الانتخابات الأمريكية القادمة في مواجهة حملات التضليل المعلوماتي
تستعد الولايات المتحدة لخوض الانتخابات المقبلة وسط تفاقم المخاوف من تأثير التضليل الرقمي والذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية، إلى جانب التراجع في قدرة المؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني على مواجهة هذه التحديات. ومع اقتراب موعد الانتخابات، يتزايد القلق من قدرة بعض الجهات الفاعلة على التأثير في مسار الديمقراطية الأمريكية.
ويقول أليكس كراسودومسكي، الباحث في مجال أبحاث الإعلام الرقمي، في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) إن الانتخابات الأمريكية ستجري في أكثر بيئة معلومات ملوثة ومُتدهورة في الذاكرة الحية. وكانت المخاوف المبالغ فيها من نهاية العالم التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في بداية العام غير مبررة.
لكن تدفق الرسائل غير المرغوب فيها المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي والتزوير العميق والميمات قد زاد من تأجيج الاتجاهات طويلة الأمد في الإعلانات السياسية الرقمية المخصصة وتفكك وسائل الإعلام المحلية وهشاشة البنية التحتية الديمقراطية الرقمية تجاه الاستخدام السيئ والإساءة.
ويقول كراسودومسكي إن الانتخابات الأمريكية ستجري تحت حجاب كثيف، حيث يجد الأشخاص والمنظمات الذين كانوا في السابق يسلطون الضوء على تهديد المعلومات المضللة، أنفسهم في حالة من الإقصاء ويواجهون الأساليب القانونية والمضايقات ويتم تقليص وصولهم إلى البيانات وتخفيض تمويلهم.
وهذا تغيير نسبي حديث. وعلى الرغم من بعض التوترات، كانت الحكومات ومنصات التكنولوجيا والمجتمع المدني في السابق على تواصل بينما كانوا يتجادلون حول شكل وقواعد وقيم الحياة عبر الإنترنت. ويقول كراسودومسكي إن هذه المعركة قد تكون في بعض الأحيان كـ "معركة داوود وجالوت"، لكنها لم تكن دائما عدائية.
وعمل الصحفيون والأكاديميون ومنظمات المجتمع المدني على سد فجوة المساءلة التي تركتها اللوائح البطيئة وإدارة السياسات القائمة على تردد الحكومات الغربية في التدخل في الإعلام أو الحريات الشخصية.
وعمل "مجتمع المساءلة" هذا على لفت الانتباه إلى الأماكن التي كانت فيها العمليات السياسية والديمقراطية، والمؤسسات، والقواعد تتآكل بسبب الانتقال إلى الإنترنت، في بعض الأحيان حتى قبل أن يكون لدى الشركات المشرفة على التكنولوجيا وعي بذلك. وشمل ذلك الكشف عن محاولات استخدام منصات التكنولوجيا لزعزعة العمليات الديمقراطية في الولايات المتحدة، مثل فضيحة كامبريدج أناليتيكا في عام 2018.
ولسنوات، كانت مثل هذه القصص والمنظمات التي تقف وراءها موضع ترحيب (على مضض في بعض الأحيان) من قبل كل من الصناعة وصانعي السياسات. ولكن مع بقاء ستين يوما على الانتخابات الأمريكية، فإن هذه الصداقة تبدو منتهية، ووجد مجتمع المساءلة نفسه يخوض حرب عصابات، فهو يعاني دوما من نقص التمويل ويفتقر دائما إلى الموارد ولكنه الآن أيضا في صراع مع منصات التكنولوجيا وعناصر المشهد السياسي الأمريكي المستقطب.
ويرى كراسودومسكي أن هذا أمر مقلق في سياق مزاعم جديدة عن حملة تضليل مدعومة من روسيا تهدف إلى التأثير على انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، واختراق إيراني مشتبه به لحملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وبينما يقوم الحزبان الأمريكيان بتجربة استخدام الذكاء الاصطناعي في اتصالاتهما عبر الإنترنت.
ويتضاءل الوصول إلى البيانات، وهو عنصر حاسم في فهم ما يحدث في الفضاء عبر الإنترنت.
وكانت هذه البيانات هي التي كشفت عن عملاء متحالفين مع روسيا يزعم أنهم يستخدمون المنصات الرقمية للتحريض على الصراع الاجتماعي في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2016.
وفي الوقت نفسه ، بعد استحواذ إيلون ماسك على تويتر (إكس حاليا) في عام 2022 ، أصبح الوصول إلى البيانات على نطاق واسع مكلفا للغاية، بعد أن كان مجانيا للباحثين، لدرجة أن الباحثين أبلغوا عن زيادة ما يطلب منهم دفعه . وقامت منصة "ريتدت" بخطوة مماثلة العام الماضي. وأصبحت هذه المساحات، وأجزاء مهمة من البنية التحتية السياسية الغربية، مظلمة.
وخلال فترة مماثلة، دخلت "الأخبار المزيفة" إلى المعجم الأمريكي، وأصبحت أبحاث المعلومات المضللة مشحونة سياسيا. واتهم الباحثون، حتى أولئك الذين يركزون على تدخل الدول الأجنبية، على نحو متزايد بالشروع في إسكات المعارضة السياسية الداخلية.
وفي مارس من العام الماضي ، أصدرت اللجنة الفرعية للنائب الأمريكي جيم جوردان حول تسليح الحكومة الاتحادية رسائل إلى الجامعات الأمريكية تطلب معلومات عن أي شخص يدعم "نظام الرقابة" من خلال "تقديم المشورة بشأن ما يسمى بـ "المعلومات المضللة".
وتم تضخيم تعميم نظريات المؤامرة التي تستهدف ممولي عمل مساءلة المنصات في الكونجرس ، ولا سيما مؤسسة المجتمع المفتوح.
ثم جاءت الدعاوى القضائية. ورفعت منصة إكس دعوى قضائية ضد "المركز البريطاني لمكافحة الكراهية الرقمية" بعد أن نشر المركز بحثا يدعي زيادة خطاب الكراهية على المنصة. وتم رفض القضية، ولكن دعوى مماثلة في الولايات المتحدة، تستهدف جماعة مراقبة غير ربحية تسمى "ميديا ماترز" من المقرر نظرها العام المقبل.
وهناك قضايا أخرى في الولايات المتحدة قد أصابت هدفها بالفعل، حيث تم إغلاق "التحالف العالمي للإعلام المسؤول"، وهي مجموعة إعلانية غير ربحية، من قبل المنظمة الأم بعد أن رفعت إكس دعوى قضائية تتهمه بالتآمر لحجب إيرادات الإعلانات.
والتأثيرات المروعة لهذا الرد واضحة، والباحثون في مجال المعلومات المضللة اليوم أكثر حذرا في التعبير عن آرائهم. وفقا لصحيفة "واشنطن بوست"، فإن "الأكاديميين والجامعات والوكالات الحكومية" يعيدون هيكلة أو إنهاء برامج بحثية مصممة لمكافحة انتشار المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت في ظل حملة قانونية يقودها سياسيون ونشطاء محافظون يتهمونهم بالتآمر مع شركات التكنولوجيا لفرض رقابة على الآراء اليمينية."
وفي أفضل حالاته، نجح العمل في مكافحة المعلومات المضللة في جمع القطاع والحكومة والمجتمع المدني لهدف مشترك، مع الاعتراف بأن الرقمنة السريعة للديمقراطيات قد أدخلت نقاط ضعف خطيرة، وأن معالجتها كان في مصلحة الجميع. ويقول كراسودومسكي إنه مع اقترابنا من ذروة هذا العام الانتخابي، يظل العالم بعيدا عن تلك النقطة العالية.
ويرى أن عكس هذا الارتداد المفاجئ أمر مهم، على الرغم من أنه سيأتي متأخرا بالنسبة للانتخابات الأمريكية في نوفمبر.
ويغتبر عمل مجتمع المساءلة ضروريا لمراقبة كيفية تشكيل العالم الرقمي للديمقراطيات. ومن الضروري أن يستمر الدعم الخيري للصحافة الاستقصائية المتعلقة بالمعلومات المضللة.
ناك حاجة إلى حماية أفضل للمبلغين عن المخالفات، واقتراحات حكومية لتقييد "الحروب القانونية" للحفاظ على نزاهة الانتخابات وحماية الثقة العامة في النتائج. كما أن الاستثمار في بنية تحتية سياسية بديلة هو أيضا مشروع يستحق المتابعة.