مستشاران سابقان للأمن القومي الأمريكي والياباني: الصين المستفيد الأول من القيود الأوروبية على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى
بدأت السلطات التشريعية والتنظيمية في أغلب دول العالم التحرك لمواجهة هذه التطورات، من خلال إقرار قواعد صارمة على كبرى الشركات الأمريكية في عالم التكنولوجيا ، في ظل النمو السريع وغير المسبوق لدور التكنولوجيا في الحياة اليومية للبشر وازدهار الاقتصاد الرقمي، وسيطرة الشركات الأمريكية العملاقة مثل فيسبوك وأمازون وجوجل على هذا التطور.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال روبرت أوبراين وهو مستشار سابق للأمن القومي الأمريكي، وشيجيرو كيتامورا وهو مستشارسابق للأمن القومي الياباني إن أي تطبيق تغييرات جذرية في سياسات قطاع التكنولوجيا سريع التطور يكون مصحوباً بمخاطر كبيرة، والعديد من العواقب غير المقصودة، كما أن الإفراط في فرض القيود على أنشطة شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى التي تشكل الاقتصاد الرقمي العالمي وتدعم وظائف لا حصر لها لن يضر فقط بهذه الشركات، وإنما يمكن أيضا أن يقوض الأمن القومي والاقتصادي للدول التي تطبق هذه التغييرات.
وأصبح قانون الأسواق الرقمية الذي أقره الاتحاد الأوروبي وبدأ تطبيقه منذ بداية العالم الحالي نموذجا دوليا لتنظيم قطاع التكنولوجيا والأسواق الرقمية. ولكن مستشاري الأمن القومي الأمريكي والياباني السابقان أوبراين و كيتامورا يريان أن هذا القانون عبارة عن سلسلة من التدابير الهدامة قصيرة النظر وستكون مضاره أكثر كثيرا من فوائده.
ويصنف القانون الأوروبي عددا قليلا من شركات التكنولوجيا العملاقة وأغلبها أمريكية باعتبارها "حارس بوابة" لأنها تتحكم بصورة غير عادلة في أسواقها نظرا لنفوذها الضخم في السوق الرقمية وتحد من القدرة التنافسية للشركات الأصغر. ولذلك يفرض هذا القانون قيودا وتنظيمات إضافية على هذه الشركات. في المقابل فإن شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة التي تنافس الشركات الأمريكية مباشرة، ما زالت بعيدة عن تأثير هذا القانون إلى حد كبير.
ومنذ تمرير قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، تدرس بريطانيا واليابان والولايات المتحدة إصدار قوانين مماثلة. كما تدرس دول أخرى مثل تركيا والبرازيل وكوريا الجنوبية النموذج الأوروبي. والقاسم المشترك بين كل هذه القوانين المقترحة هو نظرية "حارس البوابة" في التعامل مع الشركات العملاقة. وإذا تحولت هذه الاقتراحات إلى قوانين سارية المفعول، فسيكون لها تداعيات خطيرة على الريادة التكنولوجية الغربية للعالم وعلى الأمن القومي والاقتصادي المشترك للدول الغربية.
في المقابل، فإن الصين لا تخفي رغبتها في إزاحة الولايات المتحدة وحلفائها عن الريادة العالمية في مجال ابتكار وتطوير الأجيال الجديدة من التكنولوجيا. وتعتقد بكين أن الريادة التكنولوجية مكونا حيويا في قوتها القومية وشرطا مسبقا مهما لتعزيز نفوذها في الشؤون الدولية. وتستهدف مبادرة "صنع في الصين 2025" التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج بشكل دقيق زيادة قوة جمهورية الصين الشعبية. وتدفع الصين شركاتها المحلية التكنولوجية والصناعية لاقنتاص الريادة العالمية في مجال الابتكار من الدول الغربية.
ويرى أوبراين وكيتامورا أن أخر شيء يحتاجه الغرب في ظل هذه المنافسة الضارية مع الصين من أجل السيطرة التكنولوجية على العالم هو فرض المزيد من الأعباء والقيود التشريعية على الشركات الغربية العملاقة مما سيحد من قدرتها على منافسة الشركات الصينية التي تحظى برعاية الدولة وحزبها الشيوعي الحاكم.
علاوة على ذلك، فإن الشركات الأمريكية وغيرها من الشركات الغربية التي يستهدفها قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا تشكل فقط مسار الابتكار وإنما تضع أيضا معايير حماية الخصوصية والأمن لقطاع التكنولوجيا على مستوى العالم. وإذا تم تدمير هذه المعايير، سيفتح الباب أمام تصاعد غير مسبوق لهجمات القرصنة الرقمية ومحترفي اختراق الشبكات من روسيا والصين والذين يستخدمون كل الوسائل المتاحة لسرقة بيانات مواطني الدول الغربية . وسيزيد عدد الجرائم السيبرانية الذي وصل بالفعل إلى مستويات قياسية، عندما تضطر شركات التكنولوجيا الغربية العملاقة للحد من رقابتها على تطبيقات الشركات الأخرى للكشف عما يمكن أن يكون فيها من أدوات تجسس.
ورغم أن قانون الأسواق الرقمية والسياسات الشبيهة حول العالم تستهدف تشجيع الابتكار والمنافسة في السوق الرقمية، فإنه في الواقع يؤدي إلى العكس بحسب مسؤولي الأمن القومي السابقين الأمريكي والياباني. فالشركات الأشد تضررا من هذا القانون قد تكون أكبر المبتكرين في العالم. كما أنها هي التي تقدم أحدث المنتجات وتمتلك الموارد الضرورية للبحث والتطوير لتنمية ونشر التكنولوجيات الجديدة.
هذه الشركات هي أفضل أمل للدول الغربية من أجل المحافظة على تفوقها التكنولوجي المشترك على الصين. ولكن الاتحاد الأوروبي يخلق بيئة تشريعية تسهل على الشركات الصينية اللحاق بالشركات الغربية والتفوق عليها في قطاع التكنولوجيا، وهو ما ستكون له تداعياته في كل مجالات تنافس القوة بين الغرب والصين.
أخيرا يرى روبرت أوبراين وشيجيرو كيتامورا أن الأمن القومي للدول الغربية سيكون على المحك إذا تم السماح لشركات التكنولوجيا الصينية الخاضعة لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني بالسيطرة على أسواق الغرب وتدمير اقتصاده. المثير للقلق أن الاتحاد الأوروبي والدول الغربية الأخرى الراغبة في السير على خطاه تبدو راضية عن سيطرة شركات أكبر خصم جيوسياسي للغرب على سوق التكنولوجيا في العالم، رغم أن هذه الشركات نادرا ما تحترم القوانين والأعراف الدولية، في الوقت الذي تحارب فيه الشركات الغربية الكبرى في هذا المجال بدعوى حماية حرية المنافسة واحترام القواعد العالمية.