«فورين أفيرز» تدحض مزاعم الاحتلال بتجنب استهداف المدنيين.. وتشكك في رواية «الجيش الأخلاقي».. منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية :استهداف منازل المقاومين يعد انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي
دحضت مجلة «فورين أفيرز» مزاعم الاحتلال بأن جيشه هو الأكثر أخلاقية في العالم، ووصفتها بأنها مجرد أسطورة.
وأكدت الصحيفة أن الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع طال أمدها دون أن تلوح لها نهاية في الأفق، بينما يصر رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على رغبته في الإبقاء على احتلال قطاع غزة إلى أجل غير مسمى.
وأشارت إلى أن العدد المذهل للضحايا المدنيين الفلسطينيين، دفع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الحليف القوي الذي منح إسرائيل تفويضا مطلقا للانتقام، إلى الضغط على نتنياهو، ودعوته لممارسة ضبط النفس والتأكد من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تتوافق مع المبادئ الأساسية للحرب العادلة والقانون الدولي.
جندي من جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة
ولفتت الصحيفة إلى أن إسرائيل تدعي أنها «تفعل كل ما في وسعها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين بغزة، وأنها تطبق إجراءات استهداف معقدة تهدف إلى ضمان أن تكون أي ضربة عسكرية متناسبة ولا تقتل عددًا مفرطًا من المدنيين».
وأصر نتنياهو في أكتوبر على أن «الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم»، وعندما سئل نتنياهو عن سقوط ضحايا مدنيين في نوفمبر، زعم أن «أي وفاة بين المدنيين هي مأساة، ولا ينبغي أن يكون لدينا أي شيء لأننا نبذل كل ما في وسعنا لإبعاد المدنيين عن الأذى، وهذا ما نحاول القيام به.. تقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى».
وعقبت الصحيفة قائلة: «الحقيقة أن إسرائيل لا تفعل ذلك، لقد شنت حملة وحشية في غزة، ولم تلتزم إلا بشكل فضفاض بالبروتوكولات التي من المفترض أن تتبعها الجيوش لتقليل عدد الشهداء بين المدنيين».
وتابعت: «حتى هذه المبادئ التوجيهية غير كافية، فالتحقيق في الحملات السابقة في غزة يكشف عن عدم كفاية المبادئ التوجيهية الإسرائيلية بشأن الاستهداف، والتي لا تقلل حقا من الخسائر في صفوف المدنيين»، مؤكدة أنه في الجولة الأخيرة من القتال في غزة، فشلت إسرائيل في اتباع حتى تلك القيود مما أدى إلى دمار لا يوصف وجعل التوصل إلى حل للصراع أكثر صعوبة.
جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة
ولفتت فورين أفيرز إلى أنه في الحروب السابقة على القطاع، ادعت إسرائيل أنها تبذل قصارى جهدها تجنب سقوط ضحايا بين المدنيين، واستند هذا الادعاء إلى ثلاثة تأكيدات: أن إسرائيل تهاجم فقط الأهداف العسكرية المشروعة، وليس الأهداف المدنية؛ وأن إسرائيل تعمل بمعلومات استخباراتية موثوقة للغاية، تمكنها من تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين؛ وأن تنفذ إسرائيل هجماتها بدقة، مما يحد من إلحاق الضرر بالمدنيين.
وأكدت الصحيفة: «لقد كشف تحقيقنا في الحروب الماضية عن أسباب عديدة تدعو للشك في كل من هذه الادعاءات».
واستطردت: «أولاً، لا يمكن اعتبار جميع الأهداف التي أطلقتها إسرائيل في الحملات السابقة أهدافا عسكرية مشروعة، فبالرغم من أن بعضها كان كذلك بالتأكيد مثل منشآت تخزين الأسلحة، ومقرات حماس، والأنفاق التي يستخدمها نشطاء حماس، ومواقع إطلاق الصواريخ، إلا أن إسرائيل استهدفت أيضًا فئة من الأهداف أطلقت عليها اسم «منازل المقاومين»، وكانت هذه في معظمها منازل وشقق مدنية أصرت إسرائيل على أنها تؤوي أعضاء الفصائل المقاومة.
وتابعت: «كثيرا ما هدمت إسرائيل مبانٍ بأكملها لمجرد أن المسؤولين الإسرائيليين وضعوا علامة على شقة واحدة داخلها على أنها شقة يستخدمها المسلحون، في هذه الحالات لم يكن المسلحون أنفسهم ولا أي شيء يمكن اعتباره نشاطًا مسلحًا هو الأهداف المقصودة للهجمات، مجرد وجود أحد المسلحين هناك كان كافياً لإسرائيل لتبرير تدمير المبنى بأكمله».
جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة
وفي وقت مبكر من عملية عام 2014، أشارت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسيلم» إلى أن استهداف منازل المسلحين يعد انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي لأنها منازل مدنية، وليست أهدافًا عسكرية.
بعد ذلك، أصر المتحدث باسم جيش الاحتلال على أن منازل المسلحين كانت في الواقع «مقرًا لحماس»، كما حدث في عام 2021، عندما قصفت القوات الإسرائيلية منازل العديد من أعضاء حماس ودمرت عددًا من الأبراج الشاهقة في غزة.
لكن الجنود الذين تحدثوا مع منظمة «كسر الصمت» أوضحوا أن هذه كانت في الواقع مساكن عادية، وليست مراكز للعمليات المسلحة.
وينتهي منطق الاستهداف المشوه الذي تتبعه إسرائيل بهدم مبنى بأكمله لمجرد الوصول إلى شقة واحدة، مما يعرض عشرات المدنيين الذين ليس لهم أي دور في القتال للخطر.
وقالت الصحيفة إن الأساليب التي يتبعها الاحتلال «غير الحكيمة» مبينة على معلومات خاطئة، وإن الاستخبارات الإسرائيلية أثبتت أنها بعيدة عن أن تكون موثوقة.
وفي عام 2019، أدى عدم التأكد من معلومات استخباراتية بشأن هدف ما إلى استشهاد 9 أفراد من عائلة السواركة في دير البلح وسط غزة، واعتقد مسؤولو استخبارات الاحتلال أن المجمع الذي تعيش فيه الأسرة كان مجمعاً عسكرياً تابعاً لحركة الجهاد الإسلامي، إلا أن صحيفة هآرتس ذكرت أن «المبنى الذي تعيش فيه العائلة كان مدرجًا في قائمة الأهداف المحتملة، لكن مسؤولي الجيش الإسرائيليين أكدوا للصحيفة أنه لم يتم فحصه خلال العام الماضي قبل الهجوم».
جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة
وحتى عندما تكون المعلومات الاستخبارية سليمة، فإن الإجراءات التي تتبعها إسرائيل لتنفيذ الغارات الجوية لا تعطي الأولوية لسلامة المدنيين.
وفي الحروب السابقة، حاولت إسرائيل ببعض الطرق، الحد من الخسائر في صفوف المدنيين، واستخدمت تكتيكًا يُعرف باسم «طرق السطح»، والذي يتضمن إطلاق صاروخ صغير على سطح أحد المباني لتحذير السكان من اقتراب ضربة إسرائيلية أكثر شدة.
وبحسب الصحيفة فإنه حتى عندما تستخدم «طرق الأسطح»، فإنها تؤدي في النهاية إلى سقوط المدنيين، وفي كثير من الأحيان، لا يملك المسؤولون الإسرائيليون معلومات واضحة عن عدد السكان في مبنى معين، ولا يهتمون دائمًا بالبحث عنها.
وأوضح أحد الجنود أنه بالرغم من أن إسرائيل تمتلك التكنولوجيا للتحقق من الموقع الدقيق للسكان (من خلال تتبع هواتفهم)، إلا أنها نادرًا ما تفعل ذلك لأن مثل هذا الإجراء سيتطلب الكثير من الوقت والموارد وسيؤدي دائمًا إلى إبطاء وتيرة الغارات الجوية.
وبالرغم من الضربة التحذيرية، قد لا يتمكن العديد من الأشخاص من مغادرة المبنى أو لا يمكنهم مغادرة المبنى في الوقت المناسب، على سبيل المثال، إذا كانوا مرضى أو كبار السن، وأحيانًا يظن الناس أن الصاروخ التحذيري هو الهجوم نفسه، أو يعتقدون أنه قنبلة سقطت في مكان قريب، ولا يغادرون منازلهم.
وأكدت الصحيفة أنه في الحرب الحالية، قلصت إسرائيل بشكل كبير من استخدامها لطرق الأسطح، زاعمة أنها مرهقة للغاية بحيث لا يمكنها أن تهتم بمثل هذه التحذيرات.
وقالت إن «الحد من استخدام الطرق على الأسطح هو اعتراف من قبل الجيش الإسرائيلي بأنه أقل اهتماما الآن مما كان عليه في الماضي بشأن تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين».
قوات الاحتلال تتوغل في مناطق مهجورة بقطاع غزة
وتابعت: «في الماضي، لم تفعل إسرائيل ما يكفي للتمييز بين المدنيين والمسلحين في غزة؛ وفي حرب اليوم ، يبدو أن إسرائيل تفعل ما هو أقل من ذلك».
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في ديسمبر أن إسرائيل وسعت خلال حربها الحالية، تعريفها لـ«الأهداف القيمة» واستعدادها لإيذاء المدنيين.
ويتسق هذا مع تقرير حديث لشبكة «CNN» يفيد بأن إسرائيل أسقطت خلال الشهر الأول من الحرب مئات القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل قادرة على قتل أو جرح الأشخاص على بعد أكثر من 1000 قدم من مكان الارتطام، وأن ما يقرب من نصف الذخائر الإسرائيلية أسقطت على غزة هي قنابل «غبية» غير دقيقة، وأن الحملة التي تشن بهذه الطريقة تعطي مصداقية للاتهامات بأن إسرائيل مهتمة بالانتقام في غزة بقدر اهتمامها بالسعي لتحقيق أهداف عسكرية.
وأردفت فورين أفيرز: «إن الأمثلة على القتل غير المبرر للمدنيين في غزة عديدة بالفعل، ومن المؤكد أن المزيد من الأمثلة على الموقف المتساهل الذي تبنته الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع مقتل الأبرياء سوف تظهر إلى النور بعد الحرب».
ورأت أنه «لا يوجد حل سريع لأخطاء إسرائيل، لأنها كلها أعراض لنفس السبب الجذري: إعطاء الأولوية المطلقة لإسرائيل لإدارة الصراع، وتأجيل أي حل حقيقي، بغض النظر عن عدد المدنيين (الفلسطينيين أو الإسرائيليين) الذين يتضررون»، مشيرة إلى أن هذا الموقف هو الذي أدى إلى شن حملات عسكرية معتادة في غزة على مدى السنوات الـ15 الماضية، وهذا الموقف هو الذي يسمح للحكومة الإسرائيلية بالمضي قدماً في هذه الحرب دون وجود هدف واضح يمكن تحقيقه في الأفق.