الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

نجيب محفوظ.. والمحتال الأكبر

الإثنين 07/سبتمبر/2020 - 03:10 م

بعض الوقائع ليست كما سمعتها أو عرفتها، فقد تتناقل الألسنة أحاديث مرسلة لا تمتُ إلى الحقيقة بصلة.

ومن ذلك حكاية أصل اسم أديب نوبل نجيب محفوظ.

ففي حوار صوتي نادر للروائي الكبير نجيب محفوظ مع الأديب توفيق الحكيم، تحدَّث فيه عن سبب تسميته باسم نجيب محفوظ، وهو على اسم الطبيب الشهير الذي ولّد أمه، يقول محفوظ إن هناك رواية سمعها من والدته بأن اسمه المبدئي كان "حافظ نجيب" على اسم أشهر لص في القاهرة في ذلك الوقت، غير أن الشخص الذي ذهب لتسجيل اسمه نسي اسم اللص، وتذكّر اسم الطبيب الشهير، ليشاء القدر أن يستقر الاسم عند نجيب محفوظ .

في أحاديثه التي نقلها عنه الكاتب محمد سلماوي، يقول نجيب محفوظ:
"أول كتاب قرأته كان في المرحلة الابتدائية، ربما كنت في السنة الثانية أو الثالثة في عام 1922 أو 1923، ورأيته مصادفة مع زميلي في المدرسة يحيى صقر". ويضيف قائلًا: "كانت رواية بوليسية مترجمة من سلسلة ابن جونسون.. وهي كانت سلسلة بوليسية شهيرة آنذاك وكان يترجمها حافظ نجيب، وكنا نقرؤها ونحن أطفال، ففي ذلك الوقت لم تكن هناك كتب لصغار السن، وكان أقرب شيء يصلح لنا الروايات البوليسية.. وبعد عشرات من الروايات التي كان بطلها جونسون، وزاد عددها عن العشرين انتهت السلسلة، لكن نجاحها دفع حافظ نجيب إلى إصدار سلسلة جديدة عن ابن البطل أسماها ابن جونسون.

"والحقيقة التي اكتشفتها لاحقـًا أنه لم تكن هناك سلسلة باسم ابن جونسون، لكن المترجم أراد استثمار نجاح السلسلة بعد انتهائها، ولما كان بطلها جونسون قد مات في الرواية الأخيرة رأى حافظ نجيب استكمالها بأن جعل للبطل ابنــًا يمكنه من إصدار الروايات، أي أنه كان يؤلف هذه الروايات كما علمت بعد ذلك، لكنه كان يضع عليها عبارة ترجمة حافظ نجيب؛ لأن القراء كانوا يحبون الروايات البوليسية المترجمة والتي لم يكن في مصر من يكتبها، وكانت أحداث روايات جونسون تجري في فرنسا باعتبار المؤلف فرنسيـًا، لكن حافظ نجيب نقل أحداث روايات ابن جونسون إلى أميركا اللاتينية. 

"الطريف أنني في ذلك الوقت لم أكن أعرف جونسون ولا ابنه، لكني حين عرفت الابن في الرواية الأولى، وبقية سلسلة ابن جونسون، عدت إلى السلسلة السابقة عليها الخاصة بــ"جونسون" نفسه، ثم توصلت بعد ذلك إلى سلاسل أخرى لـــ"ملفيل توب" و"روكامبول" وغيرهما".

كان حافظ نجيب رجلًا واسع الحيلة، وقد عُرِفَ عنه النصب والاحتيال في مقتبل عمره ولد حافظ نجيب بالقاهرة نحو عام 1879، ونال الشهادة الابتدائية ثم التحق بالمدرسة العسكرية بالإسكندرية، وهناك تعرّفت عليه أميرة روسية تدعي فيزنسكي وعشقته وحملته على الذهاب معها إلى باريس ليستكمل تعليمه العسكري، فرحل معها وتخرج ضابطـًا، وسافر إلى الجزائر بصفته ضابطـًا فرنسيـًا، ثم عاد إلى باريس بمساعي الأميرة الروسية فيزنسكي وعمل جاسوسـًا فرنسيـًا ضد ألمانيا، بعد أن تنكر في شخصية خادم أخرس، ولما اكتشفه الألمان أودع السجن، فقامت فرنسا بتهريبه من ألمانيا إلى مصر.

سار في حواري وأزقة القاهرة كبائع للحمص والفيشار وحلوى الأطفال، ثم عمل خادمـًا في منزل رئيس النيابة، بعدها وجدناه تاجرًا يُدعى بنفيه، حيث مات ودُفِن في القبر، وبعد ساعات عاد إلى الحياة، لنجده بارونـًا يهوى الآثار، قبل أن يعيش في عامـًا في أحد الأديرة القبطية حيث كان راهبـًا. وجدناه بعدها يتنزه في يخت حاملًا لقب كونت سويدي. وهكذا رأيناه في أكثر من شخصية بعد ذلك، منها المسيو توندور، الخواجة غالي، مسيو أنطون دوريه، بنفيه خادم الملكة ناتالي، محمد صبحي، الشيخ بكر، الأمير يوسف كمال، ابن شقيق أفلاطون باشا، المندوب السامي العثماني!

هذه الأدوار والشخصيات، صنعت منه أسطورة شعبية، لا مثيل لها، فقد لقَّبه صديق له -هو جورج طنوس- بنابغة المحتالين، ولقبه آخرون بألقابٍ عدة، منها: أرسين لوبين المصري، اللص الظريف، جحا، الثعلب.

 نتيجة أعمال يطول شرحها، حُكِم عليه بالسجن وأفرج عنه ليغامر ويراوغ واتهم في قضايا نصب واحتيال، وأمضى فترة من عمره في السجون، وفي الوقت نفسه كان يؤلف ويترجم الكتب، ويصدر الصحف. وفي نوفمبر 1946 وافاه الأجل المحتوم.