أستاذ قانون أمريكي: على الولايات المتحدة الاستعداد لمواجهة رئاسة ترامب الثانية وليس الذعر منها
تواجه أمريكا موسما جديدا للرعب من رئاسة ترامب، لسبب وجيه، وهو احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، رعم مروره بعام غير مسبوق تم توجيه اتهامات جنائية له في ثلاث ولايات قضائية منفصلة، وخسر دعوى تشهير مدنية، ويتجه نحو خسارة دعوى احتيال ضد مؤسسة ترامب الاقتصادية.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء يقول الباحث القانوني الأمريكي نواه رام فيلدمان إن معارضي ترامب يخشون من أنه إذا عاد إلى المكتب البيضاوي مجددا ستنهار كل الرهانات، وسيكون هذا الرئيس الذي نجا من محاولتين لإقالته في ولايته الأولى مطلق اليد في جهوده المستقبلية لتدمير الديمقراطية الأمريكية.
ويضيف فيلدمان الأستاذ في كلية هارفارد للقانون أن تصوير ترامب كوحش أسطوري، قادر على اكتساح كل القيود الدستورية، هو تصور خيالي مضلل من غير المحتمل أن يشارك فيه منتقدوه وبعض من أكثر أنصاره إخلاصا.
ويرى فيلدمان رئيس مجلس إدارة جمعية زملاء هارفاردضرورة عدم التوسع في التكهن بشكل الولاية الثانية لترامب. فولايته الأولى تكشف عن الكثير عما يمكن أن تكون عليه الرئاسة الثانية. فسنوات ترامب الأربع السابقة في الرئاسة أظهرت نقاط القوة والضعف في البناء الدستوري الأمريكي، واستيعاب دروس تلك الفترة يتيح للأمريكيين وضع خطة حربية جيدة لحماية الدستور أثناء رئاسة ترامب الثانية
ويبدأ فيلدمان باستعراض بعض الأشياء التي تمنى ترامب تحقيقها خلال ولايته الأولى لكنه لم يتمكن ، وهي حظر دخول المسلمين الأجانب إلى الولايات المتحدة ومعاقبة مدن اللجوء الرافضة لتطبيق قوانين الهجرة الاتحادية، وإقامة جدار حدودي عازل دون موافقة الكونجرس، وتغيير أسئلة استبيانات التعداد لتخويف الأمريكيين من أصول لاتينية .
وفي كل تلك الحالات كانت جهود ترامب تأخذ شكل أوامر تنفيذية رئاسية واجهت مقاومة قانونية قوية. فبعد القرار الكارثي الذي اتخذه رئيس قضاة المحكمة العليا جون روبرتس في محاولة لتجميل قرار حظر سفر المسلمين، ثارت الأغلبية ضد ترامب وتوالت هزائمه واحدة بعد أخرى.
والخلاصة هنا هي أن السلطة القضائية تمثل أقوى حصن ضد محاولات ترامب لتحطيم القواعد الدستورية. وإذا تصرف الرئيس المستقبلي ترامب مرة أخرى منتهكا السوابق القانونية الواضحة، فإن المحاكم ستكون قادرة على التصدي له.
بالطبع عين الرئيس ترامب الكثير من قضاة المحاكم الدنيا وثلاثة من قضاة المحكمة العليا. لكن وكما رأينا ، عندما توجه ترامب إلى المحاكم لمساعدته في إلغاء نتائج انتخابات 2020 التي خسرها، فإن هؤلاء القضاة والكثيرين منهم كانوا من اختيار الجمعية الاتحادية المحافظة، انحازوا إلى جانب القانون وليس للولاء لترامب. وفي الولاية الثانية، قد يحاول ترامب تعيين مسؤولين غير أكفاء تابعين له في المناصب القانونية الرئيسية. وإذ حدث ذلك، فستكون مهمة المجتمع القانوني من المحافظين والليبراليين على السواء، هي منع تأكيد تعيين هؤلاء القضاة.
وكان النجاح الذي حققه ترامب، هو تدمير التقاليد الدستورية غير المكتوبة، وهي التقاليد التي أبقت على سفينة أمريكا ثابتة، ومن ذلك ضمان استقلال مكتب التحقيقات الاتحادي ووزارة العدل بعيدا عن السياسات الحزبية. وقد قطع ترامب خطوات واسعة نحو إقناع قطاعات واسعة من الرأي العام بأن أجهزة إنفاذ القانون الاتحادية حزبية ويجب أن تكون كذلك.
ويبدو مؤكدا أنه إذا أعيد انتخاب ترامب، فسيحاول مجددا تحويل مكتب التحقيقات الاتحادي ووزارة العدل إلى اقطاعيات خاصة. ولا تستطيع المحاكم وقف هذا. فالدستور الأمريكي يضع النيابة العامة تحت ولاية السلطة التنفيذية.
لذلك فإن محاربة تسييس وزارة العدل يجب أن تمثل أحد الأهداف المركزية لهؤلاء الذين يرغبون في منع ترامب من تدمير الديمقراطية. وهذا يعني ضرورة تشكيل لجنتين دائمتين في مجلسي النواب والشيوخ لمراقبة قرارات سلطات التحقيق والادعاء، وتجريد محاولات ترامب من الشرعية كلما كان ذلك ممكنا.
والمهم وربما الأكثر أهمية هو المحافظة على التزام الجيش بإطاعة الأوامر القانونية وليس الأوامر غير القانونية. وعندما يحين الجد كما حدث يوم 6 يناير 2021 عندما طلب من الجيش دعمه في الانقلاب على نتيجة الانتخابات الرئاسية، فقد يطلب ترامب نفس الأمر من الجيش مجددا، وكما حدث عندما رفض مارك ميلي رئيس هيئة الأركان ضغوط ترامب، فالمطلوب التأكد من أن أي رئيس لهيئة الأركان سيتصرف بنفس الطريقة، مع قدر أكبر من الشفافية.
أخيرا يقول فيلدمان إن رئاسة ترامب الأولى كانت اختبارا قويا للديمقراطية الأمريكية. ونجحت الديمقراطية في الاختبار، لكن نقاط الضعف فيها ظهرت، وعلى الأمريكيين استخدام هذه المعرفة في الاستعداد لمواجهة رئاسة ترامب الثانية وليس للذعر منها.