الإثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق 13 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

التحولات السياسية والإحباط في أوكرانيا والانقسامات تبدد الأجواء الاحتفالية لقمة الناتو

الثلاثاء 09/يوليو/2024 - 10:38 ص
 حلف شمال الأطلسي
حلف شمال الأطلسي (ناتو)

كانت العاصمة الأمريكية واشنطن تمني نفسها باستضافة قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تنطلق اليوم الثلاثاء وتستمر ثلاثة أياما في أجواء مبهجة احتفالا باليوبيل الماسي للحلف الذي شكل حجر الزاوية في هيكل أمن أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن الولايات المتحدة و31 دولة أخرى عضو في الحلف الموجود مقره في العاصمة البلجيكية بروكسل.

 

فقمة واشنطن تأتي في وقت يمكن فيه اعتبار بعض من قادة أهم دوله "جرحى سياسيين" مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تلقى هزيمة كبيرة في الانتخابات البرلمانية المبكرة، والرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يواجه صعوبة كبيرة في حملته للفوز بفترة حكم ثانية. وإلى جانب ذلك تمر الحرب في أوكرانيا بمرحلة محبطة لدول الحلف التي أظهرت دعما هائلا لكييف في مواجهة الغزو الروسي الذي بدأ في شباط/فبراير 2022.

 

وفي تحليل نشرته صحيفة لوس أنجليس تايمز الأمريكية تحت عنوان "فمة الاحتفال بميلاد الناتو تجرى في وقت كئيب"، قالت الكاتبة الأمريكية لورا كينج إن كل هذا يحدث في الوقت الذي يخشى فيه قادة أوروبا من فوز المرشج الجمهوري  الرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. فالرجل في ولايته الأولى تبنى موقفا معاديا لحلف الناتو، في حين تعهد في حال عودته إلى البيت الأبيض بعدم احترام التزامات بلاده تجاه الحلف بما في ذلك مبدأ الدفاع المشترك عن الدول الأعضاء.

 

ففي شباط/فبراير الماضي قال إنه إذا تعرضت دولة عضو في الناتو ولا تدفع التزاماتها المالية لأي عدوان من جانب روسيا مثلا فإنه سيقول للأخيرة "تستطيع أن تفعل ما تشاء".

 

وكما هو واضح يستضيف الرئيس بايدن القمة وهو يواجه دعوات من داخل حزبه الديمقراطي ومعسكر أنصاره للانسحاب من السباق  الرئاسي والسماح بتقديم مرشح ديمقراطي آخر لمواجهة ترامب. في الوقت نفسه تواجه فرنسا فوضى سياسية كبيرة بعد فوز اليسار المتطرف بالأغلبية في انتخابات البرلمان التي أجريت جولتها الأخيرة أمس، في حين جاء تكتل يمين الوسط الذي يقوده الرئيس ماكرون في المركز الثاني.

 

وفي بريطانيا اجتاح حزب العمال المعارض الانتخابات النيابية التي أجريت يوم الخميس ليطيح بحكومة حزب المحافظين. ومن ناحية أخرى، تعرض المستشار الألماني أولاف شولتس لصدمة قوية عندما جاء معسكر اليمين المتطرف في المركز الثاني في انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت في الشهر الماضي.

 

الأمر نفسه تكرر مع رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو الذي أصبح رئيس حكومة تسيير الأعمال بعد تفوق اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي ببلاده. ومما يزيد المشهد سوءا بالنسبة لحلف الناتو الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء المجري فيتكور أوربان  الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إلى أوكرانيا حيث دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى القبول بوقف لإطلاق النار مع روسيا بشروط يقول الأوكرانيون إنها غير مقبولة بالنسبة لهم.

 

وبعد ذلك زار أوربان روسيا والتقى مع الرئيس فلاديمير بوتين وهي الزيارة التي شدد الاتحاد الأوروبي على أنه لا يباركها. وقالت أوروسولا فون دير لين رئيسة المفوضية الأوروبية على موقع إكس للتواصل الاجتماعي إن "الاسترضاء لن يوقف بوتين".

 

وتطغى هذه الأجواء الكئيبة على القمة التي كان يفترض ان تحتفل بانضمام السويد إلى التحالف بعد انضمام فنلندا إليه حيث كانت الدولتان على خط المواجهة الأول في فترة شديدة التوتر مع روسيا.

 

واندفعت دول الحلف لدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، وقدمت مساعدات عسكرية وغير عسكرية بمليارات الدولارات لكييف. ولكن مع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، أصدر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وهو مركز أبحاث أوروبي دراسة كبيرة عن اتجاهات الرأي العام الأوروبي نحو حرب أوكرانيا أشارت إلى ظهور خلافات حادة بشأن كيفية إنهاء هذه الحرب قبل انطلاق قمة واشنطن.

 

وقال مارك ليونارد المدير المؤسس للمجلس "أحد التحديات الأساسية للقادة الغربيين سيكون تحقيق توافق للمواقف المتناقضة بين الأوروبيين والأوكرانيين بشأن كيفية انتهاء الحرب... في حين يدرك الجانبان الحاجة إلى  استمرار الدعم العسكري لمساعدة أوكرانيا في التصدي للعدوان الروسي، هناك فجوة واسعة بينهما بشأن تعريف النصر والغرض الفعلي للدعم الأوروبي لأوكرانيا".

 

الأمر نفسه يحدث في الولايات المتحدة مع تراجع الدعم الشعبي والنيابي الأمريكي لأوكرانيا. وبدأ عدد من قادة الحزب الجمهوري إلى جانب ترامب يتساءلون عن جدوى الاستمرار في ضخ مليارات الدولارات إلى أوكرانيا. وأظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في أبريل الماضي أن 31% من الأمريكيين يرون أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر مما يجب على الحرب في أوكرانيا، في حين كانت هذه النسبة في أوائل 2022 7% فقط.

 

كل هذا يقول إن قمة حلف الناتو في واشنطن تواجه من التحديات الصعبة ما يطغى على أي أجواء احتفالية سواء بذكرى مرور 75 عاما على تأسيس الحلف الذي لعب دورا محوريا في الدفاع عن أوروبا الغربية ضد توسع الاتحاد السوفيتي السابق، أو بانضمام السويد لتصبح الدولة رقم 32 في الحلف رغم تهديدات روسيا واعتراضات تركيا إحدى الدول المؤسسة للحلف.