الإثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق 13 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

العشق الممنوع بين اليهود والعرب

الأربعاء 04/سبتمبر/2024 - 06:19 م

في زمن الحروب الدامية والصراعات الإقليمية، كان البند الأول لي يوميا على قائمة أعمالي الصباحية  كوني كاتبة صحفية، أن أحصي عدد الضحايا قبل أن أحتسي قهوتي، ولكنني في ذلك اليوم صادفت خبراً ليس عاديا توقفت عنده كثيراً للتأمل والفحص، وفي الخلفية صوت الشاعر محمود درويش يردد كلمات رائعته (ريتا والبندقية)، "بيننا مليون عصفور وصورة ومواعيد كثيرة.. أطلقت ناراً عليها.. بندقية"، كان الخبر للصحافي الإسرائيلي "عومري منيف"  من القناة الإسرائيلية الثانية عشر في سبق صحفي له : "لجندية إسرائيلية في وظيفة مرموقة في المخابرات العسكرية،  تم القبض عليها في مدينة رام الله.

 

العشق الممنوع بين اليهود والعرب

وعندما تم التحقيق معها حول سبب ذهابها إلى هناك، قالت أنها ذهبت لتعاطي بعض المخدرات، لكن يبدو أن هذا السبب لم يقنع الجيش الإسرائيلي، ومع استمرار التحقيق، تم الكشف أن الجندية الإسرائيلية تربطها علاقة حب مع شاب فلسطيني من رام الله، وحيث أنه ممنوع السفر إلى اسرائيل بسبب صعوبة الحصول على التصاريح، كانت تذهب الجندية إلى رام الله لزيارته .

 

كانت الأسئلة تدور في مخيلتي في ذلك الأمر، هل الحب ممنوع في زمن الحرب؟، أم القضية تكمن في أن الإسرائيلية اليهودية ممنوع أن تحب فلسطيني عربي خشية من أن تتكرر قصة شمشمون ودليلة، عندما وثق بها من شدة حبه لها، وأخبرها عن سر قوته الذي يكمن في شعره، فطلبت دليلة  من خادم أن  يحلق  شعره لنصرة قومها،  وقاموا بالقبض عليه وتعذيبه، ولكن شمشمون عندما شعر أن قوته عادت له من جديد هدم المعبد على نفسه وعلى الجميع لينتقم من قلبه الذي خانه و خذله عندما عشق دليلة.

 

"معقولة ولادي يبقوا جواسيس؟" 

يحمل اللاوعي للشخصية العربية مخاوف عديدة تشبه الكوابيس في الأحلام تجاه كل ما هو يهودي إسرائيلي نتيجة النشأة والثقافة والموروثات، فإذا تخيلت خوضي لعلاقة عاطفية مع شاب يهودي إسرائيلي  وكللت هذه العلاقة بالزواج، فمن المؤكد ستجمعنا ليلة من ليالي السبت، سأشاهده وهو يرتدي التفلين والكيباه والطاليت، وسيغني التحية لملاكي السبت القادمين إلى البيت وربما سيشعل شموع المينورا وربما سيكون عددهم اثنين مماثل لعدد  أبناءنا "شمعون و راشيل" .. "ديه أسماء جواسيس.. معقولة ولادي يبقوا جواسيس؟" .

 

تذكرت قصيدة صلاح جاهين" إيه رأيك في البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزي" التي كتبها عند وقوع مجزرة مدرسة بحر البقر، تذكرت مشاهد أكثر من الانتفاضة الأولى والثانية وكأني عقلي عبارة عن شاشة تلفاز يعرض مشاهد مبعثرة  واحد تلو الاخر.


أظن في اعتقادي أن المسألة لا تتعلق فقط باستراتيجية الحروب بين الدول، إن الصراع ليس عربيا إسرائيليا فقط، بل صراع نفسي وحاجز بني على مر التاريخ، فيما يتعلق بكل ما هو يهودي أو إسرائيلي أتذكر عندما التحقت بكلية الأداب قسم اللغة العبرية بجامعة عين شمس، السخرية التى كنت اتلقاها من الآخرين عند معرفتهم  تخصصي ، ليردوا مازحين "هتطلعي جاسوسة يعني" .

 

"الخيانة ، الشتات، العبودية"

وأعتقد أن  الصراع النفسي ذاته  يدور في اللاوعي اليهودي أيضا ولكن بصورة أخرى، فإذا انغمسنا في العقلية الإسرائيلية سنجد أن أول ما يخطر بالبال عند شعاع أول شرارة حب تجاه شخص ما يحمل هوية عربية، هي نقاط الضعف للعمق اليهودي "الخيانة ، الشتات، العبودية"، ربما يتذكر أيضا كلمات الشاعر تشرنيحوفسكي في قصيدته "تهويدة المهد" والتي تقول "ستكون جوالا في كل العالم.. لكن وطنك واحد .. فلا تنساه : إنه معجزتك حتى يواريك التراب .. هناك يعسكر العرب .. ستكون لنا هذه الأرض.

 

ويحرص اليهود على تدريس وتعليم بناتهن قصة إستر "الأيقونة"، البطلة، الملهمة، حيث لعبت التوراه دوراً هاماً في استغلال علاقة الحب بين اليهودية وغيرها من الأجناس والأديان، تحديداً شخصية استير والتي خصص لها العهد القديم سفرا كاملا بأسمها، الملكة التي استغلت حب ملك فارس أحشويروش، وقامت بإنقاذ شعبها من الإبادة، ذلك النموذج الأسطوري الذي تحلم به أي فتاة إسرائيلية، وتتمنى أن تجسده في حياتها.

 

"من الجاسوس في نهاية القصة؟"

ولاسيما أن الأفلام والروايات الإسرائيلية، مثل قصة هالة وأوفير ورواية عشق من زمن الحرب، قصة العميلة، وفيلم الحدود، حيث جسدت العلاقة العاطفية التي تجمع الهويتين، على أنها عملية استخباراتية، ولابد أن تنتهي القصة على اكتشاف أن أحدهم جاسوسا وعميلا لصالح دول الصراع وأن هذا الحب مزيفا وكان مجرد ستار للحصول على معلومات أو بأحرى تجسس لصالح دول بعينها، وكأن الفكرة متأصلة ولها جذور عميقة، متى سوف تكون اللحظة التي سيعلن فيها الآخر الفصل الأخير لخيانته، ويكشف إلى أي جهاز استخبارات ينتمي  ليسدل ستار النهاية.

 

وقد روى في هذا الصدد الكاتب المصري محمد التابعي في إحدى كتاباته عن علاقة الملك فاروق والفنانة كاميليا والشائعات التي كانت تدور حولها كونها كانت على علاقة بأحد رجال الاستخبارات الإسرائيلية، وتعقدت الأمور أكثر من ذلك بسبب مقتلها في حادث انفجار طائرة مصرية كانت هي على متنها . 

 

ويحرص اليهود على تدريس وتعليم بناتهن قصة إستر "الأيقونة"، البطلة، المهلمة، حيث لعبت التوراة دورا هاما في استغلال علاقة الحب بين اليهودية وغيرها من الاجناس والأديان ، تحديدا شخصية استير والتي خصص لها العهد القديم سفرا كاملا باسمها، الملكة التي استغلت حب ملك فارس أحشويروش  ، وقامت بإنقاذ شعبها من الإبادة، ذلك النموذج الأسطوري الذي تحلم به أي فتاة إسرائيلية ،  وتتمنى أن تجسده في حياتها.

 

وإذا تسارعت النبضات أمام اعتراف برئ يخترق القلب ويزلزل الكيان ، سيكون الخوف وانعدام الثقة كحرب وصراع داخلي  لن يتوقفا ابدا بالرغم من اتفاقيات السلام،  يشبه ذلك الصراع الذي جعل اليهود يعبدون العجل الذهبي، فحطم موسى ألواح الشريعة غضبا، فإن شتات القلب وجرحه أسوء كثيراً من سنوات التيه و شتات بني إسرائيل أربعون عاما في صحراء سيناء، لمخالفتهم أوامر الرب.

 

إن الشتات النفسي داخل الشخصية اليهودية يرجع لأبعد نقطة في تاريخ بني إسرائيل قبل خروجهم من مصر مع موسى عليه السلام ، فإن "عقدة العبودية" التي ترسخت لديهم في هذه الفترة ، لا يمكن محوها من الوجدان ، وهذه الفكرة تسيطر على بعض من الإسرائيليين وتمنعهم من الانخراط في المجتمعات الأخرى خاصة العرب ، باستثناء بعض المثقفين والأثرياء وفئة الشباب المنفتح على الغرب و هم الفئات الأكثر بعدا عن الفكر الصهيوني الذين تزوجوا زواجا مدنيا ومختلط، فكلما كانت هذه الفئات بعيدة عن هذا الفكر كلما تقلصت لديهم فكرة العبودية وبالتالي كانوا أكثر الفئات انفتاحا لفكرة الاختلاط أو الاندماج مع الاخرين مثل يوسف حطيب وليندا سبوزنيك، و عدنان أبو وليد وأيالا حربش.

 

وقالت الدكتورة شيرين درديري استشاري الصحة النفسية  وأستاذ علم السلوكيات إن المخاوف والأفكار تؤثر على العلاقات، لأن السلوكيات في العقل الباطن عبارة عن أفكار تخلق مشاعر سواء حب أو كره، فمن الممكن أن نشعر بالحب تجاه شخص لا نعرف هويته ولا ميوله، ولكن عندما نعلم أن خلفيته السياسية مناهضة أو مختلفة، فقد يتسبب ذلك في تغيير السلوك تجاه هذا الشخص .

 

وتابعت أستاذة علم السلوكيات أن اختلاف الثقافات والأفكار بين الطرفين، قد يخلق مع مرور الوقت ما يسمى ببرمجة لغوية عصبية للعقل الباطن أن هذا الشخص غير مناسب وقد يسبب تعاسة للطرف الاخر .

 

كما أوضحت أن هذه المخاوف نجدها دائما في العلاقات بين طرفين من ثقافات أو ديانات مختلفة أو من دول معادية ، وأضافت أن المشاعر الإنسانية مثل الانجذاب العاطفي هو شيئ خارج عن إرادة الإنسان .

 

لكن استمرار ونجاح هذه العلاقات يتوقف على التكافؤ في الثقافات، لأن الاختلاف قد يخلق جمود فكري وصراعات نفسية، وهو ما يؤدي إلى صعوبة في استمرار العلاقات، وقد يتطور الأمر إلى صدمة عاطفية بسبب الانفصال.

 

ويبقى السؤال هل سيظل الصراع العربي الإسرائيلي باحثا دوما عن هوية الجاسوس في نهاية قصص الحب؟