الكونت دي ملوي!
الإثنين 30/نوفمبر/2020 - 08:32 م
في عام 1932 انشغل الشارع المصري بفضيحة الكونت دي ملوي.
فقد استيقظ المصريون على واقعة البنك المصري العام، الذي اتضح أن مؤسسه الذي أسهبت الصحف في الحديث عنه وأدلى بالعديد من التصريحات، لم يكن سوى نصاب من الطراز الأول.
وهكذا اكتشف المصريون أن البنك الذي قيل إن رأسماله يبلغ 150 ألف جنيه -في زمن الكساد العالمي الذي التهم المدخرات وأفقر الناس- ليس سوى وهم كبير، وأن خزائن البنك الوهمي خاوية من أية نقود.
ومن النقيض إلى النقيض، تحولت الصحف من الحديث عن البنك وعبقرية مؤسسه إلى الكلام عن النصاب الذي خدع الجميع وضحاياه الكُثر، في حين تصدرت صورة حسين شريف المتهم بالنصب غلاف مجلة "المصور" بالإضافة إلى ثلاث صفحات استعرضت فيها حكاية البنك.
ولعل البداية تكون مع اسم البنك.
لقد خدع اسم البنك المصري العام عددًا كبيرًا من الأشخاص ممن ظنوا - وبعض الظن إثم - أن للبنك المذكور علاقة أو ارتباطـًا ما ببنك مصر، حتى اضطر الأخير إلى نفي هذا الأمر، في الوقت الذي أعلن فيه حسين شريف أن بنكه قائمٌ بذاته، لا يعتمد على بنك مصر أو سواه، ثم تفضل بكلمة مجاملة في حق بنك مصر!
وافتتح البنك المصري العام في حفلة دعي إليها لفيف من الشخصيات العامة ورجال المال وبعض مندوبي الصحف، ثم استعد لتلقي طلبات الاكتتاب أو فتح حساب في البنك.
ومضى يوم وثانٍ، وإذا بالنيابة تداهم مقر البنك وتقتحم خزائنه الحديدية فلا تجد فيها أثرًا لنقود.
وحين سئل "الدكتور" حسين شريف عن رأس المال قال إن المبلغ الذي دفع منه هو ستة آلاف جنيه فقط، والباقي موزعٌ على أسهم سوف تطرح في السوق، ألحت عليه النيابة قائلة: أرنا، إذًا، المبلغ الذي تتحدث عنه.
ولم يظهر حسين شريف مبلغ ستة آلاف جنيه لأحد؛ لأن المبلغ لا وجود له، ولأنه -كما تقول "المصور"- اعتبر كفاءته الشخصية تساوي هذا المبلغ وتزيد.
وفي ظل المعلومات المتوافرة، اعتُقِلَ حسين شريف وأودِعَ السجن وشرعت النيابة في التحقيق.
وكان رأس المال الضخم بمقاييس تلك الأيام -حين كانت قيمة الاشتراك للحصول على هاتف في القاهرة لا تتجاوز 8 جنيهات، وللمشترك الحق في ألفي مكالمة، وسعر المكالمة الزائدة 3 مليمات- هو الذي لفت الانتباه إلى البنك الوهمي، وفور الإعلان عن أن رأس المال يبلغ 150 ألف جنيه، فغر ضابط من رجال المباحث فاه للتعبير عن دهشته قائلًا لزملائه: ومن أين لحسين شريف بمثل هذا المبلغ؟
هز ضابط المباحث رأسه تشككـًا، وذهب الملازم أول الحريري أفندي مع بعض المخبرين يطوفون حول دار البنك، فإذا بها فخمة رائعة، وإذا بأثاثه ورياشه غالٍ أنيق، فكادوا يهمون بالعودة معتقدين أن المشروع لا غبار عليه.
عاد الضابط ورجاله يبحثون ويتحرون، فإذا بالشك يتسرب إلى نفوسهم، فاتجهوا إلى النيابة يطلبون الإذن بتفتيش الخزائن.
وكان التفتيش.. وتوالت بعدئذٍ الشكاوى من الذين استعان بهم الدكتور حسين شريف على إظهار البنك بتلك الصورة البراقة.. الخادعة.