"معلومات الوزراء" يصدر تقريراً جديداً حول سوق صناعة السياحة العلاجية والاستشفائية عالمياً ومحلياً
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً جديداً سلط من خلاله الضوء على اتجاهات صناعة السياحة العلاجية والاستشفائية، وحجم سوق هذه الصناعة، وأشهر مقاصد السياحة العلاجية عالمياً ومحلياً، والفوائد والتحديات والمخاطر المرتبطة بهذا النوع من السياحة، وأبرز التقنيات التكنولوجية الحديثة المتعلقة به، وسبل تعزيز السياحة العلاجية والاستشفائية في مصر.
أوضح المركز أن السياحة العلاجية يقصد بها السياحة الصحية أو السفر الطبي، وهي صناعة سريعة النمو تتضمن سفر الأفراد إلى بلدان أخرى لتلقي أو تقديم العلاج أو الرعاية الطبية، وتصف "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (Organization for Economic Co-operation and Development) السائحين العلاجيين بأنهم أولئك الذين "يسافرون عبر الحدود الدولية لتلقي شكل من أشكال العلاج الطبي".
وعلى مدى العقد الماضي، اكتسبت السياحة العلاجية شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم، وأصبحت خيارًا جذابًا للأطباء، بالإضافة إلى العديد من الأشخاص الذين يبحثون عن خدمات رعاية صحية عالية الجودة وبأسعار معقولة، وذلك لعدة أسباب، منها؛ ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية بشكل كبير في البلدان الأصلية، مما يدفع الأفراد للبحث عن العلاج في الخارج باعتباره حلًا أكثر فعالية من حيث التكلفة، ويسمح للمرضى بتوفير الأموال مع الاستمرار في الحصول على جواز سفر ثانٍ أو إقامة.
ذكر التقرير أنه تم تقدير حجم سوق الرعاية الصحية على مستوى العالم بأكثر من 10 تريليونات دولار عام 2022 وفقاً لمجلة السياحة العلاجية، ووفقاً لجمعية السياحة العلاجية يعبر حوالي 14 مليون نسمة في العالم حدود بلدانهم الوطنية ويسافرون إلى وجهات أخرى لتلقي الرعاية الصحية، وفي ضوء تقديرات شركة "سكاي كويست" المتخصصة في الاستشارات التكنولوجية بلغ حجم السوق العالمية لسياحة الاستشفاء 814.6 مليار دولار عام 2022، وطبقاً للشركة من المتوقع أن يسجل حجم السوق العالمية لسياحة الاستشفاء من 915.8 مليار دولار عام 2023 إلى حوالي 2.4 تريليون دولار بحلول عام 2031 مسجلة بذلك معدل نمو سنوي مركب 12.4% خلال الفترة من 2024 إلى 2031.
ووفقاً لتقديرات الهرم السكاني، من المرجح أن يرتفع الوزن النسبي لسكان العالم في الفئة العمرية 65 عاماً أو أكثر من 10% من الإجمالي عام 2023 إلى 16.5% عام 2050، علماً بأن عددهم سوف يتصاعد خلال هذه الفترة من حوالي 800 مليون نسمة إلى 1.6 مليار نسمة وبطبيعة الحال يزيد ذلك من فجوة خدمات الرعاية الصحية غير الملباة ويخلق فرصاً اقتصادية غير محدودة للوفاء به.
ويأتي النمو في الطلب على السياحة العلاجية والاستشفاء مدفوعاً بواحد من أكثر التغيرات الديموجرافية الجوهرية التي يشهدها القرن الواحد والعشرون المتمثل في شيخوخة السكان، أو ما يطلق عليه الشيب العالمي والناتجة عن ارتفاع الوزن النسبي للسكان في الفئة العمرية 65 عاماً أو أكثر من تنامي فئة السكان الأكبر سناً (84 عاماً فأكثر).
وقد استعرض التقرير أشهر مقاصد السياحة الاستشفائية والعلاجية ومنها: ماليزيا والتي تستقبل أكثر من نصف مليون سائح طبي معظمهم من جميع أنحاء آسيا كل عام، وسنغافورة التي تتمتع بأحد أنظمة الرعاية الصحية الأكثر تقدماً في العالم، وتعتبرها منظمة الصحة العالمية الأفضل في آسيا، وهي تحتل المركز السادس على مستوى العالم، وتعتبر الدولة الأكثر تقدماً لإجراء عمليات جراحية رخيصة الثمن، وتايلاند التي تعد واحدة من أفضل وجهات السياحة العلاجية في العالم، مع انخفاض أسعار الرعاية الصحية والخدمة الممتازة، وفي كل عام، تنمو السياحة العلاجية في البلاد بنسبة 16%، والهند التي أصبحت وجهة سياحية صحية رائدة لإجراء العمليات الجراحية المتطورة بأسعار منخفضة، ويوجد بها أحد أفضل عشرة مستشفيات للسياحة الطبية، وتعد أيضاً الوجهة الأولى لجراحات شرايين القلب، بالإضافة إلى كوستاريكا وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية.
أشار التقرير إلى أن السياحة العلاجية تُعد أحد الأنماط الرئيسة للسياحة في مصر والتي تشهد تناميًا ملحوظًا، حيث تتفوق مصر بشكل كبير في مجال السياحة العلاجية، فهي من أولى الدول في هذا المجال؛ ومعروفة بالاستشفاء الطبيعي الذي يُسهم بشكل كبير في سوق السياحة الصحية؛ حيث توفر علاجات تعتمد على الموارد الطبيعية مثل المناخ الملائم وينابيع المياه المعدنية وحمامات المياه الكبريتية والطين والرمال الساخنة. كل هذه الأمور تجعل من مصر وجهة مفضلة للسياحة العلاجية على مستوى العالم.
وفي عام 2017، تم إطلاق مبادرة (Tour n' Cure) لجلب مرضى "التهاب الكبد الوبائي C إلى مصر للسياحة والعلاج. وأعلنت مصر في عام 2019 أنها ستوفر اختبار "التهاب الكبد الوبائي C" وعلاجه مجانًا لمليون شخص في 14 دولة في إفريقيا، بالتعاون مع "منظمة الصحة العالمية".
وقد سلط التقرير الضوء على أشهر الأماكن السياحية العلاجية في مصر ومنها الواحات البحرية، وواحة الخارجة، ومدينة أسوان والتي يوجد بها مركزان لمعالجة الرمال والمياه يستخدمان لعلاج الروماتويد بسبب الأملاح الموجودة في مياه البحر والأشعة فوق البنفسجية، بالإضافة إلى استخدام الرمال السوداء الطبيعية، وواحة سيوة التي تحتوي على 230 ينبوع مياه عذبة طبيعية و1000 بئر طبيعية متدفقة. ويعد "جبل الدكرور" أشهر الجبال هناك ويستخدم في علاج الأمراض الروماتيزمية.
وارتباطًا بما سبق فإن مصر تمتلك جميع مقومات السياحة العلاجية، ولهذا يسافر الكثير من الأفراد إليها لتلقي العلاج الطبي كل عام، وفضلًا عن تلك المقومات الطبيعية توجد عدة أسباب جعلت من البلاد وجهة معروفة للسياحة العلاجية منها:
-التكلفة: والتي تعد أحد الأشياء الأساسية التي يأخذها كل سائح طبي بعين الاعتبار قبل السفر إلى أي بلد، وتُعد مصر من بين أرخص الوجهات للسياحة العلاجية.
-جودة الرعاية الصحية: حيث تتضمن 11 مستشفى معتمدًا من اللجنة الدولية المشتركة" (JCI) لاعتماد الرعاية الصحية، تقدم علاجًا عالي الجودة على مدار الساعة.
-الاستشفاء بالعلاج البديل: حيث طورت مصر أيضًا مجموعة واسعة من العلاجات البديلة للسياح القادمين بغرض العلاج؛ حيث يمكنهم العثور على العديد من مراكز العلاج والمنتجعات الصحية التي تقدم العلاج بالينابيع الكبريتية والعلاج بالرمال السوداء وغيرها من العلاجات الشعبية.
وفي السنوات الأخيرة، تم إطلاق عدد من المبادرات لدعم السياحة العلاجية في البلاد، كما سبق وأعلنت لجنة السياحة والطيران بمجلس النواب المصري، في ديسمبر 2018 عن بدء مشروع السياحة العلاجية الذي سيجلب السائحين إلى البلاد، وأبرزت اللجنة أن هناك العديد من المناطق السياحية في مصر التي لديها القدرة على الاستفادة من السياحة العلاجية بما في ذلك 16 موقعًا داخليًا وساحليًا؛ حيث تتوافر العلاجات الطبيعية فيها للعديد من الأمراض مثل حلوان وعين الصيرة والعين السخنة والغردقة والفيوم والواحات وأسوان وسيناء وسفاجا على البحر الأحمر.
وفي ديسمبر 2018 تمت الموافقة على مشروع القانون بشأن السياحة العلاجية لضمان التنسيق بين وزارة السياحة والآثار ووزارة الصحة والسكان في قطاع السياحة العلاجية في البلاد.
كما تم الإعلان عن واحة سيوة المصرية كوجهة عالمية للسياحة الطبية والبيئية خلال مؤتمر السياحة العلاجية الذي عقد بالإسكندرية عام 2017.
وأشار التقرير إلى إنشاء أول منتجع طبي وصحي في مصر، حيث وقعت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وشركة استثمار مصر للتنمية، وشركة "مكسيم جروب" الاستثمارية، عقد إنشاء المنتجع الطبي بالمنطقة الاستثمارية بمركز الصف بمحافظة الجيزة. وستقوم "مكسيم جروب" بتطوير وإدارة وتشغيل المنطقة الاستثمارية التابعة للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، بمركز الصف وتحويلها إلى أول منتجع طبي وصحي في البلاد يُطلق عليه "منتجع نايا الصحي"، والذي سيدمج خدمات الرعاية الصحية والضيافة في مكان واحد، ويكون أول مركز من نوعه لتنشيط السياحة العلاجية في مصر.
كما يستهدف المشروع استغلال المنطقة لتصبح نقطة جذب للأنشطة العلاجية والسياحية والخدمية والحرفية والتجارية، ما يعود بآثار تنموية كبيرة على منطقة إقامة المشروع والاقتصاد المصري ككل، ويعد المشروع نموذجًا ناجحًا للشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، تنفيذًا لوثيقة ملكية الدولة التي تؤكد تمـكين القطـاع الخاص ورفـع نسـبة مسـاهمته فــي النـاتج المحلـي الإجمالـي.
كذلك أشار التقرير إلى افتتاح مصر المؤتمر الدولي للسياحة العلاجية يوم 2 مارس 2024 الماضي في العاصمة الإدارية الجديدة بمشاركة 70 متحدثًا من العديد من دول العالم وبحضور السيد رئيس مجلس الوزراء، الذي سلط الضوء خلال المؤتمر على دور صناعة السياحة العلاجية بالنسبة لصحة الإنسان ورفاهيته وازدهاره، مدعومًا بإحصائيات مختلفة تؤكد أهميتها الاقتصادية. وأشار إلى أن سوق الرعاية الصحية العالمية تنمو بسرعة، متجاوزة الناتج المحلي الإجمالي للدول الكبرى مثل اليابان وألمانيا والهند.
وأضاف أن هذا النمو مدفوع بالتقدم في الرعاية الصحية والتكنولوجيا والتقنيات العلاجية، مما يؤدي إلى زيادة السياحة الطبية والاستشفائية. وهذه الزيادة تغذيها شيخوخة السكان، مما يخلق طلبًا متزايدًا على خدمات الرعاية الصحية والسفر المتعلق بالتعافي
وتناول التقرير التقنيات الحديثة في مجال السياحة العلاجية، حيث أشار إلى تمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إحداث ثورة في مجال السياحة العلاجية، مما يوفر فوائد عديدة لكل من المرضى ومقدمي الرعاية الصحية. بدءًا من خطط العلاج الشخصية ووصولًا إلى روبوتات الدردشة وحلول التطبيب عن بُعد التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويعمل تكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي على تعزيز تجارب المرضى وتحسين الكفاءة التشغيلية وزيادة نتائج العلاج إلى أقصى حد.
وقد أوضح مركز المعلومات التحديات والمخاطر المتعلقة بالسياحة العلاجية، حيث أشار إلى وجود مجموعة مخاوف أولية تنتاب الأفراد قبل اتخاذ قرار السفر للخارج للعلاج؛ حيث تصدرت المخاوف المتعلقة بالمتابعة بعد الخضوع للعلاج بنسبة 53.8%، وذلك وفقًا لما أظهره استطلاع آراء المرضى في مجال السياحة العلاجية لعام 2024 الصادر عن كلٍ من "جمعية السياحة العلاجية" و"المركز الدولي لأبحاث الرعاية الصحية"، وحلت المخاوف بشأن السلامة وجودة المعايير الطبية في المرتبة الثانية بنسبة 51.9%، يليها بعد ذلك انعدام الثقة في مقدم الخدمة، والمخاوف بشأن التكاليف الخفية أو الإضافية بنحو 40.4% و34.6% على الترتيب، يليها عدم اعتماد منشأة الرعاية الصحية أو مخاوف بشأن مصداقية الاعتماد المحلي لمقدم الخدمة بنسبة 30.8%، ثم بعد ذلك مخاوف بشأن سداد المدفوعات دولياً واحتمال التعرض للاحتيال أو الاستغلال بنحو 26.9%.
أوضح التقرير أن السياحة العلاجية يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر، ويحتمل خطر حدوث المضاعفات على الوجهة، والمنشأة التي يتم فيها تنفيذ الإجراءات العلاجية، وما إذا كان المسافر يتمتع بصحة جيدة لإتمام تلك الإجراءات، وتشمل المشكلات الأخرى التي يمكن أن تزيد من خطر تعرض المسافر للمضاعفات مقاومة مضادات الميكروبات، وجودة واستمرارية الرعاية، وتحديات التواصل من خلال اللغة، والسفر جوًا.
وتناول التقرير في ختامه كيفية تعزيز السياحة العلاجية والاستشفائية في مصر، مشيراً إلى ما اتخذته الدولة المصرية من خطوات حثيثة لتعزيز المنظومة البيئية للسياحة العلاجية والاستشفائية في ربوعها، مضيفاً أنه لا يزال هناك جهود مُبتكرة عدة يُمكن تبنيها لتحويل مصر إلى وجهة عالمية لهذا النوع من السياحة، لتُصبح رافدًا أصيلًا لتعزيز مسارات النمو والتنمية الاقتصادية الشاملة تحقيقًا لرؤية مصر 2030، وأضاف أنه يُمكن الوقوف على تدابير ومبادرات وتجارب ناجحة تم تبنيها دوليًا، يُمكن لمصر الاهتداء بها لتأسيس صناعة تنافسية وجذب مزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية إليها، وتوفير تجربة صحية سياحية استثنائية. منها على سبيل المثال:
-تأسيس مناطق اقتصادية متخصصة للسياحة العلاجية، وتكوين عناقيد صناعية مُبتكرة لهذه السياحة.
-استحداث تأشيرة دخول البلاد لغرض السياحة العلاجية والاستشفائية، وتطوير برامج سياحية تدمج بين الخدمات الصحية والأنشطة الثقافية والترفيهية.
-توفير منصات افتراضية لتنسيق خدمات الرعاية الصحية قبل الحصول عليها وأثناءها وبعدها، ما يتيح تجربة كاملة للعميل، بما في ذلك الاستفسارات الأولية، والتنسيق مع مقدمي الخدمة، والمتابعة بعد الحصول على الخدمة.
-إدماج الممارسات المستدامة والصديقة للبيئة ضمن صناعة السياحة العلاجية والاستشفائية.