الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

رحلة العائلة المقدسة إلي أرض مصر

الخميس 08/يونيو/2023 - 11:07 ص

فى الأول من يونيو تمر ذكرى غالية نرجو أعتبارها عيدا قوميا لمصر وهى ذكرى دخول العائلة المقدسة لمصر  .


(خذ الصبي وأمه وأهرب إلي مصر؛ وكن هناك حتي أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة هيرودس) بهذه الكلمات التي وردت في انجيل متي بالكتاب المقدس أمر الله يوسف النجار في حلمه أن يأخد السيد المسيح والسيدة مريم العذراء ويهرب إلى مصر، وهى ماتعرف برحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر، تلك الرحلة  التي سطرت صفحة جديدة في تاريخ مصر.


المقصود بالعائلة المقدسة هى السيد المسيح والسيدة العذراء ويوسف النجار والعجوز سالومى وأستغرقت زيارة العائلة المقدسة في مصر ثلاث سنوات وأحدى عشر شهرا استقرت فى بعض الأماكن يوم أو عدة أيام واحيانا شهر  وقد عرفنا عنها من خلال المرويات المتواترة والمخطوطات النادرة  المقدسة فى الكنائس القديمة والمصادر الدينية وقد ظهرت المعجزات فى بعض الأماكن التي مروا بها من أبار ماء وأشجار ونبع ماء وبعض الأثار البسيطة.


وأهم المحطات الرئيسية في رحلة العائلة المقدسة، والتي بنيت في كل مكان حلوا به في طريقهم أصبح اليوم كنيسة أو ديرًا بداية من "الفرما" والتي كانت تعرف بـ "البيليزيوم"، وهى المدينة الواقعة بين مدينتي العريش و بور سعيد حاليا، حتى جبل قسقام بمحافظة أسيوط إلى أن  رجعا مرة أخرى إلى فلسطين بعد وفاة الملك هيرودس.


ومرت العائلة ب 25مسار فى 3500كم وقد كان أمامهم ثلاثة طرق تجارية وعسكرية معروفة ولكنهم اختاروا طريق غير معروف ومتعرج ليهربوا من الجنود الذين أرسلهم هيرودس خلفهم وقسمت الرحلة لثلاثة مراحل الأولى من سيناء  العريس رفح الشيح زويد الفرما.


بعد عبور العائلة المقدسة سيناء ووصلا للفرما اتجهوا إلى المحطة الثانية وهى الشرقية فى برعمسيس قنتير الأن ثم " تل بسطا" بالقرب من الزقازيق؛ وبسطا هي النطق الهيروغليفي لكلمة "باستت" ومعناها بيت الإله باستت مقر المعبودة القطة باستت وعندهم مرورهم بها تهدمت التماثيل والأوثان  ورفض الأهالى أعطاء الخبز لهم فظهر بئر ماء لهم ثم اتجهوا لمسطرد حيث حممت السيد المسيح فى بئر ماء وسميت بالمحمة  ويوجد البئر فى الكنيسة حتى الآن   ثم " بلبيس" وتوجد بها شجرة جميز أستظلت تحتها العائلة المقدسة  وزارها نابليون أثناء الحملة الفرنسية وظلت حتى قطعت عام 1850م وبنى مكانها  مسجد عثمان الأنصارى  ثم أتجهت حتى   "منية جناح" وهي منية سمنود حاليا حيث توجد شجرة جميز وبئر ماء وماجور أخذتها من الأهالى ذكر أن السيدة العذراء عجنت فيه خبز وتوجد كنيسة للعذراء والقديس أبانوب ، ثم البرلس، واتجهوا بعدها إلى "سخا ايسوس" ؛وهى مدينة سخا حاليا في محافظة كفر الشيخ وهناك حجر طبع عليه قدم السيد المسيح ،  ثم  غربا نحو "وادي النطرون بمحافظة البحيرة "، والذي صار بعد ذلك مركز تجمع رهباني كبير تحت اسم" برية شيهيت " المهد الأول للرهبانية في العالم حيث نبع الحمراء المالحة وسطها بئر مياة عذبة وتعالج كثير من الأمراض الجلدية وكان بها ٥٠٠دير الأن اريعة هما أبومقار بيشوى البراموس السريان.


ووصلت العائلة المقدسة إلى عين شمس أو مدينة " أون" المعروفة بـ"هليوبوليس " وهي المطرية حاليا؛ وكانت قديما مركزا ضخما لعبادة الإله رع إله الشمس عند المصريين القدماء، ويقال أن المسيح أنبع فيها عين ماء وباركها، وغسلت مريم العذراء ملابس المسيح في هذه البقعة ثم صبت الماء على الأرض فأنبتت شجرة البلسان، وتستخدم خلاصة زيت  البلسم الذى يستخدم  في إعداد زيت " الميرون المقدس" الذي يستخدم في الكنائس حتى اليوم وبجوار البئر شجرة الجميز التى أختبأت بها العائلة المقدسة ومازالت بقاياها حتى الأن ممثلة فى ثلاثة أجيال من الشجرة حثت تم أستزراعها على يد الأباء الفرنسسكان وقد زراها جنود الحملة الفرنسية وكتبوا أسماؤهم بأسنة سيوفهم عليها بعد شفاؤهم من ماء البئر المجاور لها بعد أصابتهم بمرض صديدى فى أعينهم وكذلك يوجد مزود حجرى حمتت فيه السيد المسيح.


ثم توجت العائلة المقدسة بعد ذلك إلى مصر القديمة حيث سكنوا بالمغارة التي توجد حاليا تحت كنيسة" أبو سرجة" على أطلال حصن بابليون، ثم إلى المعادي، ومن هناك ركبوا مركبا إلى الجنوب حيث يوجد السلم الحجرى التى ركبت منه حيث عبرت النيل حيث المرحلة الثالثة من الرحلة من منف (ميت رهينة)ثم  البهنسا بمركز بني مزار المنيا،  ومن هناك عبروا نهر النيل إلى الضفة الشرقية حيث جبل الكف الذي انطبع فيه كف المسيح عندما أشار لصخرة كادت أن تسقط فظلت معلقة وشجرة العابد ةهى شجرة تأخذ شكل انسان ساجد ، ثم إلى الأشمونين بمدينة ملوي.


ومن المنيا إلى محافظة أسيوط حيث مكثت العائلة هناك  ستة أشهر وعشرة أيام وهي أطول فترة قضوها في أي مكان في مصر، حيث زاروا مدينة "فيليس" وهي مدينة ديروط الشريف حاليا، بعدها اتجهوا إلى القوصية، ومنها إلي ميرة ثم هربوا منها إلي جبل" قسقام"، وفي نفس المكان المقام فيه حاليا دير السيدة العذراء الشهير بـ "المحرق"وفى الدير كانت أول كنيسة كرسها السيد المسيح بنفسه فى العالم وهى بيت لحم الثانية وبها كنيسة وهيكل ثم دير درنكة أخر محطة وبها مغارة  ومن هناك تلقي يوسف النجار الأمر الإلهي بالعودة مرة ثانية إلي فلسطين لأنه قد مات الذين يريدون قتل الصبي، في رحلة عودتها إلى فلسطين سلكت العائلة المقدسة نفس المسار تقريبًا ، ويمثل مسار العائلة المقدسة أهمية خاصة للسياحة الدينية الداخلية، حيث تمثل المحطات الرئيسية  التي باركتها العائلة المقدسة في الإقامة بها أعياد ومناسبات واحتفالات شعبية طوال العام احتفالا بزيارة العائلة المقدسة للأراضي المصرية.


وقد اعتمدت وزارة السياحة المصرية المرحلة الأولى التجريبية من مسار العائلة المقدسة في خمس مواقع أثرية، ويتضمن مشروع إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة، 25 نقطة في 8 محافظات هي شمال سيناء، الشرقية، الغربية، كفر الشيخ، البحيرة، القاهرة، المنيا، وأسيوط حيث تحوي كل هذه النقاط على مجموعة من الآثار في صورة كنائس أو أديرة أو آبار مياه ومجموعة من الأيقونات القبطية الدالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع وفقا لما أقرته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر.


ويأتي مشروع إحياء مسار نقاط رحلة العائلة المقدسة في إطار رؤية وزارة السياحة والآثار للتنمية المستدامة لتعزيز ريادة مصر كوجهة سياحية كبرى حديثة ومستدامة، من خلال ما تملكه من موارد ومقومات سياحية وطبيعية وبشرية وأثرية غنية ومتنوعة، والمحافظة على الإرث الحضاري المصري الفريد للأجيال القادمة والبشرية.


ان نقاط المسار يمكن زيارتها على مدار العام لكونه منتج روحاني في المقام الأول لا يقتصر على شريحة معينة من السائحين أو الزائرين، مما يعمل على إطالة مدة إقامة السائح، وزيادة معدل إنفاقه، وبالتالي زيادة العائد من النشاط السياحي على المجتمعات المحلية، بالإضافة إلى تعزيز مكانة مصر عالمياً كأرض تحتضن مختلف الأديان والثقافات والحضارات وإبراز صورتها الحقيقية وممتلكاتها الإنسانية.


وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة الدولية الحكومية الدولية التابعة لليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي، كانت قد أعلنت في نوفمبر 2022 خلال دورتها 17، التي أقيمت في العاصمة المغربية الرباط نجاح مصر في تسجيل ملف الاحتفالات المتعلقة برحلة العائلة المقدسة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة اليونسكو.


ونرجو أن يكون هذا المشروع الهام فاتحة خير لمصر فى خلق نوع جديد من السياحة بالتزامن مع مشروع التجلى الأعظم فوق أرض السلام فى منطقة دير سانت كاترين.