الجمعة 20 سبتمبر 2024 الموافق 17 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

أسطورة مجدي يعقوب

الإثنين 12/أغسطس/2024 - 08:03 م

حكم إعدام صدر ضد مدان في جريمة إرهاب ضد الأقباط في أوائل تسعينيات القرن الماضي.. شارك في الهجوم وسرقة الأقباط.. تلقى الرجل الحكم بأريحية.. بالنسبة له فهو ميت ميت.. إن لم يتم على يد "عشماوي" مات بعد فترة بسبب قلبه.. فلم يكن مقدرا له أن يعيش إلا أشهر قليلة.


في التحقيقات معه عقب ضبطه.. لم ينكر الجرائم التي ارتكبها.. كان متعاونا إلى أقصى درجة.. فسر المحققون تعاونه تفسيرات مختلفة.. بعضهم قال شعورا بالذنب.. بعدهم قال الرجل صادق.. والجهاديون لا يكذبون.. آخرون قالوا لعله تاب.. لم يلمسوا كبد الحقيقة.. أن الرجل يتعاون لأنه "ميت".


عقب صدور الحكم.. وترحيله إلى السجن.. وقبل عمل الاستئناف.. الذي لم يتقدم له.. فالدولة تستأنف نيابة عن المحكوم عليه بالإعدام إذا لم يستأنف لأنه حقه.. مرض مرضا شديدًا.. استلزم ذهابه لمستشفى السجن.. إجراءات وتحاليل كشفت الحقيقة: الرجل لن يعيش شهور لن تتجاوز أصابع اليد الواحدة.. لن يتحمل قلبه.

 

مجدي يعقوب

وصل الأمر إلى "الأسطورة".. حمل ملف الرجل إلى وزير الداخلية حبيب العادلي.. كان يعلم بما يحدث.. لكن أن يحدث ما تعلم أمر يثير السعادة في النفس.. وحدث ما كان يعلم.. أمر وزير الداخلية بعلاج "الإرهابي".. صمت قليلا وقال: مجدي يعقوب في زيارة لمصر.. اعرض عليه الملف.. سأل الأسطورة سؤالًا يعلم إجابته: هل نعالج الرجل لنعدمه.. ابتسم الوزير قائلا: نحن لا نحيي ولا نميت الحياة والموت بيد الله.. نحن نأخذ بالأسباب.. والرجل له استئناف ما يدرينا أن لا يحكم الاستئناف لصالحه ويلغي حكم الإعدام.. علينا بالأسباب.. ابتسامة رضا علت وجه الأسطورة.. سببها أمران: رد الوزير.. ومعرفته المسبقة برد الوزير.. استوقفه الوزير طلب منه أن يؤكد لمجدي يعقوب أنه في حال موافقته على علاجه فسيكون العلاج بالكامل على حساب "الدولة".. وطلب منه أن يوضح لمجدي يعقوب أن الرجل مدان في قضايا قتل "أقباط" وله حرية الرفض أو الموافقة.. كما أن له حق العلم.
 

صبيحة اليوم التالي توجه "الأسطورة" إلى مجدي يعقوب عرض عليه ملف "المريض" دون ذكر تفاصيل.. قال "يعقوب" الحالة صعبة وليس لها علاج الرجل ميت.. إلا أنني مؤخرا اكتشفت علاجًا لمثل تلك الحالة ونجحت في تطبيقه خارج مصر..وستكون تلك أول حالة أطبق عليها "العملية الجراحية الجديدة".. شكره "الأسطورة" وصمت قليلًا.. ما استدعى انتباه "يعقوب" أهناك أمر؟.. أجاب نعم.. المريض مدان بحكم إعدام.. في قضية قتل "أقباط".. أردنا أن تعرف حتى يكون لك حرية الاختيار كما لك علينا حق العلم.. غضب مجدي يعقوب.. أحمر وجهه القريب من الاستطالة.. وعلا صوته منفعلًأ.. أنا رجل علم.. أعالج الناس جميعًا.. لا أحاسبهم على ما فعلوا أو ما سيفعلوا؟.. مهامي في الحياة أن أعمل على شفاء الناس.. ولا يوجد مثل هذا الكلام في العلم.. وأنا رجل علم.. وسأعالج الرجل على نفقتي الشخصية


صمتٌ ساد الغرفة لثواني بدت كأنها دهور.. استطرد "يعقوب": بنور العدرا.. وببركة المسيح.. سيُشفى الرجل".. سأتحمل تكاليف علاجه كاملة.. بشرط أن تلازمه شخصيا.. أراه غدا في مستشفى القصر العيني في السادسة صباحا.


في الموعد المحدد.. فحص مجدي يعقوب "الإرهابي".. رُعب ارتسم على وجه المريض.. تجمد جسده أثناء الفحص.. لم تغير ابتسامة "يعقوب" للمريض من الأمر شيئًا.. فعلت العكس.. زاد رعب الرجل.. بعد انصراف "الطبيب" ربت "الأسطورة" على كتف المريض.. خاطبه: لا تخشى شيئًا.. نحن نعالجك.. ولن نقتلك.. رد قائلا: سيقتلني بأي دواء.. بحقنة هواء.. فأنا قاتل أترابه.. فكيف يعالجني من قتلت أبناء دينه.. والله ما يزيدنى وده وتودده إلا خوفا وهلعا.


غلب الهاجس المريض.. وساءت حالته.. قال "الطبيب" لـ"الأسطورة" المريض حالته ليست جيدة.. يستلزم نقله لمستشفى خاص.. حجزت له على نفقتي الخاصة في أحد أكبر المستشفيات الخاصة المؤَهلة لمثل تلك العمليات.. والشرط سارٍ بيننا لن تفارق "الرجل" حتى يخرج سالمًا.


انتقل الرجل للمستشفى الخاصة.. أجرى الجراحة.. قبيل الجراحة قال أنا أعلم سيقتلني الطبيب.. لن أفيق من البنج.. ردد ذلك في الفترة التي توسطت بين أخذه البنج وبين غفوته.. سمعها "الطبيب" وابتسم.. انتهت الجراحة.. بشر "يعقوب" "الأسطورة" الجراحة ناجحة.. سيقضي فترة نقاهة وبعدها يمكن أن يغادر المستشفى.


كان من المفروض أن يغادر "يعقوب" إلى الخارج لارتباطاته.. لم يفعل حتى انتهت فترة النقاهة وشُفي "المريض".. قبل مغادرته المستشفى.. توجه إليه "يعقوب" أعطاه حقيبة كبيرة.. أدوية عليه أن يتناولها لمدة ثلاثة أشهر بانتظام.. لا تُجهد نفسك وقتها.. بعدها افعل ما تشاء.. مارس رياضة.. تزوج.. عش حياتك أنت "طبيعي".


خففت محكمة الاستئناف الحكم على الرجل من الإعدام إلى خمسة عشر عاما.. كتب الله للرجل النجاة من موت "القلب".. ومن الإعدام.. من فرحته كان يردد قصته بين نزلاء السجون.. أنا قاتل الأقباط.. عالجني قبطي.. كان سببًا في وهب الحياة لي من أخذت حياة قرنائه.. كنت أظن أنه سيقتلني.. وللطب حيل ووسائل كثيرة.


في محبسه حَسُنت أخلاقه.. وكان مثاليًا بين قرنائه.. لم تصدر منه شكوى.. ولم يشكُ منه أحد.. انهى فترة حبسه.. وأنهى فترة مراقبته.. وعاش حياته كما راقت له.. وما راق له أمر اختلف عما "تعلمه" من مجدي يعقوب.


لم يحكي "مجدي يعقوب" تلك الأحداث لأحد.. لم يتناولها في مذكراته.. أو في حوارته الصحفية والتلفزيونية.. لم يذكرها لجلسائه في جلساته الودية.. لم يستغلها.. صانعًا بذلك أسطورة مجهولة.. تضاف إلى أساطير أساطير مصرية لا يعلمها كثيرُ من المصريين.. إلا أن من شهدها أحياء يرزقون.. تحية من القلب إلى حكيم "القلب" مجدي يعقوب.