الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

أبو المصريين.. وداعًا

الثلاثاء 25/يوليو/2023 - 04:13 ص

ما أصعب أن يقبر الابن أبيه.. أن يواري التراب الموجود سبب وجوده.. أن يتخذ الابن الأسباب ليضعه بين أحضان الأرض.. وقلما وضعت الأب ابنه في مكان غير حضنه وإلى جوار قلبه.


إن الابن الفذ العبقري الناجح.. إنما كله بنجاحه وعبقريته وفذوذه بعض أبيه أو بعض جزء من أبيه.. تفرده ثمره وعبقريته زهرة ونجاحه شجرة سقاها الأب بدمه وكفاحه وعرقه وتوجيهه.. سقاها من كله فأصبح الابن بعضه.


لم نرى أحد يواري نفسه الثرى.. مثلما وارى الدكتور محمد الباز والده نسائم رحمات الله عليه.. ابن يواري أباه التراب.. ابن ذاع صيته الآفاق.. وشددت الأركان بصدى صوته.. وارتجت العقول بعصف فكره.. ينفذ وصية والده فيواريه بيديه.. وإنه لأمر جد عظيم.. لكنه أمر رباني.. يقين من أهم حقائق الحياة.. وصدق أبو العتاهية في قوله وصفًا لهذه اللحظة.

 

محمد الباز ووالده 


الموتُ لا والدًا يبقي ولا ولدا .. هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا.. أب جعل من حياته وقودًا يشعل حياة نجله ونجاحه.. فبه كان وبه نجح.. إن الأب الراحل في ذاته قصة نجاح مصرية.. أسرة مصرية أصيلة.. من هذه البلد.. تنفست بأريجها.. وعاشت من خيراتها.. وربت أبنائها.. فكان حصيلة جهادها متمثل في نموذج من نماذج النجاح والوطنية، فإلى خيراتها في الحياة كان ذروة سنام خيراتها ابنها نفسه.. الدكتور محمد الباز.. فصار الباز الابن نموذجًا لنجاح الأبناء.. والأب نموذجًا لكفاح الآب.. حتى استحق أن يكون الوالد أن يكون أبًا لكل المصريين.. نموذجًا لما يجب أن يكون عليه الأب.. ولا نبالغ إن قلنا إن الأب الراحل.. الذي كرس حياته لنجاح ابنه.. هو بحق أب كل المصريين.. ونبراس لكل أب يعيش من أجل أبنائه.
 

لم يكتفي الأب بتنشئة ابنه تنشئة مصرية صالحة  خالصة فقط.. بسببها أصبح الابن نموذجًا لكل ما هو مصري أصيل.. ربى الأب ابنه على فعل الخير واجتناب الشر.. على البر والجهد والكفاح.. مزج ذلك وأكثر مع حب بلاده ووطنه.. حب مصر بدءًا من طميها حتى سمائها.. فكان الدكتور محمد الباز شهادة لأبيه في الأرض تمشي على قدمين.. ولعلها تشفع له يوم القيامة بين يدي رؤوف رحيم.


في جنازته شهد له الناس خيرًا.. من قريته الزعاترة مركز الزرقاء بمحافظة دمياط.. ومن القرى والمراكز المحيطة.. الذي وفدوا لتشييع الأب الفقيد عليه نسائم رحمات الله إلى رفيقه الأعلى.. شهدت أعينهم قبيل ألسنتهم.. وشهدت جوارحهم بعد ألسنتهم.. شهدوا وهم شهداء الله على الأرض.. بذلك رأينا وشهدنا.. هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه حنيما أثنى الصحابة رضوان الله عليهم على جنازة فأوضح القاعدة التي ستظل إلى يوم الدين "أنتم شهداء الله في الارض".


رحم الله  من استحق أن يكون بحق أبًا لكل المصريين.. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنه لفراقه لمحزنون .. اللهم اسكنه مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسُن إولئك رفيقا.
الله أنزل سكينة على عبدك.. بعد أن اصطفيت أصله إلى جوارك مع الرفيق الأعلى.


رحم الله والد الوطني المخلص محمد الباز.. وأسكنه فسيح جناته.. ورزق أبنائه وإخوته وأهله وجيرانه وأهل قريته ومركزه ومحافظته وبلده مصر ورزقنا الصبر والسلوان.


رحم الله من رحل وابقى إرثه فينا وطنية وصلاحًا وعلمًا وفكرًا وإخلاصًا يمشي على قدمين.. فكأن الراحل باق وسيبقى ما بقى إرثه فينا إلى ما شاء الله