السبت 06 يوليو 2024 الموافق 30 ذو الحجة 1445
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

المحلل الاستراتيجي يوهان إينجفال: تركيا تسحب البساط من تحت أقدام روسيا في آسيا الوسطى

الثلاثاء 28/مايو/2024 - 11:16 ص
صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر شباط/فبراير 2022 والعقوبات الغربية على موسكو تحولت العلاقات التركية الروسية إلى عملة ذات وجهين. الوجه الأول يظهر عليه تقارب غير مسبوق على الصعيد الاقتصادي بعد أن أصبحت تركيا مستوردا رئيسيا للمنتجات الروسية وبخاصة الغاز الطبيعي ومركزا لإعادة تصدير المنتجات الأوروبية إلى تركيا، في ظل القيود الهائلة المفروضة على حركة التجارة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. وعلى الوجه الثاني يظهر تمدد النفوذ التركي في دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز مع انكماش النفوذ الروسي  بسبب انشغال موسكو بالحرب الشاملة التي تخوضها في أوكرانيا وتداعيات العقوبات الغربية الواسعة ضدها.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية يقول الدكتور يوهان إنجفال المحلل في مركز ستوكهولم للدراسات الشرق أوروبية والمتخصص في قضايا السياسات الداخلية والخارجية لدول شرق أوروبا وآسيا الوسطى إن التمدد التركي الحالي الذي يستهدف دول آسيا والوسطى وجنوب القوقاز الناطقة باللغة التركية يستهدف منطقتين تعتبرهما روسيا منطقتي نفوذ حصري لها، وجزءا مهما من صورتها كقوة عظمى. في الوقت نفسه فإن التعاون التركي مع دول المنطقة عبر أذربيجان يشمل مجالات متنوعة تتراوح ما بين الأمن و التجارة والثقافة.

ويمكن القول إن تصاعد النفوذ الجيوسياسي التركي في منطقة بحر قزوين ككل يعود إلى جولة 2020 من حرب ناجورنو كاراباخ بين  أرمينيا وأذربيجان. ففي تلك الحرب وبفضل الدعم العسكري التركي الكثيف نجحت أذربيجان في استعادة أجزاء كبيرة  من إقليم ناجورنو كاراباخ الذي كانت تسيطر عليه أرمينيا وأنشات فيه جمهورية غير معترف بها  منذ أوائل التسعينيات. وفي حين نجحت وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الجانبين ونشر قوة حفظ سلام روسية في منطقة النزاع، فإنها لم تغير من الأمر شيئا وهو أن أذربيجان حليفة حققت نصرا عسكريا ساحقا على أرمينيا حليفة روسيا. ولذلك أوجدت تركيا لنفسها حضورا عسكريا في جنوب القوقاز، لتكسر الاحتكار الروسي للنفوذ العسكري في المنطقة.

وبفضل نجاح معركة ناجورنو كاراباخ عام 2020، قررت تركيا وأذربيجان الدخول في تحالف استراتيجي عام 2021 يتضمن التزامات دفاعية متبادلة ويتيح لأذربيجان  بديلا أمنيا حقيقيا لموسكو. وفي أيلول/سبتمبر 2023 استكملت أذربيجان السيطرة على إقليم ناجورنو كاراباخ بعملية عسكرية خاطفة تحت أعين قوة حفظ السلام الروسية. وتحت ضغط الحرب في أوكرانيا أعلنت روسيا انسحابها الفوري والكامل من إقليم ناجورنو كاراباخ في نيسان/أبريل 2024.

ويرى إنجفال الذي ينشر كتاباته في العديد من المجلات المتخصصة في السياسة ومنها جورنال أوف ديموقراسي وفورين أفيزر، أن النصر الأذربيجاني بدعم تركيا في معركة ناجورنو كاراباخ  جعل دول آسيا الوسطى ترى أن التعاون مع تركيا يمكن أن يحقق فوائد أمنية كبيرة لها. ورفعت كازاخستان وأزوباكستان مستوى علاقاتهما مع تركيا إلى "شراكة استراتيجية شاملة" ووقعتا اتفاقيات مع أنقرة لتطوير التعاون العسكري في مجالات مثل التعليم العسكري والتدريبات المشاركة والتعاون الاستخباراتي. علاوة على ذلك حققت الصناعات العسكرية التركية سيطرة واضحة على سوق الطائرات المسيرة في هذه المنطقة لتكسر احتكار روسيا لتوريد الأسلحة في هذه المنطقة.

في المقابل ، لم تعد الضمانات الأمنية التي تقدمها روسيا لدول آسيا الوسطى مقنعة في ضوء انشغال الأولى بحربها في أوكرانيا وتراجع وجودها في جنوب القوقاز. فعندما وقعت اشتباكات حدودية بين جيشي قيرغيزستان وطاجيكستان عامي 2021 و2022 وكلتا الدولتان  من أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا التي تحتفظ بقواعد عسكرية في الدولتين، جاء رد الفعل الروسي فاترا للغاية. في المقابل كثفت تحركاتها لدعم جهود تحقيق السلام بين قيرغيزستان وطاجيكستان مما أسفر عن تحقيق تقدم مؤخرا نحو توقيع اتفاقا حدوديا بين الدولتين.

وكما فعلت روسيا مع دول آسيا الوسطى والقوقاز عقب تفكك الاتحاد السوفيتي، تروج تركيا لمنظمة الدول التركية التي تضم الدول الناطقة باللغة التركية والتي تحولت من منصة للحوار بين تلك الدول إلى منظمة للتعاون الشامل المتقدم في كل مجالات الحياة. وتتبنى دول المنظمة وهي تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزباكستان  تصورا طموحا شعاره "رؤية العالم التركي 2024". وتحول الهدف إلى جعل هذه المنظمة معادلا للاتحاد الأوروبي يضصمن حرية حركة السلع ورؤوس الأموال والخدمات والتكنولوجيا والأشخاص بين الدول الأعضاء في المنظمة.  ويجري تأسيس بنك استثمار تركي كمؤسسة تمويل  إقليمية متعددة الأطراف لخدمة دول المنظمة. وقررت تركمانستان التي تتجنب عادة التحالفات متعددة الأطراف الاتضمام إلى المنظمة بصفة مراقب.

وأدت العواقب غير المتوقعة للغزو  الروسي الشامل لأوكرانيا إلى أن تضطر دول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى لمحاولة تنويع علاقاتها الدبلوماسية والبحث عن طرق بديلة للوصول إلى الأسواق الدولية. وتجاوبت تركيا مع الطلب المتنامي لهذه الدول على الشراكات البديلة. وبدخول تركيا في اتفاقيات تعاون في مجالات الدفاع والطاقة والثقافة مع تلك الدول، تكون قد كسرت الاحتكار الروسي التقليدي لهذه المجالات مع تلك الدول وهو ما يجعل تركيا  تظهر كقوة كبيرة  في مواجهة روسيا بمنطقة بحر قزوين.

ويطرح إنجفال في تحليله سؤالا مهما عما يعنيه تصاعد النفوذ التركي في هذه المنطقة بالنسبة لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خاصة وأن تركيا حليف رئيسي للطرفين. ويقول إنجفال إن نجاح تركيا في تكوين محور مع دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز يمكن أن يكون تطورا مهما في مواجهة  محاولات إقامة "محور رجعي" يضم روسيا والصين وإيران لمواجهة النظام الدولي الذي يسيطر عليه الغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

فتركيا لها أجندتها الخاصة التي لا تتضمن التبعية لروسيا أو الصين. لذلك من مصلحة الغرب تشجيع تركيا على التحول إلى قوة قادرة على مواجهة هذا المحور جزئيا. وسيكون دعم وتشجيع التحالف المتنامي لدول "العالم التركي" وربط دوله بهيكل أمني أقرب للنموذج الأوروبي جزءا لا يتجزأ من استراتيجية الاستفادة من النفوذ التركي في مواجهة محور روسيا والصين وإيران، خاصة وأن "العالم التركي" يضم دولا لها موقع استراتيجي شرق وغرب بحر قزوين.

ولتحقيق هذا الهدف، على القوى الغربية زيادة دعمها للتعاون الإقليمي المزدهر في آسيا الوسطى. وهذا من شأنه أن يزيد من الوزن الجماعي لدول المنطقة ويقلل احتمالات خضوعها لمحاولات التلاعب والابتزاز من جانب "محور الرجعية".