إشكالية "المرأة الداعشية" بين نيوزيلندا وإستراليا تكشف الوجه "المخيف" للإرهاب.. تحديات دول الشرق الأوسط وأوروبا فى الحفاظ على الأمن القومى من مخاطر الدواعش والارهابيين.. التنمية الاقتصادية بجانب الأمن
الإثنين 08/مارس/2021 - 12:29 ص
كشفت الأزمة السياسية الأمنية التى فجرتها جاسيندا أرديرن، رئيسة الوزراء النيوزيلاندية، بإتهامها لأستراليا بالتنصّل من مسؤولياتها بسبب امرأة تحمل جنسيتى البلدين اعتقلت بتركيا، بتهمة الانتماء لتنظيم "داعش" الإرهابى، العديد من الملفات الشائكة التى يعانى منها العالم مع الارهاب، خاصة فى عالمنا العربى، بل وأصبحت بعض الدول تتفهم الاجراءات المتخذة أمنياً وتشريعيًا واجتماعيًا وسياسية، للدفاع عن أمنها القومى وحماية مجتمعاتها، خاصة مع الموقف الغريب الذى قامت به حكومة أستراليا من إلغاء جواز سفر المرأة الداعشية المعتقلة، واسقاط جنسيتها لتقع بذلك مسؤوليتها على عاتق نيوزيلندا وحدها وتلقى الحكومة الاسترالية المسئولية بشكل وصف بالغير دبلوماسى مع دولة جارة .
وخلال هذه الازمة حاولت رئيسة الوزراء النيوزيلندية التنصل من المرأة الداعشية التى لم تعِش فى نيوزيلندا منذ أن كانت فى السادسة من عمرها بل كانت تقيم فى أستراليا منذ ذلك الوقت، وعائلتها فى أستراليا، وقد غادرت إلى سوريا من أستراليا بجواز سفرها الأسترالى، فيما اعتبرت أستراليا أن قرارها بإسقاط جنسيتها يخدم "مصالح الأمن القومى الأسترالى" .
وهذه الاشكالية التى تواجه دول العالم خاصة بالشرق الأوسط تعد أزمة حقيقية تتعلق بما اصطلح على تسميته فى وسائل الإعلام بـ"العائدين"، وهم ليسوا فئة واحدة، فهناك عائدون "متطرفون" ينتمون لتنظيمات "داعش والقاعدة" من بؤر الصراع فى سوريا والعراق، وأخرون يتخذون اساليب متطرفة بعيدا عن الانتماء لتنظيمات ارهابية ويطلق عليهم "الذئاب المنفردة" .
وقد اختلفت سياسات الدول فى التعامل مع ملف العائدين، مثل تشكيل لجان استجواب وتحقيق للعائدين من بؤر الصراع، وتوسيع نطاق التعاون الأمنى والتنسيق الاستخباراتى مع دول الجوار خاصة الدول المستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم "داعش"، ليست فى الشرق الأوسط فقط بل بالقارة الاوروبية وتفعيل غرفة عمليات تابعة لوزارة الهجرة وشئون المغتربين، لتلقى طلبات العالقين الراغبين فى العودة إلى بلادهم، والاستعداد المسبق للتعامل مع العائدون خاصة من يتحججون بالهروب من أوضاع ما بعد كوفيد 19 لتغطية أهدافهم الحقيقية وراء ستار مقبول .
وتعد الفئات المتطرفة الارهابية الأكثر خطورة من العائدين، وهم القادمون من بؤر الصراع، وبصفة خاصة فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، وتخشى أجهزة الأمن والاستخبارات من تسلل هؤلاء إلى دول الجوار الجغرافى أو الوصول إلى دولهم على نحو يمثل مصدر تهديد للأمن والاستقرار الوطنى أولاً والإقليمى ثانياً، حيث تحاول الأجهزة الأمنية المعنية التنسيق مع الجهات المناظرة لها للوصول إليهم لاسيما أنهم يمثلون "كنزاً معلوماتياً"، وقد تثير عودة هؤلاء جدلاً واسعاً داخل الدولة، مثلما هو الحال بالنسبة للتونسيين والجزائريين المتواجدين بدول أوروبا، الذين يشتبه فى كونهم متطرفين، إذ يرفض اتجاه سائد داخل حكوماتهم ومجتمعاتهم عودتهم لخطرهم الداهم.
فى حين يرى اتجاه آخر ضرورة عودة القادمين من مناطق القتال وبؤر النزاع، وثبت تورطهم في عمليات إرهابية، ومن ثم يتم التعامل معهم وفقاً لثلاثة مراحل هى تقديم الملفات إلى الجهات القضائية ليتم البت فيها، ثم إعداد برامج داخلية لهم فى السجن بهدف حماية المحيطين بهم من خطر الاستقطاب، خاصة من خلال عدم وضعهم مع سجناء الحق العام، وتوفير الإحاطة والرعاية اللاحقة بهم بعد خروجهم من السجن حتى لا يمثلوا خطراً على المجتمع، أما فى حالة من لا تثبت ضده جريمة ارتكاب أعمال إرهابية، يتم إخضاعه للرقابة الإدارية أو الإقامة الجبرية، كما هو الحال فى بعض دول الخليج والمغرب العربى .
وهناك اللاجئون الذين يعدون أبرز أنماط العائدين الذين يتضررون من النزاعات القائمة والجديدة، فضلاً عن التأثيرات الحادة لكوفيد 19 على أوضاعهم المعيشية، ويعتبر اللاجئون السوريون أكثر الحالات تعرضاً للمآسى بعد أحداث 2011، وهم أيضا أكثر الفئات التى يمكن أن تجتزبها الجماعات الارهابية فى العالم وتجنيدهم للقيام بإعمال إرهابية أو الإنتماء لجماعات داعش والقاعدة، وهو الأمر الذى تعانى منه دول أوروبا حاليًا ويمثل ورقة ضغط تركية لابتزاز الدول الأوروبية، فى وقت كشفت الأمم المتحدة فى تقرير لها أن عدد اللاجئين والنازحين فى العالم تجاوز عتبة الـ 80 مليوناً فى منتصف العام الماضى، محذرة من أن الوضع قد يتفاقم فى حال لم يوقف قادة العالم الحروب والنزاعات والهجمات الارهابية .
وتعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر مناطق العالم المكتظة باللاجئين فى ظل تمدد الصراعات والإرهاب فى سوريا والصومال واليمن وليبيا، بخلاف مناطق أخرى في جنوب الصحراء والساحل الوسطى فى أفريقيا، حيث يتعرض اللاجئون لانتهاكات عديدة مثل الاغتصاب والتصفية الجسدية والتجنيد فى صفوف المليشيات المسلحة والعصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية.
وعلى ذلك اتخذت العديد من الدول فى منطقتنا العربية وبأوروبا العديد من الإجراءات سواء المتعلقة بالتشريعات أو إجراءات أمنية خاصة التى عانت من الصراعات الدموية والعمليات الإرهابية التى راح ضحيتها العديد من المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وربما أسر بكاملها، وعلى سبيل المثال قيام المملكة المغربية بإستحداث لجنة أمنية نيابية تحت إشراف مجلس النواب المغربى بهدف الحصول على معلومات كافية حول أوضاع مئات المغاربة العالقين فى مخيمات بشمال سوريا بوجه خاص، فضلاً عن معرفة كيفية التحاقهم بتنظيم "داعش" فى سوريا، ووسائل عودتهم إلى المغرب وكيفية حماية المجتمع من مخاطر انخراطهم فى تنظيمات متطرفة إرهابية، حيث ستقوم بإعداد تقرير يعرض مضمونه على الرأى العام، ويتضمن توصيات للحكومة حول كيفية التعامل مع هذا الملف الشائك .
كما تتضمن الإجراءات الوقائية من مخاطر الإرهاب توسيع نطاق التعاون الأمنى والتنسيق الاستخباراتى مع دول الجوار خاصة دول الاتحاد الأوروبى، التى صارت مستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية، وفى مقدمتها تنظيم "داعش"، لتحديد الممرات التى يسلكها الإرهابيون، وهوية الأشخاص الذين يرافقونهم فى التنظيم، والأهداف التى يتم اختيارها لتوجيه ضربات إرهابية لها، وبذلك يسهل تعقبهم ورصدهم حين عودتهم أو محاولة التسلسل إلى دولهم، كما هو الحال فى سوريا وتونس والمغرب والجزائر وليبيا .
ويمكن اعتبار التجربة المصرية هى الأنجح على مستوى العالم فى التعامل مع الإزمات الداخلية للحد بل منع ظاهرة الهجرة لشبابها، تجنبا للوقوع فى براثن الجماعات المتطرفة وذلك من خلال الجهود التي قامت بها الدولة المصرية بشأن التنمية والمشروعات المتوسطة والصغيرة، وتقديم كافة الخدمات المالية والفنية والتدريبية للشباب لمساعدتهم لإقامة مشروعات صغيرة تناسب خبراتهم في مختلف المجالات، فى إطار المبادرات الرئاسية المختلفة والمشروعات التى وفرت الملايين من فرص العمل فى كافة القطاعات، وهو أمر يعد أقوى تأثيرا من الإجراءات الأمنية لمواجهة الدعاية الخارجية المغرضة من تنظيمات الأرهاب العالمية وجماعاته، حيث يقوم هؤلاء الشباب بإدراك أهمية الوطن والإنتماء له بل والدفاع عن هذا الوطن الذى يتمثل فى البيت والأسرة ومكان العمل والأهل والجيران، وبمعنى شامل الحياة .
لذلك ملفات العائدين والمتطرفين بالخارج لم تصبح قاصرة على القادمين من بؤر الإرهاب مثل العائدين من أفغانستان أو ألبانيا أو البوسنة أو الشيشان أو سورية أو العراق، بحكم محورية دورهم في العنف العابر للحدود، بل صار يشكل عبئاً وملف ضاغط على الدول فى الشرق الأوسط وأوروبا، وأصبحت الإجراءات التى تتخذها الدول للدفاع عن أمنها الوطنى ليست فقط مطلبًا سياسيًا على مستوى الدولة وحكومتها بل أصبحت مطلبا شعبيًا تدعمه فئات المجتمع المختلفة بالإلتزام بما تتخده حكوماتها من إجراءات للحفاظ على الأمن القومى بمفهومه الشامل .