محلل أمريكي : أوكرانيا بين مطرقة الكونجرس الأمريكي وسندان روسيا فهل سوف تنجو ؟
يقول المحلل الأمريكي ريتشارد هاس إن الحرب العدوانية التي شنتها روسيا على أوكرانيا توشك على دخول عامها الثالث.وهناك الكثير من الأمور التي تعطي الشعور بالارتياح بشأنها ،ولكن هناك أسبابا للشعور بالقلق، وباختصار ، هذا وقت التحليل والتقييم.
ويرى هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ، أن ما حققته أوكرانيا وداعموها الغربيون في أعقاب غزو روسيا في 24 فبراير عام 2022، شئ استثنائي ورائع .
وقال هاس، في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، إنه من الواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ظن أن حربه سوف تشبه غزوه السابق لأوكرانيا في عام 2014،عندما اجتاحت القوات الروسية شبه جزيرة القرم ومعظم منطقة الدونباس الشرقية واستولت عليها بسرعة.
واعتبر بوتين أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة ضعيفة ومقسمة. وصدّق أيضا جنرالاته عندما وعدوا بأن الجيش الروسي قوى وسوف يتغلب على أي مقاومة يمكن أن تحشدها أوكرانيا. وثبت أن كل هذه الافتراضات خاطئة، ولكن مع ذلك هناك سببا للشعور بالقلق.
وتم بشكل كبير صد هجوم أوكرانيا الذي تم توقعه بشكل كبير ، والذي كان يهدف لتحرير الأراضي وتحقيق نصر في ميدان القتال أو على الأقل إعطاء زخم كان سيمهد الطريق لدبلوماسية واعدة .
وتعلمت روسيا العيش مع العقوبات الغربية وأعادت بشكل كبير توجيه مسار صادرات الطاقة الحيوية إلى الصين والهند. وتم بالمثل تجنب العقوبات العسكرية الغربية ، فقد واصلت روسيا بيع أسلحة للهند ودول أخرى ، واشترت أسلحة من كوريا الشمالية وإيران.
وتمكنت روسيا أيضا ظاهريا من شراء تكنولوجيا ومنتجات مدنية يمكن أعادت تصنيعها للاستخدام العسكري. وقامت بتوسيع قاعدتها الصناعية العسكرية ،وتتمتع الآن بتفوق كبير على أوكرانيا في كمية المدفعية والذخيرة التي يمكن نقلها إلى ميدان القتال.
وتظهر روسيا إشارات قليلة على الشعور بالضعف . وعلى الرغم من الخسائر البشرية الهائلة الناجمة عن الحرب، والتي تقدر بأكثر من 300 ألف جندي روسي بين قتيل وجريح، اتاحت سيطرة بوتين على وسائل الإعلام ولغة الخطاب العامة للكرملين بتقليل حجم المعارضة وإقناع العديد من الروس بأن بلدهم هو الضحية وليس المعتدي.
من جهة أخرى، تظهر أوكرانيا علامات على الإنقسام السياسي . فقد أقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي مؤخرا قائد الجيش فاليري زالوجني .والشئ الأكثر أهمية ، هو أن أوكرانيا تعاني في ميدان القتال ، بشكل كبير بسبب الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي الذي يعرقل حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 60 مليار دولار.
وأضاف هاس أنه يبدو أن معارضة الجمهوريين تعكس خليطا من الانعزالية التي ظهرت مجددا والتعاطف مع استبدادية بوتين ، ورغبة حزبية بعدم منح انتصار للرئيس جو بايدن قبل الانتخابات الرئاسية في شهر تشرين الثاني /نوفمبر المقبل.
ومن الناحية المثالية ، سوف يتمكن بايدن من إقناع عدد كاف من الجمهوريين بالعمل معه ومع زملائهم الديمقراطيين للموافقة على شريحة جديدة من المساعدات التي تخدم مصالح أمريكا الاستراتيجية.
ولكن لا يمكن الاعتماد على هذه النتيجة ، رغم أن هناك دليلا متزايدا على أن أوكرانيا تعاني من نقص في الأسلحة والذخيرة ، ونتيجة ذلك تواجه صعوبة متزايدة في التصدى للضغط العسكري الروسي .
ووافقت أوروبا بالفعل على أن تقدم لأوكرانيا مساعدات اقتصادية جديدة تبلغ قيمتها أكثر من 50مليار دولار، وهناك حاجة أيضا بالتعاون مع دول أخرى (مثل كوريا الجنوبية ومن المحتمل اليابان)إلى خطة منسقة لتقديم أسلحة وذخيرة لأوكرانيا ،حتى تستطيع بشكل أفضل الدفاع عن نفسها وضرب أهداف عسكرية روسية مهمة.
وفي نفس الوقت ، يتعين على أصدقاء أوكرانيا مساعدتها على إعادة تشكيل وتوسيع صناعتها الخاصة بالأسلحة ،حتى تصبح أقل اعتمادا على قدرة ورغبة الآخرين في تقديم الموارد التي يحتاجها المجهود الحربي.
وتابع هاس أنه في نفس الوقت ، تستطيع أوكرانيا أن تقلل من احتياجاتها من الموارد وتنقذ الأرواح من خلال تبني استراتيجية دفاعية بشكل كبير ؛ إذ أن حماية نسبة الـ80 % من الأراضي التي تسيطر عليها كييف الآن والحفاظ عليها أمر ممكن من الناحية العملية وحيوي.
ولن تتخلى أوكرانيا عن أي شئ من خلال اتخاذ مثل هذا الموقف ، بالنظر إلى أن تحرير شبه جزيرة القرم ومنطقة الدونباس ومناطق أخرى تحتلها روسيا، ليس أمرا محتملا على الأقل على المدى القصير.
وتستطيع أوكرانيا أن تواصل السعي من أجل الاستعادة الكاملة للأراضي على مائدة المفاوضات إذا ما بدأت محادثات جادة وحينما تبدأ .
وإذا إعيد انتخاب بايدن وإذا عاد مجلس الشيوخ الأمريكي إلى سيطرة الجمهوريين مثلما يتوقع الكثيرون ،واستعاد الديمقراطيون مجلس النواب عندئذ سوف يكون الطريق ممهدا لتجديد المساعدات العسكرية، ومن المحتمل ربط أوكرانيا بحلف شمال الأطلسي (ناتو)
وسوف يؤدي هذا إلى إقناع بوتين بالتخلص من رأيه بأن الوقت في صالحه وبالتالي زيادة الاحتمالات بأن الأولوية سوف تكون للدبلوماسية.
ومع ذلك، فإنه إذا فاز الرئيس السابق دونالد ترامب واحتفظ الجمهوريون بالسيطرة على مجلس النواب ، فإن أوكرانيا سوف تواجه مستقبلا أكثر صعوبة.
وسوف يقع عبء أمن أوكرانيا أكثر على عاتقها وعلى عاتق اصدقائها في أوروبا وأسيا. وإذا اثبتوا أنهم مستعدون وقادرون على سد كثيرا من الفجوة التي خلفها سحب الدعم الأمريكي ، فإن المرء يمكن أن يتصور جمودا طويلا في ميدان القتال تعقبه دبلوماسية بناءة.
واذا لم يحدث هذا ، فإن من المرجح أن يواصل بوتين تفوقه في ميدان القتال، ويجلس علي مائدة المفاوضات فقط ليفرض النتيجة التي كان قد سعى لتحقيقها من البداية.
والفرق بين هذين المستقبلين كبير، فالمخاطر على أوكرانيا وأوروبا والعالم هائلة. فالرئيس الصيني شي جين بينج ، الذي لديه مخططاته بشأن تايوان، يراقب باهتمام كيفية تطور هذا الوضع ،و تفعل إيران نفس الشئ.
واختتم هاس تقريره بالقول إنه إذا اثبتت الولايات المتحدة عدم رغبة في الوفاء بالتزاماتها ودعم سيادة القانون الدولي بأنه لايجوز الاستيلاء على الأراضي بالقوة ، فإننا نتوقع مستقبلا أكثر عنفا وخطورة عما كان عليه الحال من قبل .