بمناسبة اليوم العالمي للعب.. هل هناك فوارق في تفضيلات اللعب بين الجنسين؟
عادة ما يضطر الآباء الذين يسجلون أطفالهم في حضانة أو روضة أطفال في ألمانيا الإجابة على سؤال واحد أولا: صبي أم فتاة؟ وعند النظر إلى أطفال الروضة للوهلة الأولى ربما يكون السؤال منطقيا؛ فغالبا ما ترى فتيات يرتدين ملابس وردية لامعة وتنانير ويلعبن معا ألعابا مثل "أم وأب وطفل" أو يمارسن تمرينات رياضية أو يرقصن ويتحدثن معا. في المقابل، يميل العديد من الأولاد إلى الانزواء في أحد الأركان منشغلين بأحد الأعمال اليدوية أو الركض حول الفناء على دراجة صغيرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي من هذه الميول يمكن افتراض أنها فطرية أو مكتسبة عبر التنشئة أو الثقافة؟ في البحث العلمي يُعرَف هذا السؤال بوجه عام باسم "الطبيعة مقابل التنشئة". وبمناسبة اليوم العالمي للعب الموافق 28 أيار/مايو يسلط خبراء في ألمانيا الضوء على وجهات نظر علمية مختلفة في الرد على هذا السؤال. ويهدف اليوم العالمي للعب إلى التقريب بين الأطفال والبالغين من مختلف الطبقات الاجتماعية من خلال اللعب وتعزيز متعة اللعب.
في عام 2017 خلص معدو تحليل تلوي – وهو تحليل يُجرى فيه تقييم عدة دراسات - إلى ما يلي: "توجد فوارق بين الجنسين في اختيار الألعاب، ويبدو أنها لدى الجنسين نتاج لقوى فطرية واجتماعية". راقب العلماء في 16 دراسة أجريت في سنوات مختلفة أطفالا تتراوح أعمارهم بين سنة وثمانية أعوام، وكانت النتيجة كالآتي: لعب الأولاد أكثر بألعاب تعتبر ذكورية، مثل السيارات، بينما لعبت الفتيات أكثر بألعاب تعتبر أنثوية، مثل الدمى. وبحسب معدي التحليل، يمكن تفسير ذلك بفوارق هرمونية، من بين أمور أخرى. ولكن: بالنسبة للأولاد، كانت التفضيلات أكثر وضوحا عند الأطفال الأكبر سنا مقارنة بالأطفال الأصغر، وكانت الفوارق القائمة على الجنس أكثر وضوحا في الدراسات الأقدم. وقد يرجع هذا أيضا إلى تأثيرات بيئية.
التأثير البيئي يحدث في الرحم
تعتبر الفوارق في تفضيل الألوان (الوردي أم الأزرق) تفضيلات مدفوعة من عوامل اجتماعية بالكامل. لكن يصعب الإجابة على ما إذا كان تفضيلات الأطفال المميزة للجنسين في الألعاب نابعة من أنفسهم، كما تقول ألموت شنيرينج التي تؤلف كتبا وتتحدث حول موضوعات تتعلق بما يسمى بـ"الفخ الوردي والأزرق الفاتح" و"الرعاية المتساوية" منذ أكثر من عشر سنوات. تقول شنيرينج: "تأثير البيئة موجود دائما - منذ اليوم الأول"، موضحة أن هذا التأثير لا يتعلق فقط بالفوارق بين الجنسين في تركيبة وألوان غرف الأطفال والملابس واللهايات، بل إن الدراسات أظهرت على سبيل المثال أن الآباء يعاملون أطفالهم وهم أجنة في الرحم على نحو متباين حسب نوع الجنين، ويميلون إلى الحديث أكثر إلى الأجنة التي يتضح أنها لأنثى على سبيل المثال. وأضافت شنيرينج أن التجارب أظهرت أيضا أن الناس قد يلعبون بشكل مختلف حتى مع نفس الطفل بناء على ما إذا كانوا يعتقدون أنه صبي أو فتاة، موضحة أن السلوك هنا غالبا ما يكون لا شعوريا. وترى شنيرينج أنه إذا أظهر أطفال بعمر عام واحد تفضيلات في اللعب، فقد يكون ذلك بسبب تأثيرات ثقافية. تقول شنيرينج: "لا يمكن دراسة البيولوجيا والتنشئة الاجتماعية بمنأى عن بعضهما البعض".
وفي المقابل، تعتقد عالمة النفس دوريس بيشوف-كولر أن الجنسين مختلفان بالفطرة، موضحة أنه إذا كان لدى الأولاد تفضيل للعب الخشن في رياض الأطفال، فإن ذلك سيرجع لأسباب نفسية تطورية. كما استشهد عالم الرئيسيات فرانس دي وال بدراسات كانت تفضل فيها إناث القرود اللعب بالدمى مقارنة بذكور القرود. وعلى النقيض ترى شنرينج أنه لا يوجد في الواقع إجماع حول ما يمكن اعتباره ألعابا نمطية للذكور والإناث. وتوصلت مراجعة شملت تقييم 75 دراسة عام 2020 إلى نفس هذا الاستنتاج.
التسويق القائم على النوع يدفع نحو "الفخ الوردي والأزرق الفاتح"
ومع ذلك، لا جدال في أن البيئة والبيولوجيا يمكن أن يؤثر كل منهما على الآخر، حيث يمكن للبيئة أن تعزز أي اختلافات قد تكون موجودة بين الجنسين - على سبيل المثال: إذا تلقى الأطفال ألعابا "نمطية من حيث نوع الجنس" فحسب، أو تفاعل الآباء بشكل أكثر إيجابية مع الألعاب التي تعتبر نمطية، أو رأى الأطفال أطفالا آخرين وهم يلعبون ألعابا متباينة بناء على نوع جنسهم. ويمكن للبيئة أيضا أن تغير الجينات (ما يسمى بعلم ما فوق الجينات).
تعزو شنرينج تزايد الفوارق بين الجنسين خاصة خلال السنوات الأولى من الحياة إلى التسويق القائم على نوع الجنس، مشيرة إلى أن هناك الآن تقريبا عروض مخصصة لكل نوع على حدة عندما يتعلق الأمر بمنتجات مثل الحقائب المدرسية، والكتب، والشامبو، والأحذية وغيرها، موضحة أن الفكرة التي يتم تصديرها للمستهلكين هي "صبي مقابل فتاة" أو "قرصان مقابل أميرة". تقول شيرينج: "لم يكن هناك جيل من قبل كان غارقا في الرسائل الثنائية إلى هذا الحد"، مضيفة أنه على الرغم من أن الألعاب على هيئة جنود أو الدمى كانت تُصنف منذ فترة طويلة على أنها ألعاب موجهة حسب نوع الجنس، فلم يكن هناك تعزيز لهذه الصور النمطية مثلما يحدث الآن عبر "إنستجرام" أو ملصقات عملاقة في محطات الحافلات أو تلفزيون الأطفال. تقول شنيرينج: "في البداية لا يريد العديد من الأطفال هذا العالم المنقسم إلى اللونين الوردي والأزرق، لكن صوتهم لا يُسمع". وتلاحظ أيضا الخبيرتان في مجال الإعلام، مايا جوتس وبيرجيت إيرجانج، من معهد التربية الإعلامية في أوجسبورج أيضا أن التسويق القائم على نوع الجنس قد زاد.
القوالب النمطية للجنسين قد يكون لها عواقب اجتماعية غير مرغوب فيها
حتى لو لم يكن من الممكن توضيح الدور الذي تلعبه البيئة والفطرة في سلوكيات اللعب المختلفة، من الواضح أنه ليس بالضرورة أن يتماهى كل الأطفال مع القوالب النمطية المتعلقة بالجنسين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للقوالب النمطية المتعلقة بالجنسين تأثير على حياة الأطفال مستقبلا وعلى المجتمع، وهو تأثير قد لا يكون مرغوبا دائما.
ولا ينبغي لأي شخص يقدم مكعبات البناء وألعاب السيارات على وجه الخصوص للأولاد في رياض الأطفال أن يتفاجأ بالإضطرار إلى وضع برامج خاصة للفتيات بين المراهقين والشباب من أجل إثارة اهتمامهن بالعلوم والتكنولوجيا: على سبيل المثال، عندما تسمع الفتيات في كثير من الأحيان أن الفتيات لسن جيدات في الحرف اليدوية مثل الأولاد، فإن ما يسمى بـ"التهديد المنبثق عن الصورة النمطية" يمكن أن يؤدي إلى أدائهن بشكل أسوأ في الحرف اليدوية.
تتمنى شنيرينج أن يكون البالغون أكثر تحفظا عند تصنيف الألعاب مسبقا للأطفال، حيث قالت: "من المهم تقديم التنوع ومواجهة الثنائيات دائما"، مؤكدة ضرورة البقاء في حوار مستمر مع الأطفال، وقالت: "إذا كان الطفل يريد الكرة الوردية اليوم، فربما تعجبه رغم ذلك الدراجة الصفراء غدا".