هيئة الكتاب تصدر «ليالي سطيح» لحافظ إبراهيم
صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، ضمن إصدارات سلسلة أدباء القرن العشرين، كتاب «ليالي سطيح» للشاعر حافظ إبراهيم.
لكتاب ليالي سطيح قيمته التاريخية، وهي حسبه من مزية، ولكنه فوق ذلك حاز مزية أخرى وهي قالبه الأدبي وصورته الفنية.
ولقد شاء الشاعر حافظ إبراهيم، في وصف لياليه على النيل - وهي الليالي التي جلاها علينا في أوائل القرن العشرين، وعلى التحديد عام 1906 - أن يجعل نسبة هذه الليالي إلى «سطيح» الذي ترجع وفاته في الجزيرة العربية إلى أواخر عهد الجاهلية في القرن السادس الميلادي وعلى التحديد عام ٥٧٠ ميلادية، وهو العام الذي شهد مولد النبي العربي عليه الصلاة والسلام.
وهكذا نجد الراوية في كتاب «ليالي سطيح» وهو يروي لنا وقائع زماننا الأخير يأبى إلا أن يتخذ «سطيح» حكيم الزمان القديم وكاهن الجاهلية الأولى وعرافها، حكما يوثق بحكومته في القضايا الحديثة، التي يعرضها عليه في تلك الليالي العجيبة، لينظر فيها كعهده بعين الغيب فيجلو غامضها ويخبر عن عواقبها.
كل ما في ليالي سطيح فيما عدا «سطيح» نفسه أو - إذا شئنا غاية التحقيق والتدقيق - فيما عدا سطيحا ثم ابن سطيح - لا يتعدى كونه شخصيات حقيقية وأحداثا واقعية منقولة عن الماضي القريب من واقعنا التاريخي، فمن أراد أن يعرف هذا الماضي القريب منذ محنة الاحتلال الإنجليزي عام 1882 حتى مأساة دنشواي عام 1906 ، لم يجد صورة أدبية مصغرة لتلك الحقبة المضطربة الزاخرة خيرا من هذا الكتاب، فهو على صغره لم يترك واردة ولا شاردة إلا أحصاها، لا إحصاء المؤرخ الموضوعي الهادئ الفاتر، بل إحصاء الذي عاشها وانفعل بها بعد أن شق غبارها واكتوى بنارها وأشفى على أغوارها.
إن «ليالي سطيح» من الآثار الأدبية التي تجمع إلى المتعة الجمالية قيمة الوثيقة التاريخية، وطرافة اللوحات التصويرية الحية، وقوة النقد الهجائية للبيئة الاجتماعية، وروعة الدعوة إلى الإصلاح والنهضة، ومن أجل هذا جميعه، كان هذا الكتاب ليالي سطيح جديرا بأن تتزود به كل مكتبة عربية، ليرجع إليه كل القارئين في الوطن العربي في الحين بعد الحين للمتعة والعبرة.
ويحاكي حافظ إبراهيم، في كتابه «ليالي سطيح»، حديث عيسى بن هشام، ولكن بدرجة أقل في التخيل، فالراوي في هذا العمل هو أحد أبناء النيل الذي يلتقي مع سطيح أحد الكهنة العرب القدامى، وقد جاء الكتاب في صورة نثر فنى، يتخذ شكلا أقرب إلى المقامة، فالمكان ثابت والحوار هو السمة الغالبة بلا أحداث حقيقية، واعتمد حافظ في هذا العمل على الأسلوب التقريري، ولم يعمد إلى التصوير، لذلك فإن الشخصيات التي تعرض لها في كتابه لا تتمتع بوجود حقيقي، وإنما يقتصر الكاتب في تقديمها على تحويلها إلى نوافذ نطل من خلالها على أفكاره.
وقد وجه حافظ من خلال هذا العمل نقدًا اجتماعيًا للأخلاق والعادات السائدة، وذلك في ثنايا وصفه لحال الاجتماع في مصر إبان تلك الفترة، حيث تطرقت فصول الكتاب إلى مشاكل اجتماعية وأدبية مختلفة.