روسيا تشهد تراجعا كبيرا في تشييد المراكز التجارية
أكد التقرير الاخير الصادر عن مؤسسة IBC Real Estate للاستشارات والذي أعدته بالتعاون مع شركة Parus Asset Management للاستثمارات أن مشروعات تشييد المراكز التجارية في روسيا سوف تتراجع بشكل كبير في السنوات القادمة وربما يصل حجم التراجع في عام 2025 وحده إلى نسبة الثلث.
وقد ربط الخبراء في هاتين المؤسستين هذا الوضع بتراجع الاهتمام بشراء مساحات جديدة في المراكز التجارية، إلى جانب التغييرات التى طرأت على تفضيلات المواطن الروسي ونمطه الاستهلاكي وعلى الأخص في مجال الإقبال على الشراء من المراكز التجارية بمثل مستواه في فترة ما قبل عام 2022.
كما يؤكد الخبراء ان شراء مساحات في المراكز التجارية سواء في المدن الكبرى في روسيا أو حتى في الأقاليم لم يعد مجديا وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع معدلات الشراء لدى المستهلك الروسي ناهيك عن الارتفاع الكبير في تكاليف البناء والتجهيزات.
ويلفت الخبراء الانتباه إلى أنه على الرغم من أن المساحات الجديدة التى جرى بناؤها في روسيا في عام 2024 قد وصلت إلى 501 ألف متر مربع ، وهو ما يزيد عنه في عام 2023 بنسبة 75% ، لا يعني ذلك مطلقا أن هذا النوع من الأصول يجتذب اهتمام المستثمرين، لذلك فمن المتوقع تراجع عمليات البناء الجديد في العام القادم بنسبة 30% لتصل إلى 350 ألف متر مربع وسوف يستمر هذا الاتجاه في التراجع حتى عام 2027.
ويشير الخبراء إلى أن ارتفاع تكاليف البناء إلى جانب ارتفاع أسعار الإيجار يدفع التجار والمستثمرين للتفكير مليا قبل الإقدام سواء على شراء أو استئجار مساحات في المراكز التجارية ، وان نسبة كبيرة منهم تقبل أكثر على شراء المخازن للتسويق والبيع عبر المنصات المختلفة على الإنترنيت.
ويلفت التقرير إلى واقع صعب للغاية وهو أن مساحة المحال والمتاجر في المراكز التجارية المختلفة في روسيا في الفترة من 2015 – 2019 كانت تقدر بنحو 1.2 مليون متر مربع ، بينما في الفترة من 2002 وحتى 2014 كانت تمثل 4ر1 مليون متر مربع ، وفي الفترة من 2022 وحتى 2027 قد لا تزيد المساحات الجديدة عن 400 ألف متر مربع ، وهو ما يعني 70 % أقل عنه في 2015 – 2019 ونحو 75 % أقل عنه في الفترة من 2002 وحتى 2014.
وهنا تشير يكاتيرينا نوجاي رئيسة إدارة الدراسات والتحليل في شركة أي بي سي ريال ستيت إلى ان بناء الجديد من المراكز التجارية في روسيا لن يكون إلا بقدر الحاجة الفعلية ووفقا فقط لخطط بناء مناطق سكنية جديدة أو إجراء توسعات في الأحياء القائمة بالفعل.
ويذكر المحللون بان روسيا كانت قد بدأت تنفيذ سياسة جديدة في مجال تشييد المراكز التجارية الكبرى في عام 2002 لتحل محل الأسواق العشوائية والتقليدية حيث شملت المرحلة الاولى من هذه العملية تشييد 14 مركزا تجاريا ضخما " ميجا مول " ، وفي غضون عشرين عاما من هذا التاريخ وصلت مساحة المراكز التجارية في روسيا 26 مليون متر مربع.
ولكن ينبغي أن نشير هنا إلى ان السياسات الروسية في مجال تشييد المراكز التجارية كانت ترتبط بالعديد من الاعتبارات الاقتصادية والاستثمارية التى من الممكن تقسيمها إلى ثلاثة مراحل أساسية وهي:
أولاً : الفترة من عام 2002 – 2014 وهي الفترة التى اتسمت بالانتعاش الاقتصادي في روسيا وارتفاع مستوى المعيشة والدخول ، وهو ما أدى إلى انتعاش شهية المواطن للشراء وانتعاش شهية المستثمرين في مجال افتتاح المتاجر ، ناهيك عن ظهور عادات جديدة لدى المواطن الروسي في مجال التردد على المراكز التجارية والترفيهية وقضاء اوقات طويلة بها والإنفاق بشكل منفتح على ما هو ضروري وغير ضروري.
ثانيا : وهي الفترة من 2015 – 2019 وهي الفترة التى بدأت تشهد عدم إقبال على شراء المزيد من الأصول التجارية ، ولكن تزامن ذلك مع تنظيم روسيا لعدد من المناسبات الدولية سواء في مجال الرياضة أو الثقافة والفنون او حتى السياسة ، وهو ما خلق نوعا من الانتعاش المؤقت في الكثير من المدن الروسية ، ولكن يلاحظ في هذه الفترة ان عدد البراندات في روسيا تقلص من 41 في الفترة من 2002 – 2014 ليصل إلى 39 في الفترة من 2015 – 2019 .
ثالثا : الفترة الممتدة لعامين فقط وهي من 2020 – 2021 وهي الفترة التى واجهت فيها اقتصاديات كافة دول العالم مشاكل متلاحقة بسبب جائحة كورونا التي أثرت على نمط حياة البشرية بأكملها ، ولم يعد هناك إقبال كبير على المراكز التجارية لتحتل التجارة الالكترونية مساحة كبيرة في النشاط التجاري في العالم أجمع .
المراكز التجارية
والفترة من 2022 وحتى 2024 ربما تعتبر فترة مكملة للفترة الثالثة المشار إليها حيث بدأ الانتعاش يعود مرة أخرى في مرحلة ما بعد كورونا ، ولكن كانت كورونا قد أثرت بالفعل على نمط الحياة وتفضيلا نسبة كبيرة من البشرية بما في ذلك الروس ، الذين أصبحوا يعتمدون في جانب كبير من مشترواتهم على التجارة الالكترونية ، وأصبحت المراكز التجارية تمثل بالنسبة لهم ربما أماكن للقاء وربما التنزه خاصة في فصل الشتاء ،
ولكن لم يعد المواطن يقبل على الشراء الكمي كما كان في السابق ، خاصة بعد مراحل التعويم التى مرت بها العملة الروسية والتى تضاعفت فيها الأسعار بشكل كبير ، ولم يطرأ على دخل المواطن تغييرات كبيرة تتناسب مع معدلات زيادة الأسعار إلى جانب عامل الخشية من المستقبل على ضوء الأحداث التى تشهدها روسيا في العقد الاخير.