الإثنين 29 أبريل 2024 الموافق 20 شوال 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

أرسين لوبين المصري!

الخميس 10/سبتمبر/2020 - 12:48 م

أثار المقال السابق عن شخصية "حافظ نجيب" الغامضة تساؤلات العديد من القراء.

الشاهد أن حافظ نجيب كان رجلًا واسع الحيلة، حتى ان البعض أطلق عليه لقب "أرسين لوبين المصري". وقد عُرِفَ عنه النصب والاحتيال في مقتبل عمره، واستطاب الحياة معهما لأنه قادر على النفاذ إلى سريرة المرء، وإدراك مواضع الغفلة فيه، وعجزه عن تمحيص ما يقال له، ولكن هذا العقل لم ينصرف تمامـًا إلى الشر وإنما في كثير من الأحيان يغلب عليه الفكر والفن، فينتج أدبـًا وفكرًا اجتماعيـًا. وهو بالرغم من انحرافه أحد صناع الثقافة؛ إذ إنه شاعر وقاص وروائي ومترجم وكاتب مسرحي، وممثل مسرحي، وصحفي.

وحافظ نجيب رجلٌ مجربٌ متدرب على أعمال متنوعة ومحيط بمستلزمات كل منها وملم بالمؤثرات التي تؤثر على النفس وتلون الفكر ومثله لا تخدعه بوادي الناس عن دخائله ولا مظاهر الحياة عن خفاياها، فقد كان ضابطـًا وجاسوسـًا ومدرسـًا وممثلًا مسرحيـًا، وراهبـًا في دير وصدر عنه كتاب "الراهب المسلم"، وواعظـًا مسلمـًا يعظ المسجونين وهو أحد السجناء، وكان عاشقـًا ومعشوقـًا ومحتالًا، وفي كل هذا كانت تناجيه نفسه بما يرتجيه.

مال حافظ نجيب إلى الغرائب والغوامض والحوادث المثيرة المدهشة والحيل العجيبة والحذر والمراقبة والتربص والتنكر إلى آخره، كما كان من صناع هذه الأشياء التي تعد من مفردات حياته وأعماله الفنية فهو لا يرى أن القصة أعمال تقع في نطاق الحياة اليومية، وشخوص يتصرفون بما يناسب البيئة والزمن، وإنما هي تزخر بالدسائس والمراوغات والاستخفاء والتمويه، والانتقام، والأخطار المتلاحقة إلى جانب المغالبة والمغالطة.

نجد هذا في كثير من القصص البوليسية التي كتبها أو قال إنه ترجمها؛ إذ إن هذا اللون يناسبه ويجاري حياته لما عُرِف عنه من تجسس ومطاردة ومفاجأة، وتدويخ الشرطة بالحيل وهي قوام القصص البوليسية، وهو كاتبٌ يتعمق المواقف ويتأملها ويجيد تحليل النفوس ويستبطن أعماقها من أقوالها ويستشعر القارئ هذا في شخوص أعماله الروائية.

للأسف أهمل الدارسون هذه الروايات، أو كما قال صلاح عيسى "ولعلها من الأعمال الرائدة التي لا تزال بعيدة عن اهتمام دارسي تطور الرواية العربية".

وفي عدد 19 يناير 1926 من مجلته "الحاوي"، رد حافظ نجيب باستفزاز على شخص يُدعى البحراوي يقيم في الإسكندرية، قائلًا: "من حافظ نجيب ومحرر "الحاوي" ومترجم "روح الاعتدال"، "غاية الإنسان"، "النشأة"، "دعائم الأخلاق"، "مناهج الحياة"، "الغرور"، وعدد 22 رواية جونسون، وعدد 8 ملتون وعدد 4 معربات حافظ نجيب وعدد 10 روايات حافظ نجيب، ومترجم "الغرفة الصفراء" و"سر الجريمة"، و"الشيخ المخيف".

 والكتابان الأولان، "روح الاعتدال"، و"غاية الإنسان" نسب ترجمتهما إلى وسيلة محمد، وهي زوجته ولا صلة لها بهما، وكان وقت ترجمتها مطاردًا من الشرطة ومختبئـًا ولا يستطيع أن يظهر اسمه عليهما، ولأجل تغزير مادته الكتابية نضيف إلى ما قاله رواية كتبها وهو في سجن الحضرة نشرها جورج طنوس في كتاب "نابغة المحتالين - حافظ نجيب"، ويضم هذا الكتاب مجموعة من أشعاره إلى جانب مجموعة أشعار أخرى نشرتها مجلة "الأقلام" سنة 1906 وقصص قصيرة أخرى ورواية "ثورة العواطف" وهي مؤلفة، ومنشورة في عدد خاص من مجلته "الحاوي" في مايو 1926، وختم حياته بكتاب "اعترافات حافظ نجيب"  الذي ظهر بعيد وفاته بقليل. وقد روى فيه ذكرياته والأحداث التي مر بها حتى يناير 1909. 

كما حرر مجلتين أسبوعيتين كان يكتب الغالبية العظمى من موادهما، أي أن إجمالي أعماله يملأ رفـًا كاملًا في مكتبة، وهو إنتاج كبير لم تكتب عنه دراسات وافية موضوعية تحليلية تقيمه وتضعه في مكانته التي يستحقها، ربما باستثناء كتاب د.سيد على إسماعيل الذي حمل عنوان "حافظ نجيب الأديب المحتال"، وكتاب جورج طنوس "نابغة المحتالين حافظ نجيب" الذي نُشِر فيما بين عامي 1909 و1912.