حكايات أشهر الأطباق.. "الفلافل" ابتكرها أقباط مصر والمهلبية لتخليد اسم الوالي في التاريخ.. و"المقلوبة" وصفها صلاح الدين الأيوبي
تعد أغلب المأكولات الشعبية و الحلويات المتعارف عليها فى المجتمع المصري بصفة خاصة و المجتمع العربي بصفة عامة أكلات ذات طابع تاريخي ترتبط بأحداث تاريخية أو شخصيات أو مواقف كان سبباً رئيسياً في بزوغها و إستمرارها و تطورها حتى وقتنا هذا ، فإن شهوة الطعام من الشهوات المحببة الى قلب الإنسان خاصة و إن تقاليد الحياة العربية و تقاليد المجتمع الإسلامي قد فرض عليه بعض المحظورات التى قد يستخدمها غيره من المجتمعات كوسائل ترفيهية أو إحتفالية بل أيضا في أغلب المجتمعات الفقيرة و إن كانت غير إسلامية فتعتبر الأطعمة أحد أهم و أبرز الوسائل الترفيهية نظراً لضيق ذات اليد فالإحتفال بالمأكل و المشرب يعد من الطرق و الوسائل الإحتفالية الأقل تكلفة من غيرها من الطرق مثل إقامة الحفلات أو السفر و الترحال و غيرها.
فإذا نظرنا إلي بعض الأكلات الشعبية ذات الطابع التاريخي فنجد على سبيل المثال ، الفلافل و قد اجمع اغلب المؤرخون أن أول ما صنعت الفلافل و تم بيعها فى الأسواق كان في مصر القديمة فقد ذكرت المصادر أن الأقباط المصريين أول من ابتكر أكلة الفلافل لتأخذ مكان اللحم فى أيام الصيام الخاصة بهم ، و كلمة فلافل نفسها هي كلمة قبطية قديمة كما ذكر المصدر ذاته تتكون من ثلاثة أجزاء هم" فا - لا - فل" بمعنى "ذات الفول الكثير" ، و قد انتشرت أكلة الفلافل من مصر إلى الشام ثم إلى باقى أنحاء العالم ، و من ثم إنتشرت الفلافل بالشرق الأوسط و أصبحت من المأكولات الشعبية السريعة و المحببة.
و على صعيد آخر و كما حدثنا بعض المؤرخين عن الأكلة الشعبية المعروفه بـ "بابا غنوج" فتؤكد أغلب المصادر التاريخية أن سبب تسميتها تنسب الى قس عاش في القرن الأول الميلادي في الشام وكان محبوباً بين الناس يدعي الأب غنوج و في أحد الأيام قام أحد تلاميذه بإعداد وجبة خاصة له من الباذنجان والخضار ، لكن القس رفض أن يأكلها بمفرده لكرمه و حبه للناس فقام بتوزيعها على العامة فأطلق الناس على هذه الأكلة اسمه و هي "بابا غنوج" و هو المسمي المستمر حتي الآن.
و هناك أيضا أكلة "المقلوبة" و المعروفة الى يومنا هذا بهذا الإسم ، فتشير المصادر التاريخية إلى اليوم الذي فتحت فيه مدينة القدس على يد صلاح الدين الأيوبي و دخوله بالجيش الى المدينة المقدسة وإحتفال الناس بهذا النصر فقام أهل مدينة القدس بتقديم الطعام إلى صلاح الدين و جيشه كعادة المسلمين في هذه المناسبات وعندما أكل صلاح الدين من تلك الأكلة و التي كانت تعرف بالباذنجانية فقد أعجبته و سأل عن اسم هذه الأكلة واصفاً إياها بـ الأكلة المقلوبة حيث كان من العادة أن تقلب في أواني التقديم أمام الضيوف فأخبروه أنها تسمى الباذنجانية ومن هنا جاء تسميتها بـ "المقلوبة" كما أطلق عليها صلاح الدين الأيوبي
أما عن الحلوى المعروفة بـ "أم على" فلها قصة مثيرة ، فقد كان للملك الصالح نجم الدين أيوب جارية تدعى "شجر الدر" و قد تزوجها وأنجب منها خليل ، و قد أعتقها لأنها لم تكن كباقي الجاريات، بل تميزت بالذكاء الحاد، والفطنة، والجمال كما أنها نالت الإعجاب لفتنتها وفنها، إذ كانت متعلمة، تجيد القراءة، والخط، والغناء.
كان لصفاتها تلك وخصوصاً الذكاء والحنكة السياسية دوراً كبيراً في مساعدة زوجها في الدفاع عن الإسلام والمسلمين في غضون دولة المماليك ونهاية ملك بني العباس ، فقد حافظت على قوة الجيش واندفاعه الذي خرج لمواجهة جيوش لويس التاسع الذي أمر بشن حملة لتصفية المصريين ، حيث أمرت بإخفاء خبر وفاة زوجها نجم الدين الذي توفي بسبب المرض وقت وصول حملة لويس التاسع ، وقامت هي بإدارة الحرب والسيطرة عليها سيطرة كاملة ، وبعد وفاته استقلت بحكم مصر فضربت بإسمها النقود حيث كانت توقع عليها بإسم "المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل أمير المؤمنين" كما كان يخطب لها في المنابر.
ورغبة منها في المحافظة على ملكها الذي لاقى معارضة من العباسيين في بغداد حيث لم يرق لهم أن تتولى امرأة عرش مصر ، مما أدى إلى نشوب الكثير من الخلافات بين الأمراء والزعماء في مصر والشام ولذلك اتخذت من الأمير عز الدين أيبك مقدماً للعساكر ، ثم تزوجته ، وبفعلتها هذه أمنت كلام الناس واعتراض العباسيين لها ، وقبل أن يعقد عليها اشترطت على أن يطلق زوجته (ام علي) ويتخلى عن ولده المنصور علي حتى لا ينتقل العرش إلى أبنه، وأطلق عليه اسم الملك المعز.
و بعد أن تزوجت شجر الدر بالمعز أصبح زمام الأمور في مصر وخارجها تحت سلطته وإمرته ونتيجة لذلك بدأ المعز بالتصرف في صلاحيات شجر الدر وسحب منها تلك الصلاحيات وجردها منها لتكون في النهاية مجرد امرأة وزوجة لا غير وليس لها أي علاقة بالإدارة والحكم و لم يكتف بذلك بل وقرر أن يتزوج عليها وقد أثار ذلك حفيظة شجر الدر وكادت تفقد عقلها من الحسد والغيرة وغضبت كثيرا عليه وقررت الانتقام والتخلص منه فدعته ذات يوم واستقبلته بصدرٍ رحب وبشاشة ، وكأن شيئاً لم يحدث بينهما ، حتى شعر بالطمأنينة ودخل الحمام ، وأنقض عليه خمسة من غلمانها الأقوياء ، وضربوه إلى أن مات.
فلما علم ابنه علي بذلك أراد أن ينتقم منها فسلمها الى أمه التي أمرت جواريها بقتلها بالقباقيب والنعال حيث أخذوا يضربونها حتى الموت عندها قامت أم علي بإعداد حلوى كانت معروفة في ذلك الوقت ويتناولها الناس للتحلية بعد أكل الشواء كانت هذه الحلوى معروفة في مصر والشام وتركيا بعد اضافة المكسرات عليها ومنذ ذلك الوقت عُرفت الحلوى باسم حلوى "أم علي" .
اما عن " المهلبية " فترجع تسميتها إلى الوالي والقائد "يزيد بن المهلب بن أبى صفرة" و الذى عاش فى زمن الدولة الأموية ، حيث تشير المصادر التاريخية الى أنه أمر الخدم بصنع حلوى مميزة كي يخلد اسمه في التاريخ ، و بالفعل صنعوا له "المهلبية" باللبن والنشا ، و قد تحول الاسم في ما بعد إلى "كشك الأمراء" فصارت المهلبية وجبة الأمراء اللذيذة، إلا أن العامة لم يعجبهم أن تكون حكرًا على أحد فأعدوها وتفننوا فيها وباعوها في دكاكينهم محافظين على اسمها الأول المهلبية التي ما زالت تحمل هذا الإسم حتى الآن .