خبير أمريكي يتسائل لماذا تُعتبر انتخابات روسيا مهمة لبوتين رغم فوزه المضمون .. فلاديمير :الحرب مع الغرب سوف تكون مسيطرة ستة أعوام قادمة.. ويمتدح صمود الاقتصاد الروسي في ظل العقوبات الغربية
يرى الخبير السياسي الأمريكي توماس جراهام أن مجرد فوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن مطلقا كافيا بالنسبة له، إذ يتعين أن يفوز بطريقة توضح أنه ما يزال سيد النظام السياسي الروسي. وهذا يعني حشد النخب، بما في ذلك المستويات العليا من المسؤولين الفيدراليين والقادة الإقليميين ، لتحقيق مشاركة قوية في الانتخابات ، والفوز بنصيب ساحق من الأصوات لصالحه في ظل الحد الأدني من التدليس.
ويضيف جراهام، الزميل البارز بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن تحقيق هذه النتيجة يمكن أن يبدو أمرا سهلا في نظام مماثل للنظام في روسيا. لكنه ليس كذلك في حقيقة الأمر. إذ يكمن التحدي في إقناع المواطنين بالمشاركة في انتخابات ليس بها منافسة أساسا لاظهار دعمهم لبوتين وسياساته. وطوال معظم العام الماضي عكف الكرملين على الإعداد للانتخابات بنشاط، بشتى الطرق من بينها تعظيم صورة بوتين في محاولة لإثارة الحماس الشعبي. وإذا سارت كل الأمور كما هو مخطط لها، كما حدث في الانتخابات السابقة، سوف تؤكد الانتخابات الدعم العميق لبوتين من جانب النخب وقدرة النخبة على حشد المواطنين من أجل أغراض رسمية.
ويقول جراهام في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية إن مثل هذه النتيجة مهمة بوجه خاص في هذه الدورة الانتخابية، وهي الأولى التي تجرى بينما تخوض روسيا حربا كبرى. وأي إظهار قوي للوحدة الوطنية خلف جهود بوتين في الحرب سيعزز شرعيته بالمقارنة بقلق أوكرانيا إزاء الوضع في أرض المعركة وشعور الغرب المتزايد بالإرهاق إزاء دعم الحرب. كما سوف يسعى الكرملين لإبراز استعراض قوي في الأقاليم الأوكرانية الخمسة المحتلة كدليل إضافي على رضا المواطنين العميق فيها عن إعادة توحيدهم مع روسيا.
وأوضح جراهام ، الذي شارك في تأسيس برنامج دراسات روسيا، وأوروبا الشرقية، وأوراسيا في جامعة ييل الامريكية، والذي يعمل محاضرا في الشؤون العالمية والعلوم السياسية منذ 2011أن بوتين أبدى قدرا كبيرا من الثقة وهو يلقي ما يماثل خطاب حالة الاتحاد في 29 فبراير الماضي. فقد أشاد بصمود ووحدة الشعب الروسي في المعركة الجارية في اوكرانيا، التي ما يزال يطلق عليها " عملية عسكرية خاصة"، وليست حربا، وفي مواجهة التحدي الأوسع نطاقا من جانب الغرب، الذي أكد على أنه مصمم على تفكيك الدولة الروسية. وألمح بوتين إلى أن الحرب الهجين مع الغرب سوف تكون السمة المهيمنة خلال الستة أعوام القادمة وهو رئيس للبلاد. وتعد مواجهة هذا التحدي محل اهتمام الكرملين الرئيسي.
ومن أجل تعزيز ميزة روسيا التنافسية ، أعلن بوتين عن خمسة مشروعات وطنية جديدة تركز على الأسرة، والصحة، والتعليم والبيانات الكبيرة، والتكنولوجيا. ورغم أن البرامج جديدة فإن مجالات الاهتمام بها قائمة منذ وقت طويل. وفي حقيقة الأمر أخفت ثقة بوتين خلال خطابه الطابع المزمن للتحديات التي تواجهها روسيا- وفشل سياساته في تحفيف حدتها-في الوقت الذي تسعى فيه روسيا للحفاظ على مكانتها، وصورتها، كقوة عالمية رئيسية الآن وفي المستقبل.
وفيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، فإنها إذا كانت في البداية هي حرب بوتين ، فهي الآن حرب روسيا. والنخب، إما إنها تدعم الحرب بنشاط أو إنها تورطت فيها.وبالنسبة للتكنوقراط في الحكومة ، حتى لو كانت تساورهم الشكوك شخصيا ، فإنهم ساعدوا في إدارة الوضع الاقتصادي الاجتماعي بمهارة كبيرة، وفي الحفاظ على صمود الاقتصاد في ظل العقوبات الغربية ، وإعادة توجيه سلاسل الإمداد والتجارة. وبالنسبة لمن لا يزالون معارضين للحرب إما أنهم فروا للخارج أو أنهم التزموا الصمت داخل روسيا.
من ناحية أخرى، كشف مركز ليفادا، وهو آخر مركز استطلاع رئيسي مستقل في روسيا أن هناك دعما شعبيا واسع النطاق للحرب بنسبة 75% - ولبوتين كرئيس( بنسبة أكثر من 80%).ورغم أن أكثر من نصف المواطنين يدعمون مفاوضات السلام، فإنه لدى عدد قليل للغاية منهم استعداد لتقديم أي تنازلات لأوكرانيا من أجل تحقيق السلام. وتجدر الإشارة إلى أن معظم المواطنين لم يشاركوا بشكل مباشر في الحرب، ولم يعانوا بسببها. وينطبق هذا بوجه خاص على موسكو وسانت بطرسبرج، اللتين سعت الحكومة جاهدة لعزل السكان فيهما عن تأثيرات الحرب، لأن الاطمئنان هناك مهم للغاية بالنسبة لاستقرار النظام.
وفيما يتعلق بموقف الحكومة الروسية إزاء وسائل الإعلام الغربية التي تعمل في روسيا، فإن الكرملين دأب على اتخاذ إجراءات صارمة ضدها حتى قبل الغزو الشامل لأوكرانيا.وأضطر الكثير منها للتسجيل كـ" وكلاء أجانب" وتعرض صحفيوها للمضايقة بصورة روتينية.وتدهورت تلك الظروف الصعبة بسرعة بعد الغزو، وكثف الكرملين إجراءاته الصارمة ضد الآراء المعارضة. وأصبح هناك شيء يماثل ستارا حديديا رقميا ، حيث يتم حظر مواقع وسائل الإعلام الأجنبية، خاصة تلك المرتبطة بـ"قوى معادية"( أي الدول التي تساعد أوكرتيا بقوة ضد روسيا). وبالنسبة لوسائل الإعلام التابعة لحكومات ، مثل راديو أوروبا الحرة الذي تموله الولايات المتحدة والـ"بي بي سي "التي تمولها المملكة المتحدة ، فإنها إما أغلقت أبوابها أو قلصت عملياتها داخل روسيا.
ومع ذلك، لم تتخل هذه الوسائل الإعلامية عن جهودها للوصول إلى المواطنين الروس، وأساسا من خلال شبكة الانترنت باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل. وبعضها مثل الـ" بي بي سي" لجأ إلى وسائل كان يتم استخدامها أثناء الحرب الباردة لتجنب التشويش الروسي ، مثل بث ارسالها على الموجة القصيرة. وتزعم تلك الوسائل أن ملايين الروس يسعون للوصول إليها بحثا عن تقارير موضوعية عن التطورات داخل روسيا، مثل وفاة نافالني مؤخرا وجنازته، والحرب في أوكرانيا، وكذلك أخبار العالم الخارجي. وعموما فإن الروس يطلعون على مصادر المعلومات الغربية. ومع ذلك، لا يبدو أن كل هذا غير بشكل ملحوظ اتجاهاتهم بالنسبة لبوتين أو الحرب، على الأقل حتى الآن.