عن مشاعرهم بطرق مختلفة.
في الوقت الحالي، يُعتبر عيد الحب فرصة لتعزيز الرومانسية وتعزيز الروابط العاطفية بين الأزواج والأحباء، وتعد الهدايا والبطاقات العاطفية جزءًا لا يتجزأ من هذا الاحتفال العالمي بالحب.
عيد الحب من الناحية التاريخية:
أصول عيد الحب:
- الرومان الوثنيون:
- كان يُحتفل بعيد الحب في روما القديمة في 14 فبراير كجزء من مهرجان "لوبركاليا".
ولذلك لاجل اننا نريد كشفت اصول عيد الحب ينبغي علينا معرفة ما هو اصل مهرجان لوبركاليا وماذا كان يحدث به :
مهرجان "لوبركاليا":
مهرجان لوبركاليا هو مهرجان روماني قديم كان يُقام من 13 إلى 15 فبراير تكريماً للوبركوس، إله الحقول والرعاة والخصوبة.
أصل المهرجان:
- يُعتقد أن أصل المهرجان يرجع إلى ما قبل العصر الروماني، وربما كان مرتبطًا بطقوس الخصوبة الربيعية.
- كان يُقام المهرجان عند كهف خاص بالاله “ لوركال ” في سفح جبل أفنتين المُقدس .
طقوس المهرجان:
كان يُعتقد أن اسم "لوبركاليا" مشتق من كلمة "لوبركوس" أو "لوبركا"، وهي إلهة الذئاب.
في الماضي، كان الكهنة يقدمون تضحيات في شكل كبشين وكلب كقرابين للوبركوس ، يمكن تفسير هذا الفعل كجزء من طقوس عبادة تهدف إلى استحضار طاقات عبادة خاصة، على غرار الصلاة في الديانة الإسلامية والمسيحية في الوقت الحالي اذ ترمز الصلاة في الديانتنين السابقيتين إلى رغبة في التواصل مع الإله خارج العالم المادي، حيث يتم الطلب منه بالرحمة والمغفرة، وتحقيق رضاه وهذا ينتطبق ايضا علي كل ما يفعله الانسان في توقيت ووقت محددين .
- كان الشباب يضربون النساء بجلود الماعز، معتقدين أن ذلك سيجعلهن أكثر خصوبة.
تحليل هذا الفعل :
- المعنى الضمني
- اولا : يُمكن اعتبار هذه الممارسة رمزًا لسيطرة الرجل على المرأة، وربطها بوظيفتها الإنجابية.
- ثانيا : ذلك كان يشجع علي العنف ضد المراة فضلا عن فكرة التحكم الفعلي والعملي في المراة .
عيد الحب وامتداده الي العصور المسيحية :
- تم تحويل طقوس المهرجان الوثنية إلى طقوس مسيحية مرتبطة بالحب الرومانسي.
تم ربط المهرجان بالقديس فالنتين، الذي عاش في القرن الثالث الميلادي وقام بمساعدة الجنود على الزواج سرًا خلال فترة حكم الإمبراطور كلوديوس الثاني وكان من احد اهم اسباب رفض تزويج الجنود هو لمنع الجنود من الاتحاد الروحي المقدس مع النساء فكان يعلم خطورة ذلك في وقت لايمكن في السعي نحو الامور الروحية مما يعكس الازمات والحروب التي كانت في عهد هذا السلطان ، حيث كان الإمبراطور يرغب في إبعادهم عن الافكار او المعتقدات الروحية كما سأوضح لاحقًا، يعتبر هذا التفريق بين الجنود والجوانب الروحية من التسبب في توجيه الإنسان نحو التوجه المادي والشهواني، وتعزيز حب السلطة والشهوة والثروة. ويُلاحظ أيضًا أن هذا الانفصال يؤدي إلى انعدام التواصل بين الإنسان والبيئة المحيطة به، سواء من الناحية الطبيعية أو الكونية .
الحديث عن القديس فانتين ، فانه كما سبق وذكرت يسعي الي اندماج روحين في حب مقدس اذ ليس له علاقه بما يحدث في عصرنا الحديث من الزواج لاجل المال والثروة والمصالح الاجتماعية والاقتصادية بل احيانا السياسية( الملقبة بالوزاج السلطوي ) بل كان رجلا صوفيا يعرف معني الحب من الجانب الداخلي له اذ ان الله عندما ذكر في الكتاب المقدس عند المسلمين “ وانه خلق الزوجين الذكر والانثي ” والمقصود بذلك هو القيام بجمع الذكر والانثي في اتحاد روحي لاجل عودتهم الي خالقهم مرة اخري ليس اتحادا جنسيا بل اتحادا مقدسا .
والجدير بالذكر ان القديس فانتين، يبرز وجوده كشخصية روحية تسعى إلى تحقيق اتحاد روحي متفرد بين الذكر والانثي اي بين العشاق و يظهر فانتين بعيدًا عن ( السياق الحديث لظواهر الزواج )المتأثر بالمصالح المالية والاجتماعية وحتى السياسية اذ انه رجل صوفي يتسم بفهم عميق لمعاني الحب من الجوانب الروحية والداخلية. يعكس مفهوم الزواج في عقيدته الفهم العميق لقول الله في القرآن الكريم عند المسلمين، "وانه خلق الزوجين الذكر والأنثى". هذا التصوّر يشير إلى السعي نحو تحقيق اتحاد روحي يجمع الذكر والأنثى في رحلة مقدسة، تهدف إلى إعادتهم إلى خالقهم مرة أخرى في اتحاد مقدس .
و في سياق ذو اهمية ،انه تم إعدام “ القديس فالنتين ” في 14 فبراير لأنه جمع الأزواج المتحابين معًا في الزواج .
يتجلى هذا الاتحاد الروحي في فهم عميق للحب، وليس كمجرد اتحاد جنسي،تجسيدًا لطقوس الحب والزواج ينغمس الإنسان في رحلة طويلة تتضمن بُعدًا روحيًا عميقًا، مع التوجه الثابت نحو الله و يعكس هذا الطقس الروحي رغبة الإنسان في العودة إلى حالته الأصلية، حيث كان الإنسان آدم في بداية الخلق يعيش بمفرده، ومن ثم جائت حواء من ضلعه.
يكمن هدف طقوس الزواج والحب في استعادة الإنسان لهويته السماوية الأولى، وذلك من خلال تحقيق وحدة مشابهة لتلك التي كان يعيشها آدم بمفرده ومن ثم العودة الي الاندماغ في ذات الاله كما كنا قبل الخلق . إنها رحلة تعيد صياغة الوجود البشري نحو معاني الحب العظيم والاتحاد الروحي، حيث يصبح الزواج ليس مجرد اتحاد جسدي او جنسي ، بل تقوم قاعدته على تحقيق وحدة روحية.
إذا كان الزواج يُفهم كطقس، فإنه يتيح للإنسان فرصة للاندماج مجددًا في حالة إيمانية عميقة، والسعي الدائم نحو الرباط الروحي الذي يعيده إلى الله، مكملًا الدور الكوني الذي بدأه آدم بمفرده.
وفي سياق متصل ، فان شخصية القديس فانتين تتالق كرمز للروحانية والتضحية، تبتعد عن تشويه الزواج بتداول المصالح العارضة.
وعلي الجانب الاخر ، تم إلغاء المهرجان في القرن الخامس الميلادي من قبل البابا غلاسيوس الأول.
و يُعتقد أن سبب إلغاء المهرجان هو ارتباطه بطقوس وثنية لا تتوافق مع المعتقدات المسيحية ، لانه كما سبق وتحدثت انه يسعي الي تقديس اله وثني لا ينتمي الي الديانات الوثنية .
وجهه النظر الدينية :
منظور ابن عربي في عيد الحب
يتناغم عيد الحب المقدس بشكلٍ فريد مع الفلسفة الصوفية للعالم الإسلامي ابن عربي. ابن عربي، الذي يُلقب بـ "بالشيخ الاكبر"، ويُعتبر من أعلام الصوفية والفلاسفة في التاريخ الإسلامي، قد قدّم منظورًا فريدًا حول فهم الحب وتأمله في العلاقة بين الإنسان والله. يتجلى منظوره في هذا السياق من خلال عدة جوانب.
1. الحب كتجربة إلهية: في رؤية ابن عربي، الحب ليس مجرد انجذاب بين البشر، بل هو تجربة إلهية تعبر عن الوحدة الكونية كما ذكرت لان الحب في الاصل ليس الا عاطفة انجذاب بهدف تجربة الاتحاد المقدسة ليصبح الذكر والانثي فردا واحدا يحيي تحت سقف الوحدة الالهية .
واشار ابن عربي أن الحب، سواء بين البشر أو بين الإنسان والله، هو مظهر للحب الأكبر، الذي يتجلى في وحدة الوجود ، وان جميع الكائنات تسعي الي الوصول الي خالقهم بدافع الحب والعشق للعودة مرة اخري الي الاندماغ في الوحدة المطلقة .
ما هي نتيجة اعتناق الحب من منظوره الصحيح في الدين الاسلامي :
يعتبر ابن عربي الحب وسيلة لاستكشاف جمال الله في الكون. يرى أن الحب يفتح أعين الإنسان لرؤية الجمال الإلهي في كل شيء من حوله، وبالتالي، يكون الحب وسيلة للوصول إلى المعرفة الحقيقية والتلاقي مع الواحد “ الله ” .
الحب كمصدر للتحول والتطور الروحي:
يعتبر ابن عربي الحب وسيلةً لتحقيق التحول الروحي والتطور الذاتي. المقصود من التطور الذاتي هو السعي نحو الوحدة مع الله، مما يوسع أفق الإنسان لفهم ما يحيط به من كائنات متنوعة وتنوع في الطبيعة، فضلا عن زيادة فهمه لجوهرغايته في الوجود على الأرض. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن التحول الذاتي استخدام العقل بدلاً من المنطق السائد في العصر الحالي وبالتالي ممارسة الحب من مناظير مختلفة .
إذ يؤدي استخدام العقل إلى فهم الكون وعلومه من منظور حديث يتفوق على أي فهم سابق، حيث يتجاوز الإنسان القيود المفروضة على تفكيره. وبالتالي، يصبح التحول الذاتي مسارًا للتنوير والرقي الروحي، يفتح أفقًا جديدًا لفهم الواقع والعيش بتوجه أعمق نحو الوحدة مع الكون والله.
التفاعل بين الحب الإلهي والحب الإنساني:
يقدم ابن عربي نظرة متفائلة إلى الحب الإنساني، مؤكدًا أنه يمكن أن يكون مرآة للحب الإلهي. يعتبر أن العلاقات الإنسانية المبنية على الحب والتضحية يمكن أن تكون طريقًا لتجربة الوحدة مع الله.
وجهه نظر مشتركة حول الحب الالهي بين فينوس الهه الحب عند الرومان والدين الاسلامي " ابن عربي :
كانت فينوس، إلهة الحب عند الرومان، تُعبد وتُمثل على أنها رمز ومقدسة للحب والجمال، وترتبط بالحب الجسدي . ومن المعروف أنها تهتم بالجمال الظاهر والعواطف الجسدية، مما يتماشى مع ثقافتنا في الوقت الحالي .
وعلي الجانب الاخر ، يري ابن عربي، كما تحدثنا عنه في السابق، فهو ينظر إلى الحب من منظور أوسع وأعمق، حيث يرى في الحب الإلهي الأكبر طريقًا يقربنا إلى الله ، فيعتبر الحب الإلهي السبيل الذي يوصلنا بالتجربة المباشرة لوجود الله.
في العصر الحالي، يرتبط اهتمامنا بالحب والجمال بالجوانب الخارجية والظاهرية بشكل أساسي، حيث يتم التركيز على الجمال الجسدي والمظاهر الخارجية للمشاعر ومن هنا، يُمكن ربط عيد الحب بالتعبير عن الحب بشكل خارجي، ولكن يُشجَّع أيضًا على استحضار الجمال الداخلي والروحي، كما أوصى الإسلام، والذي يُعتبر تجسيدًا للمحبة والتلاحم الإنساني بشكل أعمق.
تطور عيد الحب عبر التاريخ:
العصور الوسطى:
_أصبح عيد الحب مرتبطًا بالحب الرومانسي والشعر والغناء.
_بدأ الناس في إرسال بطاقات المعايدة والهدايا إلى أحبائهم في هذا اليوم.
العصر الفيكتوري:
_ازدادت شعبية عيد الحب في العصر الفيكتوري.
_تم تصنيع بطاقات عيد الحب بكميات كبيرة، وأصبحت رمزًا للحب والعاطفة.
العصر الحديث:
_أصبح عيد الحب عيدًا عالميًا يُحتفل به في جميع أنحاء العالم.
_يرتبط هذا اليوم بالرومانسية والحب والتعبير عن المشاعر.
حقائق تاريخية عن عيد الحب:
_أول بطاقة عيد حب:
_يُعتقد أن أول بطاقة عيد حب أرسلها تشارلز دوق أورليانز إلى زوجته في عام 1415.
_أكثر أنواع الهدايا شيوعًا:
_الورود، والشوكولاتة، والعطور، والهدايا الشخصية.
أكثر الأماكن رومانسية في عيد الحب:
_باريس، روما، البندقية، جزر المالديف
الشعراء الإنجليز في القرون الوسطى
في القرون الوسطى في إنجلترا، كان الشعراء يميلون إلى كتابة قصائد عن الحب والرومانسية خلال فصل الربيع. وكان يعتقد أن 14 فبراير كان يومًا مثاليًا لتقديم الهدايا والتعبير عن المشاعر.
وفي الاخير، تطوّرت هذه العادات والتقاليد على مر العصور، وأصبح عيد الحب يحتفل به بأشكال مختلفة في جميع أنحاء العالم، حيث يقوم الأشخاص بتبادل الهدايا والزهور والبطاقات العاطفية كرمز للمحبة والاحترام .