السباق الإنتخابي الرئاسي نحو البيت الأبيض ومخاطر تصاعد الإرهاب المحلي داخل الولايات المتحدة .. تأثير الاستقطاب السياسي والتدهور الاقتصادي والاضطرابات العنصرية والعرقية على المجتمع الأمريكي
يمتلئ التاريخ الأمريكي بالعديد من حوادث الإرهاب المحلي، التي قام بها المتطرفون العنيفون بدوافع عنصرية وعرقية، وهناك أمثلة واضحة على ذلك منها عنف الأمريكيين السود في الستينيات من القرن الماضي، والعنف اليساري الثوري خلال الفترة نفسها، وغيرها من الأحداث التي أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.
وتقول وفاء
الريحان، باحثة في العلوم السياسية فى تقرير نشره مركز المستقبل للابحاث والدراسات
المتقدمة ومثره دولة الامارات، انه يتوقع الكثيرون استمرار عنف التنظيمات المتطرفة
خلال فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، في ضوء ارتفاع
مؤشرات الاستقطاب السياسي، والتدهور الاقتصادي، والاضطرابات بين الجماعات
المختلفة، وهو ما تناوله مجموعة من الباحثين في تقرير صدر في أكتوبر الماضي عن
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بعنوان "عودة الحرب إلى الوطن: تطور
الإرهاب المحلي في الولايات المتحدة".
مفهوم الإرهاب
المحلي
يُركز التقرير على مفهوم الإرهاب، ويُميِّزه عن جرائم الكراهية
والاحتجاجات وأعمال الشغب أو الاضطرابات المدنية الأوسع نطاقًا، حيث يُعرفه بأنه
"الاستخدام المتعمد أو التهديد بالعنف من قبل جهات فاعلة غير حكومية من أجل
تحقيق أهداف سياسية، وخلق تأثير نفسي واسع النطاق".
ويُقسِّم هذا
التحليل الإرهاب إلى عدة فئات: ديني، وعرقي، ويميني متطرف، ويساري متطرف، وغيرها.
ولا تشير مصطلحات مثل الإرهاب اليميني أو اليسار المتطرف إلى الأحزاب السياسية
السائدة في الولايات المتحدة، مثل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، كما لا تنطبق مع
الغالبية العظمى من المحافظين والليبراليين السياسيين.
ومن الجدير
بالذكر أن مشهد الإرهاب في الولايات المتحدة يتسم باللا مركزية بدرجة كبيرة،
ويستلهم الكثير عند حديثهم عنه مفهوم "المقاومة بدون قيادة" الذي تحدثت
عنه "كاثلين بيليو" في دراستها لحركة البيض في الولايات المتحدة، ويعني
رفض التنظيم الهرمي المركزي لصالح الشبكات اللا مركزية أو النشاط الفردي، بهدف منع
اختراق الجماعات، ومقاضاة المنظمات والأفراد، من خلال فصل النشطاء رسميًّا عن بعضهم
بعضًا، ومن خلال القضاء على المسؤولين الرسميين.
تحليل الهجمات
الإرهابية
ينطلق التقرير
في تقييم الإرهاب المحلي في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة بين 1 يناير
إلى 31 أغسطس 2020، عبر تجميع بيانات 61 حادثة تمت خلال هذه الفترة، وصنف المؤلفون
أيديولوجيا الجناة في واحدة من أربع فئات: دينية، ويمين متطرف، ويسار متطرف،
وأخرى. وتم تحليل البيانات بناءً على ثلاثة محاور هي: عدد الهجمات والمؤامرات،
والأهداف والتكتيكات، وعدد القتلى، وسيتم استعراض أبرز ملامح تلك المحاور في
التالي:
أولًا- عدد
الهجمات والمؤامرات: تم ارتكاب معظم الهجمات الإرهابية المحلية والمؤامرات خلال
فترة الدراسة، من قبل العنصريين البيض والمتطرفين المناهضين للحكومة من اليمين
المتطرف. كما هو موضح وقد ارتكب إرهابيو اليمين المتطرف 67% من الهجمات
والمؤامرات، بينما الإرهابيون من اليسار المتطرف مسؤولون عن 20% من الهجمات،
وارتكب المتطرفون بدوافع أخرى (مثل مؤيدي حركة بوجالو) والجهاديين السلفيين 7% من
إجمالي الهجمات.
ثانيًا- الأهداف
والتكتيكات: وفقًا للتقرير، فقد أدت الزيادة في الاحتجاجات والتجمعات السياسية
خلال صيف عام 2020 إلى تغييرات ملحوظة في الأهداف والأسلحة التي تبناها المتطرفون
من اليسار واليمين.
وقد كان
المتظاهرون بالولايات الأمريكية المختلفة ضد عنف الشرطة الأهداف الرئيسية
للإرهابيين اليمينيين المتطرفين، بنسبة 50% من الهجمات، بما في ذلك الهجمات من
المتعصبين البيض وغيرهم ممن عارضوا حركة "حياة السود مهمة"، كما
استهدفوا أيضًا أهدافًا حكومية وعسكرية وشرطية، وكذلك الأفراد المختلفين عنهم على
أساس العرق والجنس وعوامل أخرى بنسبة 18% لكل منها.
وفي هذا الإطار،
يوجد نحو 58% من الهجمات التي قام بها الفوضويون والمعادون للفاشية، كانت ضد
الشرطة والحكومة والعسكريين والمؤسسات، فضلًا عن أن 42% من هجماتهم ومؤامراتهم في
عام 2020 استهدفت أيضًا المتظاهرين؛ حيث شملت الحشود المؤيدة للشرطة و"دونالد
ترامب"، وكذلك المتظاهرين ضد الإجهاض. وينجم تصاعد الهجمات العنيفة من اليسار
واليمين المتطرف ضد المتظاهرين عن المعضلة الأمنية الناشئة في المناطق الحضرية.
كما كانت هناك
زيادة في الهجمات التي تتم باستخدام السيارات ضد المتظاهرين، والتي ارتكبها متطرفون
من البيض؛ حيث تم استخدام المركبات في 11 هجومًا عنيفًا لليمين المتطرف (بما يُمثل
27% من جميع الحوادث الإرهابية لليمين المتطرف خلال فترة الدراسة) بزيادة كبيرة من
2015 إلى 2019، حيث تم استخدام مركبة في هجوم عنيف واحد فقط من اليمين المتطرف،
ويرجع سبب هذا الارتفاع في هجمات المركبات إلى سهولة استخدام السيارة لاستهداف
التجمعات الكبيرة.
وشاع استخدام
المتفجرات والمواد الحارقة والأسلحة النارية في كل الهجمات العنيفة من اليمين
واليسار المتطرف. وقد تم استخدام الأسلحة النارية -على سبيل المثال- فيما يقرب من
25% من حوادث اليمين المتطرف، واستخدمت في 34% من الهجمات أقصى اليسار.
ثالثًا- عدد
القتلى: أوضح التقرير أنه على الرغم من العدد الكبير للحوادث الإرهابية بسبب
الإرهاب الداخلي في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020، لم يكن هناك سوى خمس
حالات وفيات فقط، بنسبة 8% من إجمالي الحالات المُسجلة، وتم إحباط بعض هذه الحوادث
من قِبَل مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيره من وكالات إنفاذ القانون، مما يشير إلى
أن الهيئات كانت فعّالة في منع العديد من الهجمات الكبرى.
كما يُشير العدد
المنخفض نسبيًّا للقتلى مقارنة بالعدد المرتفع للحوادث الإرهابية إلى أن المتطرفين
في عام 2020 أعطوا الأولوية لإرسال الرسائل من خلال الترهيب والتهديد بدلًا من
القتل، بالنظر إلى أن جزءًا كبيرًا من الهجمات نُفِّذ باستخدام المركبات أو
الأسلحة النارية.
التطورات
المستقبلية
أوضح التقرير أن
الإرهاب المحلي داخل الولايات المتحدة يمكن أن يستمر في المستقبل المنظور، أي في
عام 2021 وما بعده، وبالتالي عند النظر إلى المستقبل هناك سيناريوهان مختلفان
سيؤديان إلى استمرار العنف -بل وحتى تصاعده- بعد انتخابات نوفمبر 2020 هما:
أولًا: يمكن أن
يؤدي ارتفاع الاستقطاب السياسي، وتنامي التحديات الاقتصادية، واستمرار جائحة فيروس
(كوفيد-19)، والمخاوف المتزايدة بشأن الهجرة؛ إلى زيادة الإرهاب المحلي. فضلًا عن
أن أيديولوجيا المرشح الفائز بالانتخابات الرئاسية ستؤثر على وتيرة العنف، ففي
حالة فوز الديمقراطيين، ستكون الهجمات من قبل المتطرفين البيض والميليشيات التابعة
لهم، وفي هذه الحوادث من المُرجَّح أن يستخدموا الأسلحة النارية والمتفجرات، ومن
المتوقع أن تشمل أهدافهم متظاهرين أو سياسيين أو الأفراد المتمايزين على أساس
العرق أو الدين، مثل الأمريكيين الأفارقة واللاتينيين والمسلمين واليهود.
أما في حالة فوز
الجمهوريين بالرئاسة، فقد يأتي التهديد الأساسي من المظاهرات واسعة النطاق في
المدن، والتي يصبح بعضها عنيفًا، ويستخدم الفوضويون والمناهضون للفاشية وغيرهم من
المتطرفين اليساريين المنصات الرقمية ومنشورات أخرى للقول إن "دونالد
ترامب" فاشي جديد، وإن العنف عمل مشروع ضد أنصاره.
ومن الجدير
بالذكر أن تناول تأثير المنصات الرقمية باعتبارها ساحة معركة رئيسية أصبح يلقى
ترحيبًا واسعًا؛ حيث تستخدم الأطراف المختلفة وسائل التواصل الاجتماعي لنشر
الدعاية والتحريض على العنف ضد المعارضين السياسيين والجيش والحكومة، إلى جانب
كونها مصدرًا لجمع الأموال والتواصل وإصدار الدعاية وإطلاق حملات التشهير وترهيب
الأهداف وتنسيق النشاط.
ثانيًا: يمكن أن
يتحول المشهد المحلي من بيئة لا مركزية من المتطرفين إلى مجموعات أكثر تنظيمًا
وهرمية، خاصة بعد أن فشل مفهوم "لويس بيم" "للمقاومة بلا
قيادة" كطريقة لإثارة مقاومة مسلحة واسعة النطاق ضد الحكومة الأمريكية، لذا
أنشأت المنظمات المقاتلة الأكثر فاعلية هياكل تنظيمية مركزية لتمكين قادتها من
التحكم في كيفية تنظيم العنف وكيفية تأمين الأموال وإدارتها.
ويمكن أن يكون للتحول نحو المزيد من الهرمية داخل الجماعات المتطرفة آثاره التي تؤدي إلى مزيد من الكفاءة والمهنية في عمل هذه التنظيمات، مثل: التخطيط للهجمات، والتجنيد، والتدريب، وجمع الأموال، وغيرها، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك يجعلها أكثر انكشافًا للأجهزة الأمنية.