مسؤولة أوروبية: ينبغي على الغرب أن يكون جادا إزاء أمن الطاقة
ترى أنا فوتيجا عضوة البرلمان الأوروبي ووزيرة خارجية بولندا السابقة أن النتائج التي يمكن استخلاصها من مؤتمر الأمن في ميونخ الشهر الماضي مألوفة بشكل محبط، ومع ذلك تستحق تكرارها. فقد عاد من حاورتهم من الأمريكيين من أوروبا يحملون صورة كئيبة لأحوال العالم: سفك الدماء في إسرائيل وغزة، وخطر اندلاع حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط،، والأخطار التي تتعرض لها التجارة والسفن من جانب النشاط الإرهابي، والأهم من ذلك الحرب العدوانية الدائرة ضد أوكرانيا، والخطر الذي يلوح في الأفق دائما والمتمثل في قيام روسيا بمهاجمة دول أوروبا وحلف شمال الأطلسي(ناتو).
وأضافت في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست أن ما يجعل الخطر الأخير المذكور آنفا أكثر وضوحا الفشل مؤخرا في تزويد أوكرانيا بما تحتاجه من مال وسلاح للدفاع عن نفسها ضد روسيا التي تسعى لإعادة بناء أمبراطورية روسية من خلال الغزو. فالمال والسلاح عناصر أساسية بالنسبة لأوكرانيا لتنتصر في الحرب- وأيضا أساسية بالنسبة لأوروبا التي تريد أن تكون جادة إزاء ردع العدوان الروسي وهزيمته. ولكن هذا ليس كل شىء. ففي نفس الوقت، يتعين الحديث عن الطاقة، التي غالبا ما يتم التعامل معها كأمر ثانوي. وهي ليست كذلك. فالطاقة من الولايات المتحدة أمر أساسي بالنسبة لكل قضية الأمن الأوروبي.
وأوضحت فوتيجا أنه خلال العقود القليلة الماضية، أثبت قرار تعميق الاعتماد على الغاز الروسي الآن أنه خطأ فادح- كما توقعت هي والرئيس البولندي الراحل ليخ كاتشينسكي، في ذلك الوقت ، حيث تعرضا للهجوم عليهما بسبب مواقفهما. وكانت النتيجة دعم أوروبا للعدوان الروسي، مع زيادة تعرض أوروبا للابتزاز بالنسبة للطاقة. وتعتمد كيفة تصحيح هذه الأخطاء ومنع حدوث كارثة مماثلة على عاملين بسيطين: العرض والطلب.
وبالنسبة للطلب، هل يمكن الحد من الطلب الأوروبي على الغاز الروسي؟ فقد أنفق الاتحاد الأوروبي المليارات على تحول الطاقة وعلى جهود دعم الوقود المتجدد والطاقة النظيفة. ورغم التكاليف الباهظة، ليست هناك فرصة لأن يتراحع طلب أوروبا على الغاز الروسي. فالتكنولوجيا ، والصناعة ، والبنية الأساسية والاتصالات ستظل تعتمد على الوقود التقليدي.إذن ليس هناك حل يتعلق بالطلب بالنسبة لمسألة كيفية الحد من اعتماد أوروبا على الغاز.
وأضافت فوتيجا أن الحل الوحيد هو تأمين أوروبا لامدادات واسعة النطاق من الغاز غير الروسي. ومن أجل أن يكون هناك أمن طاقة حقيقي، سيكون من الأفضل أن تكون هناك طاقة محلية. ولكن أوروبا ليست منتجة كبيرة للطاقة المحلية. إذن الخيار الأفضل التالي هو الحصول على الامدادات من حليف قوي. ولحسن الحظ ، هناك حل يجري بحثه بالفعل عبر الأطلسي.
ففي الشهور الستة الأولى من عام 2023 وحده، صدرت الولايات المتحدة كميات من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا أكثر من أي وقت مضى. ويتدفق حاليا نحو ثلثي الصادرات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، مما يحد من امدادات الغاز الروسي ويواصل ضمان أمن الامدادات. فقد انخفض الغاز الروسي من حصة في أوروبا بلغت 41% عام 2021 إلى 8% عام 2023، وهو ما يعد نجاحا هائلا. كما أن الغاز الأمريكي أقل تلويثا من الغاز الروسي، ومن الممكن زيادة امداداته في ظل بناء الولايات المتحدة للمزيد من المحطات الجديدة لانتاج الغاز الطبيعي المسال. ومن الممكن أن تضمن أوروبا امن الطاقة وتوقع امداداتها لعشرات السنين، حيث سوف تستفيد الولايات المتحدة أيضا من عائدات الطاقة الهائلة، وتوفر فرص العمل في الولايات الجنوبية التي ستقام فيها المحطات.
وأوضحت فوتيجا أن استغلال عدم أمان الطاقة كان دائما أمرا أساسيا بالنسبة لخطة بوتين لإحداث الفرقة في أوروبا، وكسب النفوذ وابتزاز من يعارضون حكمه. ولذلك ينبغي أن يكون أمن الطاقة هو جوهر وحدة الغرب الجماعي، وإذا ما تحقق هذا بشكل جيد، فإنه يمكن أن يعزز الوفاق الأوروبي عبر الأطلسي.
وقالت فوتيجا إنه يتعين على أوروبا أن تكون جادة بالنسبة لأمن الطاقة طويل المدى وأن تكون أكثر فعالية في عرض آرائها.
وأضافت فوتيجا في ختام تقريرها "نحن قريبون للغاية من لحظة فارقة: تتمثل في عهد جديد من امدادات الطاقة الآمنة والمأمونة والموثوق بها من أقرب حلفائنا جغرافيا وسياسيا. وينبغى اعتبار الاعتماد على الروس شيئا من الماضي. ولتحقيق ذك ، يتعين على الأوروبيين المشاركة في مناقشات صريحة حول تعميق الرابط بيننا عبر الأطلسي من خلال التعاون الاستراتيجي بشأن الطاقة. وهذا الأمر لن يفيد فقط الصناعة في الولايات المتحدة وعمالها ولكن أيضا سوف يفيد أمن أوروبا واقتصادها وسلطتها الأخلاقية. وينبغي على القادة الأوروبيين الانطلاق والسعي جاهدين لتحقيق تلك النتيجة. ويتعين ألا نحول الثروة ، والأمن، والنفوذ لشركاء غير موثوق بهم. و لا يمكن أن ننتقل من خطر إلى خطر آخر- فذلك سيكون انتصارا لبوتين".