بنك سيليكون فالي.. هل يتكرر سيناريو الازمة المالية العالمية من جديد
بنك سيليكون فالي "SVB"، يعتبر الوجهة المفضلة للشركات الأميركية الناشئة في مجال التقنية، وعلشان كده ممكن حضرتك تشوف أن انهيار البنك ممكن يكون أكبر فشل لبنك أميركي منذ انهيار مؤسسة (واشنطن ميوتشوال) Washington Mutual، التي كانت تعد كبرى الشركات الأميركية العاملة في مجال الادخار والإقراض، في شهر سبتمبر 2008.
بنك وادي السيليكون اتأسس عام 1983، وتخصص في الأعمال المصرفية للشركات التقنية الناشئة، وقدم التمويل لما يقرب من نصف شركات التقنية والرعاية الصحية المدعومة من رأس مال المخاطرة الأميركي ، و يُعد من بين أكبر 20 بنكًا تجاريًا في امريكا، و بلغ إجمالي أصوله 209 مليارات دولار أميركي بحلول نهاية العام الماضي.
ومنذ حوالي عام واكتر بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة للسيطرة علي مستويات التضخم. وبعد التحرك القوي لبنك الاحتياطي الفيدرالي، أدت تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى استنفاد زخم أسهم التقنية التي كان بنك وادي السيليكون يستفيد منها.
كما ان أسعار الفائدة المرتفعة كانت سبب رئيسي في تآكل قيمة السندات الطويلة الأجل التي التهمها بنك وادي السيليكون والبنوك الأخرى خلال الفترات التي كانت أسعار الفائدة فيها منخفضه او بمعني اكثر دقه شبه صفرية، وفي نفس التوقيت كانت محفظة سندات البنك التي تبلغ قيمتها 21 مليار دولار أميركي تحقق عائدات بمتوسط 1.79 في المئة.
وفي نفس التوقيت أيضا ، بدأ رأس المال الاستثماري في النضوب، مما أجبر الشركات الناشئة على سحب الأموال المودعة في البنك، ومن هنا بدأت تظهر خسائر في السندات مع تصاعد وتيرة سحب العملاء لودائعهم.
بدأت الازمه يوم الاربعاء عندما أعلن البنك أنه قد باع مجموعة من الأوراق المالية بخسارة، وأنه سيبيع أيضًا 2.25 مليار دولار من الأسهم الجديدة لدعم ميزانيته العمومية، الأمر الذي أثار حالة من الذعر بين شركات رأس المال الاستثماري الرئيسية، التي ورد أنها نصحت شركات التقنية الناشئة بسحب أموالها من البنك.
وبدأ سهم البنك بالانخفاض يوم الخميس صباحا ، وحتي ظهر الخميس كان يسحب أسهم البنوك الأخرى معه، وذلك لان المستثمرون بدأو يخشون تكرار الأزمة المالية التي جرت عامي 2007 و2008.
وصباح يوم الجمعه الماضيه توقف التداول في أسهم بنك وادي السيليكون وتخلّى عن الجهود المبذولة لزيادة رأس المال بسرعة أو العثور على مشترٍي .
الا ان التحدي الاهم هنا هو التخوفات العالميه من من انعكاسات ذلك علي اقتصاديات الدول الاخري علي مستوي العالم وهل من الممكن أن يتكرر سيناريو الازمة المالية العالمية.
في حقيقه الامر تشير كافه التوقعات أنه من غير المرجح أن يؤدي انهيار بنك وادي السيليكون إلى إحداث نوع من تأثير الدومينو ، واللي سيطر على الصناعة المصرفية خلال الأزمة المالية في 2008، ولعل ذلك ما صرحت به وكاله (موديز) Moody’s للتصنيف الائتماني، وقالت إن النظام المالي عالميا يتمتع بالسيولة، وإن البنوك التي ستتأثر من الازمه الحاليه أصغر بكتير من أنها تشكل تهديدًا حقيقيًا على النظام المالي عالميا.
الا أنه في حقيقه الامر لابد وأن نعلم ان فقدان الودائع يمكن أن يتسبب في إحداث شلل للقطاع التقني كله في امريكا والتصفية القسرية لعشرات الشركات التي تعمل في ذلك المجال ، ولعل ذلك الأمر يرجع إلي ان البنك منذ انشاءه في عام 1983، يقدم نفسه على أنه «الشريك المالي لاقتصاد الابتكار»، وده خلاه لفترة طويلة مقرضً رئيسيً للشركات الناشئة، وهو ما اتضح في تقديم خدمات مصرفية من قبل بنك سيليكون فالي لما يقرب من نصف جميع شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة، ولعل ذلك ما قد يكون سببا قويا في اختلاق ازمه كبري قد تضرب صناعه التكنولوجيا والشركات الناشئه في مجال التكنولوجيا.
زادت ودائع البنك من 62 مليار دولار في مارس 2020 إلى 124 مليار دولار في مارس 2021، مستفيدًا من تأثير جائحة كورونا COVID-19 على العلوم والتكنولوجيا، وتم استثمار معظم هذه الودائع في سندات الخزانة طويلة الأجل علشان البنك إلى تحقيق عائد أعلى على الاستثمار مما كان متاحًا على السندات قصيرة الأجل. وانخفضت قيمة السندات طويلة الأجل مع ارتفاع أسعار الفائدة خلال زيادة التضخم في 2021-2023 وأصبحت أقل جاذبية كاستثمارات، وفي 31 ديسمبر 2022، كان لدى البنك خسائر غير محققة في المحاسبة على أساس السوق تجاوزت 15 مليار دولار للأوراق المالية المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق.
في الوقت نفسه، سحبت الشركات الناشئة الودائع من البنك لتمويل عملياتها حيث أصبح من الصعب الحصول على تمويل خاص لجمع الأموال اللازمة لتمويل عمليات السحب، وده خلي البنك باع جميع الأوراق المالية المتاحة للبيع، بخسارة 1.8 مليار دولار.
وخلال الأسبوع الماضي ، أبلغت وكالة Moody's Investors Service شركة SVB Financial، الشركة القابضة للبنك، بأنها تواجه تخفيض محتمل لتصنيفها الائتماني بسبب خسائرها غير المحققة، و في 8 مارس 2023، أعلن البنك أنه باع ما قيمته أكثر من 21 مليار دولار من استثماراته، واقترض 15 مليار دولار، وبيستعد أنه يبيع باقي اسهمه لجمع 2.25 مليار دولار.
وبالفعل قامت، وكالة موديز بتخفيض تصنيف البنك في 8 مارس، هذا بالإضافة إلي قيام غالبيه المستثمرين في العديد من شركات رأس المال المخاطر بتوجيه النصيحه ل شركات محافظهم على سحب ودائعهم من البنك.
وفي 9 مارس، سحب العملاء 42 مليار دولار، ووصل رصيدً البنك حوالي 958 مليون دولار. من بين شركات الخدمات المالية التي تتلقى الأموال من عملاء البنك: Brex وJPMorgan Chase وMorgan Stanley وFirst Republic Bank. شجعت صناديق رأس المال المخاطر بما في ذلك Founders Fund وUnion Square Ventures وCoatue Management الشركات في محافظها على تجنب التأثر من انهيار البنك بسحب أموالها، وسحبت Founders Fund جميع أموالها من البنك صباح يوم 9 مارس، مما انعكس علي قيمة أسهم البنك والتي انخفضت بشكل مرعب وسريع ، مما كان سببا قويا بان يتم وقف التداول في صباح يوم 10 مارس علي سهم البنك.
وعلي الرغم من كل ماسبق ذكره ، إلا أن هناك توقعات كثيره في الأوساط الاقتصادية في الولايات المتحدة تري أن انهيار البنك لا يمثل خطرًا شاملاً على النظام المالي الأمريكي، ومع ذلك، وعلى الرغم من أن تلك الآثار قد تبدو مؤقتة، إلا أن انهيار البنك خلق صعوبات بين بعض الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، والشركات التي تحمل أصولًا كبيرة غير مؤمنة وتدفق نقدي منخفض تواجه مخاطر كبيرة ليس ذلك فقط بل إن كثيرا من تلك الشركات الناشئة لم تستطيع استرداد أموالها لدي البنك، مما أجبر تلك الشركات أن تقترض من بنوك اخري، حتي تستطيع صرف مرتبات العاملين بها ، حيث أن قانون ولاية كاليفورنيا يتطلب دفع رواتب الموظفين في خلال عدد معين من الأيام.
ومن ناحيه اخري ، فإن التخوفات الحاليه في الولايات المتحدة من أنه في حاله استمرار عدم القدرة على الحصول على الودائع ، هو قيام عدد كبير من الشركات الناشئة بتسريح جزء من قوتها العاملة ، أو أنها تقفل تماما.
ولعل التساؤل الاكثر اهميه هنا هو كيف سيتأثر الاقتصاد الأمريكي بتلك الازمة فلقد خسرت القيمة السوقية للبنوك الأمريكية مجتمعة 100 مليار دولار في يومين وخسرت البنوك الأوروبية 50 مليار دولار، ولذا فإن خسائر بنك سيليكون فالي اظهرت التحدي الذي ستواجهه البنوك خلال الفتره القادمه في كل دول العالم في ظل حربها علي التضخم ، حيث ادت زيادة أسعار الفائدة إلى تقليل القيمة السوقية للسندات التي اشترتها بموجب سياسات أسعار الفائدة المنخفضة، مما جعل ذلك بعض الشركات تبحث عن الأمان أكثر مع البنوك التجارية الأكبر، و قامت بتحويل ودائعها من البنوك الإقليمية المشابهة لبنك وادي السيليكون، ولعل ذلك ما يثير المخاوف بشأن المزيد من عدم الاستقرار في القطاع المصرفي، وهو ماجعل عدة بنوك، مثل First Republic Bank وWestern Alliance Bancorporation، بيانات صحفية تسعى إلى تهدئة المستثمرين، و على الرغم من تلك المخاوف ، الا أن الأوساط الاقتصادية في الولايات المتحده تري أن البنوك الأخرى ستظل مستقرة، وذلك لان بنك وادي السيليكون متخصصً بشكل رئيسي في تقديم الخدمات المصرفية لقطاع محفوف بالمخاطر من الاقتصاد، وأن اللوائح المالية قد تعززت منذ الأزمة المالية عام 2008، التي سبقت الركود الكبير.