وزير الأوقاف: اللغة أحد أهم عوامل تشكيل الهوية
الأربعاء 16/ديسمبر/2020 - 03:38 م
في كلمته التي بمؤتمر اللغة العربية الذي تنظمه رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع كلية الإعلام بجامعة الأزهر بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، بدعوة كريمة من الأستاذ الدكتور أسامة العبد أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية، والتي جاءت تحت عنوان: اللغـة والهويـة، وألقاها نيابة عنه الدكتور محمود الفخراني مساعد وزير الأوقاف لشئون الامتحانات والتدريب.
أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن اللغة هي الوعاء الحامل للمعاني والثقافات، ولا شك أنها أحد أهم عوامل تشكيل الهوية، والتأثير في بناء الشخصية، فمن يعرف لسانين ويتكلم لغتين يجمع ثقافتين، ومن يتحدث ثلاث لغات يجمع ثلاث ثقافات، ويقرأ نتاج عقول كثيرة، غير أن لغة الإنسان الأم تظل أحد أهم العوامل في تشكيل ثقافته، فالذي لا يدرك أسرار لغته لا يمكن أن يدرك كنه ثقافة قوم ولا أن يسبر أغوارها.
وأوضح في كلمته خصوصية بالغة للغة العربية، فهي لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، وفهم الكتاب والسنة فرض واجب، ولا يتم إلا بتعلم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يقول الحق سبحانه: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ويقول سبحانه: "وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ "، ويقول سبحانه: "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ" , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ ، بِيَدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ".
وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: "تعلموا العربية فإنها من دينكم"، وكتب إليه سيدنا أبو موسى الأشعري كتابًا فيه لحن، فكتب إليه سيدنا عمر (رضي الله عنه) : أن اضرب كاتبك سوطًا، ومر (رضي الله عنه) على قوم يخطئون الرمي ، فلامهم، فقالوا: "إنا قوم متعلمين" بنصب كلمة متعلمين في موضع يستلزم رفعها، فقال (رضي الله عنه ): لخطؤكم في لسانكم أشد عليّ من خطئكم في رميكم.
ولأجل خدمة كتاب الله (عز وجل) قامت حول القرآن الكريم والسنة النبوية دراسات لغوية وبيانية وبلاغية عديدة، حتى أن من أرَّخوا لعلوم البلاغة أكدوا أنها إنما نشأت في الأصل خدمة لكتاب الله (عز وجل)، فعندما سئل أبو عبيدة معمر بن المثنى عن قوله تعالى: "طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ"، وكيف شبه القرآن الكريم ما لا نعلم من طلع شجرة الزقوم بما لا نعلم ولم نر من رءوس الشياطين، فقال رحمه الله: إنما خاطب القرآن الكريم العرب على قدر كلامهم ، ألم تسمع قول امرئ القيس: أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ
والعرب لم تر الغول قط، ولكن ذكرها كان يخيفهم ويرعبهم، وكذلك الشأن في ذكر رءوس الشياطين، فتم التعبير بها لتذهب النفس في معنى الجملة كل مذهب، بحيث يتصور كل إنسان رءوس الشيطان بما يخيفه هو، فما يخيف زيدًا ليس بالضرورة هو ما يخيف عمرا، ولو كان المشبه به معلوما لربما أخاف بعض الناس دون بعض، أما إبهامه هنا فأمر في غاية البلاغة والبيان، وهو الأمر الذي دعا أبي عبيدة معمر بن المثنى إلى الشروع في مؤلفه مجاز القرآن.
ولا ينكر أحد أن التمكن في اللغة باب كبير لحسن فهم كتاب الله (عز وجل) وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، بل إن الأصوليين والفقهاء وغيرهم عدوا التمكن في اللغة العربية وأدواتها أحد أهم شروط الاجتهاد، وبلا شك هو أحد أهم شروط المفسر وشارح كتب السنة، كما أن التمكن في اللغة يؤدي إلى مزيد من ثقة المتحدث بنفسه.