محلل أمريكي :انتخابات إسطنبول سوف تشكل مسار سياسة أردوغان والانتخابات المحلية بمثابة مؤشر للسياسات الوطنية التركية.. أرث رجب طيب ومستقبل العلاقات الأمريكية التركية معلقان في الميزان
يتوجه نحو 58مليون ناخب تركي مسجلين في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية في جميع أنحاء البلاد لاختيار عمد قرابة أربعة آلاف مدينة وبلدات أصغر بالإضافة إلى عشرات الآلاف من أعضاء مجالس المدن والمجالس الإقليمية ومسؤولين محليين آخرين.
وقال المحلل الأمريكي من أصل تركي، الدكتور سونر جاغابتاي ،مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني ، إنه لن يكون للنتيجة تأثير مباشر على حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان . ومع إدلاء الناخبين بأصواتهم في جميع أنحاء البلاد ، تعد الانتخابات المحلية بمثابة مؤشر للسياسات الوطنية التركية ، وتشبه انتخابات التجديد النصفي لمجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة .
وعلى هذا النحو ، فإن الانتخابات سوف تساعد أردوغان على أن يقرر ما إذا كان يستطيع أن يبدأ في تجاهل متحديه في هذه المرحلة .وفي الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في شهر مايو الماضي، هزم أردوغان المعارضة له ،وهي تحالف من ستة أحزاب يشمل الطيف السياسي ، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي.
وأضاف جاغابتاي ،في تقرير نشره المعهد ، أن هذا الفوز رسخ بقوة وضعه على قمة السلطة في تركيا، وإذا تمكن من هزيمة المعارضة مرة أخرى في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري ، فإنه ربما يخلص إلى أنه لم يعد هناك متحدون شرعيون له.
وسوف يتيح هذا له دخول مرحلة بناء الإرث لحياته السياسية، أي حل المشاكل في الداخل ( على سبيل المثال متابعة الانفتاح على الأكراد أو إجراء حوار مع المجتمع الكردي ) بينما يقوم بدور أكبر على الصعيد الدولي في السياسة الخارجية (على سبيل المثال مزيد من التطوير لتحركات أنقرة الأخيرة لإعادة ضبط العلاقات مع الدول المجاورة مثل اليونان، والسعي لاعادة ضبط محتمل للعلاقات مع الولايات المتحدة بشأن سوريا).
غير أنه إذا فشل مرشحو الرئيس في انتزاع إسطنبول ومدن رئيسة أخرى من المعارضة ، فإنه من المحتمل أن يخرج أردوغان من هذه الانتخابات وهو يشعر بأنه ضعيف سياسيا. وعلاوة على ذلك ، فإنه إذا تمكن عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو ، الذي كان قد هزم مرشح أردوغان في الانتخابات المحلية في عام 2019، من الإطاحة بالمرشح الحالي للرئيس مراد كوروم ، فإن هذأ سوف يدفعه لمكانة بارزة في المشهد السياسي بوصفه "النجم السياسي الذي يستطيع هزيمة أردوغان".
وتابع جاغابتاي أن مثل هذا التطور سوف يؤدي أيضا إلى أن يكون إمام أوغلو منافسا موثوقا به لأردوغان نفسه ، مما يعزز الزخم للكتلة المناهضة لأردوغان في البلاد .وفي مثل هذا الموقف ، ربما يسعى أردوغان لتقوية قاعدته ويمنع المعارضة من الظهور من خلال تعزيز سياساته القومية /الشعبوية على الصعيدين المحلي والدولي.
وتسيطر المعارضة حاليا على المدن الثلاث الأكبر في تركيا ،وهى إسطنبول وأنقرة وأزمير. ومع ذلك تعد إسطنبول الأكبر على الإطلاق ، ولاتزال العاصمة الاقتصادية والمالية والثقافية للبلاد ،ولذا تعد الجائزة الكبرى في السباق الانتخابي.
وإذا تمكن كوروم من استعادة هذه الجائزة من إمام أوغلو ، سوف يستنتج الناخبون أن أردوغان فاز في الانتخابات حتى إذا فشل مرشحوه في سباقات الانتخابات في المدن الكبيرة الأخرى .
ولكن إذا احتفظ إمام أوغلو بإسطنبول ، سوف يُنظر إليه على أنه هزم بمفرده أردوغان ، مما يجعله ندا للرئيس . وتشير استطلاعات الرأي حاليا إلى سباق محتدم للظفر بالمدينة ، حيث يتفوق إمام أوغلو بفارق ضئيل على كوروم.
ولإسطنبول ثقل اقتصادي كبير بالنسبة للرئيس . ونظرا لأنها تمثل نصف قاعدة الضرائب في تركيا ونحو ثلث ناتجها الاقتصادي ، فإن المدينة تعتبر آلية إدارة المال .
وتدر عملية التشييد المحلية في إسطنبول وعقاراتها ومشاربع التجديد الحضرية (على سبيل المثال هدم المباني المعرضة للسقوط جراء الزلازل لبناء أخرى مقاومة للزلازل)كميات ضخمة من الأموال، ويريد أردوغان إتاحة هذه الأموال لمسانديه والشركات التي تدعمه .ويعنى الفوز باسطنبول كل شئ له.
وفي حال فاز إمام أوغلو رغم كل المزايا العديدة التي يتمتع بها أردوغان ( على سبيل المثال ،السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام )،فإن موقف الرئيس سوف يكون ضعيفا ، وربما يشهد العمدة المعاد انتخابه صعودا كبيرا.
وفي ذلك السيناريو ، سوف يكون لجوء إردوغان لإجراءات مضادة استقطابا سياسيا،حيث ربما يطلق نقاشا بشأن دستور جديد يتضمن تعديلا يتعلق بالقيم الأسرية ،وتعريف الزواج على أنه اتحاد بين رجل وامرأة حصريا وذلك بهدف حشد الناخبين اليمينيين.
وربما يخفض الدستور الجديد النسبة المطلوبة للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة إلى 40%، وهى نسبة سيكون تحقيقها بالنسبة لأردوغان أسهل من الأغلبية .
وكجزء من استراتيجيته للفوز بمثل هذا الاستفتاء ، فإنه قد يتبنى تحولا صعبا في السياسة الخارجية ، مستفيدا من قضايا مثل الشعور المناهض للغرب وحرب غزة والعلاقات مع الولايات المتحدة لحشد الناخبين اليمينيين.
ومع ذلك ، إذا خسر إمام أوغلو ، فإن من المرجح أن يقوم الرئيس بضبط حساباته السياسية وقيادة تركيا في اتجاه مختلف في البداية ، إذ أن فوز كوروم سوف ينهي العمل السياسي لإمام أوغلو ،ومن المحتمل ضمان بأنه لم يعد يشكل تهديدا للرئيس .
وعلاوة على ذلك ، سوف يفقد حزب الشعب الجمهوري مصدرا مهما للدخل وشبكات كبيرة من العملاء في إسطنبول، بينما سوف تتخلى ببساطة الكثير من العناصر في حركة المعارضة الأوسع نطاقا في البلاد عن فكرة الآطاحة بأردوغان في الانتخابات.
وسوف يتيح الفوز بإسطنبول لأردوغان ، الذي يحكم تركيا منذ عام 2003، بدخول مرحلة بناء الأرث في مساره السياسي ، حيث يرغب في أن يتم تذكره بأن رجل دولة محبوب، وليس سياسيا استقطابيا ؛ وبعد الفوز باسطنبول ، قد يقوم الرئيس على هذا الأساس يتجاوز الحروب الثقافية التي كان ينخرط فيها لحشد قاعدته.
ويمكن لأردوغان أن يحتضن حتى مجموعات متنوعة شيطنها غالبا في الماضي ، مثل الناخبين العلمانيين واليساريين ، وقد يساعده هذا السيناريو على طرح حزمة تعديلات دستورية ما يوفر لنفسه فترات ولاية أضافية في السلطة.
وقد يقوم أردوغان المنتصر ببناء اجماعا انتخابيا أوسع نطاقا لكي يغير الدستور، بما في ذلك التواصل مع المجتمع الكردي .
وسوف يكون للتقارب بين أردوغان والمجتمعات الكردية التي تدعم حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية تداعيات تتجاوز حدود تركيا وبصفة خاصة على ضوء الاحتمال المتزايد فيما يبدو لانسحاب الولايات المتحدة من سوريا .
ومنذ عام 2014، تحالفت الولايات المتحدة مع قوات من وحدات حماية الشعب الكردية السورية وهى فرع لحزب العمال الكردستاني لقتال داعش .
ومن المحتمل أن تصبح علاقة واشنطن مع وحدات حماية الشعب أقل وضوحا ،إن لم تنته تماما ، حال انسحاب أمريكا من سوريا.
وأيا كان المسار ألذي ستسلكه السياسية الأمريكية السورية، فإن قضية وحدات حماية الشعب الكردية السورية سوف تكون أقل ضررا بالعلاقات التركية الأمريكية إذا وافق حزب العمال الكردستاني دون شروط على حل نفسه ونزع سلاحه والانسحاب بالتالي من تركيا استجابة لانفتاح من جانب أردوغان على الأكراد.
واختتم جاغابتاي تقريره بالقول إن استطلاعات الرأي تشير إلى سباق شديد التنافسية على إسطنبول في الحادي والثلاثين من الشهر الجاري.ورغم أن السباق من الناحية الفنية يتعلق فقط بانتخاب عمدة المدينة،فإن النتائج سوف تكون لها تداعيات مهمة في جميع أنحاء البلاد ، لأن أرث أردوغان ومستقبل العلاقات الأمريكية التركية ربما يكون معلقا في الميزان.