توالي الاستقالات في إسرائيل وعملية عسكرية واسعة في الضفة... وهدنة غزة على المحك
بينما كان قطاع غزة يستقطب أنظار الكثير من المراقبين والمحللين لرصد مؤشرات قدرة اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس على الصمود، تفجرت بؤرة جديدة للتوتر لم يكن مركزها ببعيد عن الأراضي الفلسطينية، وذلك بالتزامن مع الإعلان عن استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي وقائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي يارون فنكلمان.
فقد قررت إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية وكانت مدينة جنين ومخيمها شمالا نقطة الانطلاق في ثالث أيام هدنة غزة، في تطور يرى محللون أنه لا يمكن النظر إليه بمعزل عن أمرين، أولهما حالة الغضب التي تنتاب معسكر اليمين المتطرف في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب موافقة الأخير على صفقة تبادل الأسرى والرهائن مع حركة حماس، وثانيهما قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلغاء عقوبات كانت مفروضة على مستوطنين متورطين في أعمال عنف في الضفة الغربية فور تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة.
ورأى البعض في التصعيد في الضفة الغربية محاولة لاسترضاء المتشددين في الائتلاف الحاكم والحفاظ على عقده من الانفراط في ظل تلويح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالاستقالة واللحاق بوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وذكرت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية أن هاليفي تعرض لضغوط من الوزراء اليمينيين المتطرفين في إسرائيل، الذين اعتبروه غير قادر أو غير راغب في تنفيذ رؤيتهم المتطرفة للحرب في غزة والضفة الغربية.
ولفتت صحيفة الجارديان إلى تصريح سموتريتش لإذاعة الجيش الإثنين الماضي بأن إسرائيل لن تكون قادرة على تحقيق النصر في غزة في ظل وجود هاليفي على رأس قيادة أركان الجيش، مشيرة إلى أنه أبرز شخصية إسرائيلية تستقيل على خلفية هجوم 7 أكتوبر2023 .
وقالت الصحيفة إن محللين سياسيين إسرائيليين رجحوا منذ فترة طويلة اعتزام نتنياهو إلقاء اللوم على هاليفي في إخفاقات 7 أكتوبر.
وأقر هاليفي بمسؤوليته عن "الفشل الذريع" في التصدي للهجوم الواسع الذي تعرضت له إسرائيل في هذا اليوم، مع التأكيد على أن الجيش حقق خلال فترة توليه رئاسة الأركان الممتدة لأكثر من عامين "العديد من الإنجازات".
وتأكيدا على عدم شعبية هاليفي لدى اليمين المتطرف في إسرائيل، رحب بن غفير زعيم حزب "القوة اليهودية" باستقالة هاليفي، وأصر على أن رئيس الأركان القادم يجب أن "يهزم حماس".
وكان ينظر إلى هاليفي على أنه متوافق بشكل عام مع وزير الدفاع السابق يوآف جالانت، الذي أقاله نتنياهو في نوفمبر الماضي، لكنه بدا على خلاف مع بديل جالانت، يسرائيل كاتس، بشأن اتجاه الحرب، بحسب الجارديان.
وأضافت الصحيفة البريطانية أنه بينما يرى هاليفي أن إسرائيل حققت معظم أهدافها من الحرب، تتناغم توجهات كاتس مع رغبة نتنياهو في مواصلة القتال حتى تحقيق "النصر الكامل" على حماس.
ومن جهتها، ربطت مجلة التايم الأمريكية بين توقيت عملية الضفة الغربية وهدنة غزة، مشيرة إلى أن اتفاق الهدنة لا يسري على الضفة التي "شهدت تصاعدا في العنف منذ بداية الحرب، حيث تشن القوات الإسرائيلية غارات شبه يومية تشعل في كثير من الأحيان معارك بالأسلحة النارية".
وعرجت المجلة الأسبوعية على "تزايد الهجمات التي يشنها متطرفون يهود على الفلسطينيين، بما في ذلك هجوم على قريتين فلسطينيتين ليلة الاثنين" الماضي.
وذكرت أن نتنياهو واجه انتقادات من حلفائه اليمينيين المتطرفين بسبب وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين، بمن فيهم مسلحون أدينوا بالتورط في هجمات مميتة على الإسرائيليين، ومشهد عودة مسلحي حماس إلى شوارع غزة على الرغم من 15 شهرا من الحرب، هو المشهد الذي دحض رواية رئيس الحكومة عن إضعاف الحركة بصورة كبيرة وبدد الحديث عن اختفاء حماس من المشهد في اليوم التالي للحرب.
وبعيدا عن حسابات الداخل الإسرائيلي ودعوات المعارضة الإسرائيلية لاستقالة رئيس الوزراء وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الإخفاقات التي أدت إلى هجوم 7 أكتوبر الذي راح ضحيته حوالي 1200 شخص وأسر عشرات آخرون، تساءل كثيرون عن مغزى تنفيذ إسرائيل هذه العملية بدعوى القضاء على "المصدر الذي يخرج منه الإرهاب" بعد ساعات من عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتصريحه للصحفيين بأنه غير واثق من استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وربما تتناقض العملية العسكرية التي أطلقتها إسرائيل في الضفة الغربية مع رغبة ترامب التي كشف عنها قبيل تنصيبه في إنهاء الصراعات بل ودوره في التوصل إلى هدنة أوقفت حربا استمرت لأكثر من عام وثلاثة أشهر في غزة.
ووسط رغبة لا يخفيها غلاة اليمين في إسرائيل لضم الضفة الغربية، وتهديدات إسرائيلية بأن عملية الضفة ستتوسع ولن تقتصر على مدينة جنين ومخيمها، يرى مراقبون أن حل الدولتين يتباعد أكثر فأكثر وأن الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد في ظل الهدنة الهشة في غزة.