الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

أوروبا تراهن على هاريس "سراً" لإبعاد "شبح" ترامب.. المرشحة الأمريكية دافعت دوما عن شراكة قوية عبر الأطلسي وشددت مرارا على ضرورة العمل المشترك مع الحلفاء

السبت 27/يوليو/2024 - 09:46 ص
هاريس
هاريس

من المتوقع أن تعمل كامالا هاريس في حال الفوز، على تعزيز علاقات التعاون مع ألمانيا وأوروبا، عكس منافسها دونالد ترامب الذي أظهر في ولايته الأولى استخفافا بالعلاقات التقليدية لبلاده مع أوروبا، بتبنيه لسياسة "أمريكا أولا".

 

تميز مشوار كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي جو بايدن، كشخصية ملتزمة ونموذج للطموح والنجاح الذي يتيحه المجتمع الأمريكي حتى وإن انحدر الفرد من الأقليات. وفي حال فوزها في الانتخابات الأمريكية المقبلة، فمن الممكن أن تؤثر مواقفها وأولوياتها في مجال السياسة الخارجية بشكل كبير على علاقات بلادها مع ألمانيا وأوروبا. فألمانيا شريك رئيسي لواشنطن في القارة العجوز، وتدرك هاريس أهمية هذه العلاقة، حيث أكدت في أكثر من مناسبة على ضرورة الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين ضفتي الأطلسي. ألمانيا ليست فقط واحدة من أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، ولكنها أيضًا لاعب أساسي في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأكدت هاريس دعمها للتحالف الدفاعي وأثنت على ألمانيا لدورها ضمن هذا الهيكل.

 

العلاقات الأطلسية في ميزان الانتخابات الأمريكية

 

لقد دافعت هاريس دوما عن شراكة قوية عبر الأطلسي وشددت مرارا على ضرورة العمل المشترك مع الحلفاء لمواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والإرهاب والجرائم الإلكترونية. كما تدعم المؤسسات والاتفاقيات المتعددة الأطراف. وعكس ترامب تدعو لتمتين العلاقة مع حلفاء بلادها التقليديين واحترام الأعراف الدولية. وهذا ما يفسر الدعم الواضح الذي تلقاه هاريس في الأوساط الأوروبية. غير أن الرياح قد لا تجري بالضرورة بما تشتهيه السفن الأوروبية، لأن اختيارات الناخب الأمريكي، المهمة بالنسبة للعلاقات الدولية، لا تتطابق دائما مع رؤية الأوروبيين الذي يتمنى البعض منهم ترشيح ميشيل أوباما. وبهذا الصدد عنونت صحيفة "إل بيريوديكو" الإسبانية (25 يوليو/ تموز 2024) بأن "مستقبل العالم يعتمد على الديمقراطيين الأمريكيين".

 

 

وكتبت الصحيفة معلقة "إن مستقبل العالم يعتمد على مؤتمر الحزب الديمقراطي. (..) نحن الأوروبيون منحازون دائمًا في تقييماتنا للسياسة الأمريكية. وستكون لتفضيلاتنا قيمة لو صوت مواطنو نيويورك وبوسطن وكاليفورنيا فقط. لكن الانتخابات تجري في 52 ولاية تحمل قيما ومشاكل بعيدة كل البعد عن تلك التي تهيمن على الرأي العام في أوروبا. يعتقد الكثير منا أن ميشيل أوباما هي الوحيدة التي لديها فرصة لخوض الانتخابات ضد دونالد ترامب (...). ليس من الواضح ما هي الإجابة الأفضل في أوقات الاستقطاب والشعبوية. ونظراً لحالة الطوارئ التي يشهدها الوضع العالمي حاليا، يبدو أن ميشيل أوباما تشكل البديل الأفضل من المنظور الأوروبي. لكن المندوبين الديمقراطيين هم من سيقررون. الميزة الوحيدة التي تتمتع بها هاريس هي أن ترامب يبدو أنه تقدم في السن بعد تقاعد جو بايدن. ولكن هذا العامل وحده لن يكون كافيا للحسم في الفوز أو الخسارة".

 

برلين لا تستبعد فوز كامالا هاريس

 

بمجرد إعلان الرئيس جو بايدن انسحابه من سباق الرئاسة الأمريكية، سارع المستشار الألماني أولاف شولتس (24 يوليو) إلى القول بأن فوز كاملا هاريس في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، هو أمر "ممكن"، مشيدا بخصال نائبة بايدن. وأوضح شولتس بأنها "سياسية كفؤة وذات خبرة ولديها رؤية واضحة جدا عن الدور الذي تؤديه بلادها وعن التطورات العالمية والتحديات المقبلة". واستطرد شولتس بأنه "مقتنع بشدة" بأن "التعاون الجيد عبر الأطلسي" سيستمر مهما كانت نتيجة الانتخابات الأمريكية. ويذكر أن العودة المحتملة لدونالد ترامب وشعاره "أمريكا أولا"، يثير قلق برلين وباقي العواصم الأوروبية، خصوصا بشأن مواقفه اتجاه حلف شمال الأطلسي.

 

وذهبت رئيسة الدبلوماسية الألمانية أنالينا بيربوك (23 يوليو)، في نفس الاتجاه، حين أشادت بدور المرأة في العمل السياسي، حين صرحت بأن "الكثير من هرمون التستوستيرون ينتشر بأكثر من المستوى المتوقع في بعض الأحيان. (..) قد لا تسبب النساء القويات أي ضرر في مواقف معينة، بل قد تحققن فائدة". وأضافت بيربوك إن أمامنا وقت مثير، "ليس فقط للولايات المتحدة وإنما بالنسبة لنا هنا في أوروبا أيضا. وأكدت بيربوك أن هناك مستوى قويا من الثقة بين برلين والرئيس الحالي في البيت الأبيض، مشددة على التزام بايدن الطويل بالعلاقة عبر الأطلسي.

 

موقع "شبيغل أونلاين" الألماني (22 يوليو) أجرى حوارا مع ميتين هاكفيردي خبير الشؤون الأمريكية في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي له المستشار شولتس، حيث اعتبر أن هاريس "مناصرة بالفطرة للعلاقات الأطلسية". وأضاف أنه لو طرح عليه السؤال قبل ثلاث سنوات لقال "كامالا هاريس ليست أطلسية الهوى، عكس بايدن. لكن الآن أعتقد أنها تعلمت الدرس. فالهجوم الروسي على أوكرانيا لم يصدم الأوروبيين فحسب، بل صدم الولايات المتحدة أيضًا. إن فكرة الانفصال عن أوروبا لأسباب اقتصادية والتركيز على آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، لا تناسب الولايات المتحدة التي باتت ترى أن روسيا والصين مرتبطتان ولا يمكن فصلهما".

 

مع دخول كامالا هاريس حلبة المنافسة المباشرة ضد  دونالد ترامب، تغيرت عمليا ديناميكيات السباق نحو البيت الأبيض. ولعل أهم سلاح لدى المرشحين هو إثارة الخوف من بعضهما البعض. سوف يسمع الأمريكيون الكثير من الاتهامات الشخصية المتبادلة، ففيما يؤكد الديموقراطيون أن ترامب يهدد لديموقراطية الأمريكية، سيقول الجانب الآخر إن هاريس ممثل لليسار الراديكالي الذي هدفه تدمير الحلم الأمريكي. وقد يخدع الأوروبيون أنفسهم إذا استسلموا لنشوة الديمقراطيين بعد البداية الجديدة الحالية. أما الثقة بالنفس لدى الجمهوريين، الذين يعتقدون أنهم حققوا بالفعل النصر، فهي خادعة بنفس القدر. الديموقراطيون يحاولون بكل قواهم الاستفادة من زخم انسحاب بايدن ويلعبون جميع الأوراق بما فيها صغر سن هاريس مقارنة مع ترامب.

 

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" (25 يوليو)"أمام الولايات المتحدة الآن سباق رئاسي قد يخسره دونالد ترامب والجمهوريون. (...).  تُصور هاريس الآن بذكاء في الحملة الانتخابية باعتبارها المستقبل في مواجهة الماضي، والجيل الجديد في مواجهة القديم، وتقارن سنها الصغير نسبيًا (59 عامًا) مع ترامب البالغ من العمر 78 عامًا. وقد نجح هذا النهج في الماضي بالنسبة للديمقراطيين، تذكروا جون كنيدي وبيل كلينتون وباراك أوباما. وقد حذرت نيكي هيلي الجمهوريين من أن الحزب الأول الذي سيختار مرشحا من الجيل القادم سيكون له أفضلية سياسية هذا العام، وها نحن وصلنا إلى ذلك (...)  اللغز هو لماذا يبدو أن كل هذا يربك حسابات الجمهوريين. إنهم يلجؤون لزوايا هجوم من غير المرجح أن تنجح، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية (...) بهذه الطريقة، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تنفير النساء وناخبي الأقلية الذين يرغب الجمهوريون في اجتذابهم".

 

أظهر أول استطلاع للرأي على لمستوى الوطني (24 يوليو) تقدم كامالا هاريس على دونالد ترامب بفارق ضئيل. وتخطت هاريس بنقطتين ترامب بنسبة 44% مقابل 42%، وفق استطلاع "رويترز/ إبسوس" الذي أجري في اليومين التاليين لإعلان بايدن انسحابه من السباق وتأييده ترشيح نائبته. أداء هاريس في استطلاعات الرأي يُفسر، بحماسة الناخبين الديموقراطيين بعد إعلان الرئيس بايدن انسحابه من اللقاء. ويبد أن هاريس نجحت، مؤقتا على الأقل، في إبطال مفعول الزخم الذي حظي به ترامب عقب مؤتمر الحزب الجمهوري وبعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها.

 

غير أن صحيفة "داغينز نيهيتر" السويدية الليبرالية (24 يوليو) حذرت من أن حظوظ ترامب لا تزال وفيرة وكتبت "بعد انسحاب جو بايدن تمت الإشادة بالرئيس لأنه فضل مصالح بلاده قبل مصلحته الشخصية. ووُصفت كامالا هاريس بأنها مدعية عامة صارمة قادرة على مواجهة الأشرار مثل ترامب. وفي غضون 24 ساعة تحول الانقسام إلى وحدة بين الديمقراطيين. لقد تحطمت خطة الجمهوريين، التي كانت تهدف إلى تصوير بايدن على أنه كبير في السن وخرف، إلى ألف قطعة. لقد تم تحديد هذا الأمر بشكل أو بآخر، ويبدو أن ترامب قد هزم بالفعل. ولكن هذا المشهد قد يكون وهما كبيرا. ومن ينظر بواقعية إلى ظروف الانتخابات يلاحظ أن ترامب لا يزال هو الأوفر حظا رغم كل شيء. لا ينبغي الاستهانة بالأمل والحماس، ولكن نأمل أن تدرك حملة هاريس أن الأمر سيتطلب الكثير من أجل الفوز".