محلل عسكري: إسرائيل تواجه مأزقا كبيرا في رفح.. ويؤكد: حماس ساعدت تل أبيب في تسريع خططها لشن معركة في رفح الفلسطينية يوم 5 مايو
تتواصل الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة بعد سبعة أشهر من قتال حركة حماس. ومنذ هجوم السابع من أكتوبر، لم تواجه إسرائيل تهديدات من حماس في غزة فقط، ولكن أيضا هجمات متزايدة من قوات تحارب بالوكالة عن إيران في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والحوثيون في البحر الأحمر. ومع اقتراب إسرائيل من الشهر الثامن من الحرب، أصبح من الواضح الآن أن هزيمة حماس في غزة أصبحت أكثر صعوبة من حملات مكافحة الإرهاب الأخرى مثل هزيمة العراق لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الموصل في عام 2017. وتواجه إسرائيل الآن خيارات صعبة في غزة تتعلق بما سيحدث لاحقا.
وقال المحلل العسكري سيث جيه فرانتزمان المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إن الحرب في غزة مرت بمراحل متعددة، حيث بدأت بحملة قصف أعقبها هجوم بري يوم 27 أكتوبر. وأدت حملة مكثفة أولية في شمال غزة إلى فرار 1.7مليون شخص من سكان غزة وشهدت اجتياح الدبابات الإسرائيلية وقوات المشاة لمناطق ذات كثافة سكانية كبيرة. وسرعان ما أدت مرحلة القتال المكثف الأولي، والتي أسفرت عن القضاء على تجمعات كبيرة لعناصر حماس في شمال القطاع، إلى مرحلة أقل حدة وغارات أكثر من القوات الخاصة. وجاء التحول إلى قتال أقل حدة في ديسمبر ويناير وسط ضغط أمريكي على إسرائيل ولكن أيضا لأسباب عملياتية. وكان الجيش الإسرائيلي قد استدعى ما يصل إلى 300 ألف جندي احتياط في أكتوبر بعد هجوم حماس، ولم يكن من الممكن الإبقاء عليهم على الجبهة إلى الأبد.
وامتدت حملة المعارك الأقل حدة من يناير حتى أوائل مايو الحالي، وشهدت دخول الجيش الإسرائيلي خان يونس في جنوب قطاع غزة، مسقط رأس زعيم حماس يحيى السنوار. وكانت إسرائيل قد قالت إنها تسعى إلى تحقيق هدفين من الحرب وهما هزيمة حماس وتحرير الرهائن الذين لا تزال الحركة تحتجزهم. وبحلول ربيع 2024، كانت حماس لا تزال تحتجز 130 رهينة. وعندما انتهت محاثات إطلاق سراح الرهائن بشكل مفاجئ في القاهرة والدوحة، تحول تركيز إسرائيل مجددا حيث قرر الساسة الإسرائيليون التوجه إلى مدينة رفح في جنوب قطاع غزة لتطهير أحد آخر معاقل حماس.
ويرى فرانتزمان أن حماس ساعدت إسرائيل في تسريع خططها لشن معركة في رفح يوم 5 مايو من خلال إطلاق قذائف على الجنود الإسرائيليين قرب كرم أبو سالم، وهو مجتمع بالقرب من الحدود بين غزة ومصر. وتم إطلاق القذائف من منطقة بالقرب من معبر رفح الحدودي مع مصر، الذي يوجد على بعد ميل داخل غزة، وهو المعبر الرئيسي بين مصر وغزة. وبعد يومين من إطلاق القذائف التي أسفرت عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين، توغل الجيش الإسرئيلي بالدبابات في الجانب الفلسطيني من معبر رفح في غزة.
وتحتفظ حماس بسيطرة كبيرة على معظم قطاع غزة وتمارس هذه السيطرة، بشكل جزئي، سرا من خلال ارتداء أفرادها الملابس المدنية. وتسللت الحركة إلى مناطق قام الجيش الإسرائيلي بتطهيرها بالفعل في خريف عام 2023 أو في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2024. ولا يرغب الجيش الإسرائيلي في السيطرة على معظم غزة، ويعتمد بدلا من ذلك على ممر صغير يسيطر عليه جنوب مدينة غزة ليشن غارات. وبرى فرانتزمان أن عدم سيطرة إسرائيل يترك ثغرة لحماس.
ويقول فرانتزمان إن عمليات الجيش الإسرائيلي في رفح وخطواته التالية في أجزاء أخرى من غزة تجعل إسرائيل تواجه خيارات صعبة. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت في 15مايو الجاري إن "العملية العسكرية تحقق نتائج. لم تعد حماس تعمل كمنظمة عسكرية- لقد تم تفكيك معظم كتائبها، وتحولت إلى الحرب الإرهابية، التي يشنها أفراد وفرق صغيرة". وحذر من أنه إذا لم تتوصل إسرائيل إلى خطة طويلة الأمد في قطاع غزة، مثل من سيحكم القطاع بعد هزيمة حماس، فإن حماس يمكن أن تعود، وقال "طالما حماس لا تزال تسيطر على حياة المدنيين في غزة، ربما تعيد بناء نفسها وتزداد قوة، وهذا يتطلب عودة الجيش الإسرائيلي للقتال، في مناطق كان قد عمل بها بالفعل". وقال فرانتزمان إن الحرب ضد حماس في غزة أكثر تعقيدا من عمليات مكافحة التمرد الأخرى لأنه لا توجد سلطة حاكمة قوية يمكن أن تحل محل حماس.
على سبيل المثال، عندما كان العراق يحارب داعش، تم الاستعانة بمؤسسات عراقية قائمة محل الارهابيين. وكانت هذه المؤسسات قد ضعفت قبل وصول داعش، إلا أنه بمجرد تمكن العراق من استعادة السيطرة في عامي 2015 و2016، تمكن من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. ويكمن التحدي في غزة في أن إسرائيل لا ترغب في أن تحكم على القطاع. لقد أدارت القطاع بالفعل من عام 1967 وحتى عام 2005. ومن المرجح أن يرفض المجتمع الدولي السيطرة الإسرئيلية على أي حال. لقد أظهر الجيش الإسرائيلي إنه ليست لديه نية للسيطرة على أحياء، وقال إنه بمجرد أن يقوم باجتياحها والقضاء على الإرهابيين الذين يجدهم، سوف يغادر جنوده هذه الأحياء.
ويرى فرانتزمان أن أحد الخيارات لغزة ما بعد حماس هو قيام السلطة الفلسطينية بإدارة القطاع. وبموجب اتفاقيات أوسلو والاتفاقيات السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين، كان من المفترض أن تدير السلطة غزة. إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إنه لا يريد أن تحل حركة فتح، الحزب الحاكم في السلطة الفلسطينية، محل حركة حماس. كما تم طرح العديد من الأفكار الأخرى بشأن غزة، مثل أن تقوم الدول العربية بدور أو أن تتولى السلطة الفلسطينية- بعد إصلاحها- السيطرة على القطاع. إلا أن المشكلة التي لا يرغب أحد في مناقشتها هي أن الدول العربية والسلطة الفلسطينية لا ترغب في أن يتم تسليمها غزة على طبق يقدمه الجيش الإسرائيلي. إنهم لا يريدون أن يظهروا كمتعاونين، ويريدون فقط أن يكونوا في غزة إذا تمت هزيمة حماس ولم تعد قادرة على مهاجمتهم في اليوم التالي لمغادرة الجيش الإسرائيلي. وهذا يخلق مأزقا كبيرا، حيث يكون من المستحيل تنفيذ الحل الوحيد لمشكلة ما بسبب طبيعة المشكلة نفسها.
وأشار فرانتزمان إلى أن إسرائيل تواجه صراعا صعبا في غزة. ففي حين أن كتائب حماس ربما تكون قد تفرقت، فإن بإمكانها أن تتجمع مجددا. وترغب الولايات المتحدة والقوى الغربية في وقف إطلاق النار في غزة. وربما تفضل بعض الدول في المنطقة هزيمة حماس ولكن بدون حملة طويلة في غزة. وكلما استمرت الحرب، كلما أدانت الجامعة العربية والمنظمات الإقليمية إسرائيل. وهذا يخدم مصالح الدول التي تدعم حماس، مثل إيران وكذلك روسيا وتركيا ودول أخرى. وبفرض استمرار غزة في حالة فوضى، وقيام إسرائيل بشن غارات كل عدة أشهر لوضع حد لقدرات حماس، فإن هذا سيغذي دعاية حماس في الضفة الغربية وقد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي.
واختتم فرانتزمان تحليله بالقول إن هناك مرحلة جديدة تبدأ في غزة وسيتعين على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت هذه المرحلة ستكون مماثلة لهزيمة داعش في العراق أو سوريا أو ما إذا كانت ستترك حماس تسيطر على القطاع، الأمر الذي سيؤدي إلى صراع طويل الأمد لا نهاية له في الأفق.