الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق 16 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

محلل أمريكي : أوكرانيا في مفترق طرق.. إما إنهاء الحرب أو التعرض للهزيمة

الأربعاء 10/يوليو/2024 - 10:47 ص
صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

قال المحلل السياسي والعسكري الأمريكي دانيال ديفيس إنه كتب في مايو 2022، بعد مضى ثلاثة أشهر فقط على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، سلسلة من ثلاثة أجزاء حدد فيها الاستراتيجية العسكرية التي يمكن أن تمنح أوكرانيا أفضل فرصة للسعي إلى نوع ما من النجاح التكتيكي على روسيا.

 وحذر من أن هذه الاستراتيجية لم تكن تضمن تحقيق النجاح، إلا أنها كانت تشكل مسارا قابلا للتنفيذ. ومع الوقت، اتضح أن أوكرانيا لم تفعل على الإطلاق أي شيء مما جاء في توصيته. ومن المفارقات، أن روسيا نجحت في استغلال العديد من العناصر الأساسية في المسار الذي حدده.

 

وقال ديفيس، وهو أيضا ليفتنانت كولونيل متقاعد في الجيش الأمريكي وخبير عسكري في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إنه مع الاقتراب من مرور عامين ونصف العام على بدء الحرب، ومع الضغط على أوكرانيا على كل الجبهات، سيكرر جهده ويضع مسارا واقعيا ولكن صعبا تستطيع من خلاله أوكرانيا سرقة بعض النجاح من روسيا.

وتابع ديفيس "سأحذر من البداية أنه لا يوجد مسار، حتى بوجود موارد جيدة، تستطيع من خلاله أوكرانيا أن تلحق بروسيا هزيمة عسكرية واضحة في المستقبل المنظور، نظرا لأن روسيا دولة كبيرة للغاية وغنية بالموارد وبها عدد سكان كبير للغاية ومن ثم لا يمكن أوكرانيا هزيمتها. ومع ذلك، فإنه في بعض الأحيان، يمكن تحويل الهزائم التكتيكية التي يتعرض لها خصم أضعف إلى نجاح استراتيجي إذا تم التعامل معها ببراعة. وتشكل الخطة التالية مثل هذه الفرصة".

 

بقول ديفيس إن روسيا دولة عملاقة تمتلك العديد من نقاط القوة: كميات ضخمة من الموارد الطبيعية والعديد من الحلفاء الأقوياء الذين يستطعيون تزويدها بمواد الحرب وتمتلك قاعدة صناعة عسكرية واسعة وتتوسع أكثر، وأيضا أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الرجال في سن التجنيد مقارنة بأوكرانيا. وربما يكون من أكبر المزايا التي تمتلكها روسيا هي تقبل التضحيات والمعاناة. فمن الناحية التاريخية، تكبدت روسيا معدلات رهيبة من الخسائر البشرية خلال العديد من الحروب وظلت تحظى بالدعم الشعبي أو القبول. إلا أن هذا لا يعني أن روسيا ليس لديها نقاط ضعف.
وأوضح ديفيس أنه في المصطلحات العسكرية، يمثل مصطلح "مركز الثقل" "الصفة المميزة والقدرة والموقع، التي يستمد منها العدو أو القوات الصديقة حرية التحرك أو القوة المادية أو الرغبة في القتال" ويعتمد مركز ثقل روسيا على ركيزتين" قدرتها على شن حرب (القوة البشرية والأسلحة والذخيرة والقدرة الصناعية) لفترة طويلة من الوقت وأيضا الدعم السياسي من جانب شعبها.

 

ويرى ديفيس أنه بدون هاتين الركيزتين، لا يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن حرب أو الانتصار فيها. ولانتزاع أي نجاح استراتيجي من روسيا، سيتعين على أوكرانيا زعزعة اتزان مركز ثقل روسيا بما يكفي لإجبار بوتين على قبول نتيجة أقل من النتيجة التي يرغب فيها. وسيكون هذا في غاية الصعوبة.

ويتمثل الهدف الاستراتيجي الرئيسي لروسيا في تقليص التهديد التقليدي على حدودها الغربية إلى مستوى يمكن إدارته. ويبدو أنهم مقتنعون أن وجود حلف شمال الأطلسي (الناتو) على حدود روسيا في أوكرانيا يشكل "تهديدا وجوديا" وهم على استعداد لدفع أي ثمن مادي أو سياسي لتقليص هذا التهديد.
وأشار ديفيس إلى أن بوتين يعتقد بوضوح في الوقت الحالي أن روسيا هي التي تسيطر على الأوضاع وبإمكانها تحقيق أهدافها السياسية بالموارد العسكرية والمالية التي تمتلكها. ويتعين على أوكرانيا تغيير هذه الحسابات. وللتأكد مما إذا كانت هذه إمكانية قائمة، من الضروري أن يتم الأخذ في الاعتبار قدرة أوكرانيا وداعميها الغربيين على شن مثل هذه المعركة والانتصار فيها.
وعلى الجانب الآخر، يعد مركز ثقل أوكرانيا هو نفس الشيء.

ويجب أن يحتفظ الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بشكل متزامن بالقدرة على شن حرب وبالدعم السياسي الداخلي والدعم الدولي الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري. وبدون أي من هذه المكونات (وخاصة المكون الثالث) لا يمكن أن تنتصر أوكرانيا.

واعتبر ديفيس إنه من المهم للغاية تحديد ما هو "النجاح" الذي يمكن تحقيقه في هذه المرحلة. وكما تمت الإشارة في البداية، فإن أي نصر عسكري واضح لكييف يقترب في الوقت الحالي من الصفر. فروسيا تمتلك قوة كبيرة للغاية (وورقة الأسلحة النووية) التي لا يمكن التغلب عليها في ظل الظروف الحالية. ويعد الطريق الضيق الوحيد أمام أوكرانيا هو رفع التكلفة بشكل كبير بالنسبة لروسيا لكي يفكر بوتين أن من مصلحته القبول بما هو أقل من أهدافه القصوى.

وكان بوتين قد حدد أدنى متطلباته في 14 حزيران/يونيو، عندما قال إنه من أجل إنهاء الحرب، يجب أن تتنازل أوكرانيا عن الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2022 وسحب كل القوات الأوكرانية من تلك الأقاليم وتبنى "وضع محايد وغير منحاز وغير نووي" . ومن جانبه، اعتبر زيلينسكي أن هذه القائمة من المطالب- وهذا صحيح- "إنذار نهائي" للاستسلام . كيف إذن، تستطيع أوكرانيا تجنب هذه النتيجة غير المرغوب فيها وما الذي يمكن أن يفعله زيلينسكي في ظل عدم توازن القوى؟

أشار ديفيس إلى أنه بدون تغييرات في الأهداف الغربية والأوكرانية من الحرب، هناك إمكانية كبيرة بشكل مزعج أن يتحقق "الإنذار النهائي" الذي وجهه بوتين. والأمل الأكثر واقعية بالنسبة لأوكرانيا هو السعي إلى التمسك بكل الأراضي التي تمتلكها حاليا وألا تتنازل أو تفقد المزيد من الأراضي وأن تتفاوض لإنهاء الأعمال العدائية. ولكن يجب الاعتراف أنه ربما يكون الوقت قد تأخر للغاية حتى لتوقع حدوث هذه النتيجة المحدودة.

 

وقبل بحث العنصر العسكري لهذا الهدف، يجب تحديد الهدف السياسي المحدد، حيث سيتعين على أوكرانيا في البداية إبلاغ روسيا أنها تعتزم إيجاد نهاية للحرب عن طريق التفاوض. ويجب أن يوضح المفاوضون الأوكرانيون أن المطالب القصوى لبوتين التي حددها في الـ14 من حزيران/يونيو غير مقبولة ويصدرون بدلا من ذلك أعلانا لتجميد الصراع عند الخطوط الحالية مع الموافقة على تسوية مسألة السيادة على الأقاليم الأربعة بعد مرورة خمسة أعوام على إنهاء الأعمال العدائية، باستخدام الوساطة الدولية.

وأوضح ديفيس أنه حتى لتحقيق هذا الهدف المحدود، سيتعين على أوكرانيا أن تنجح في تعبئة 300 الف جندي إضافي في الأشهر القليلة المقبلة وتحصل على الأقل على نصف مليون قذيفة مدفعية وسبعة أنظمة إضافية للدفاع الجوي من طراز باتريوت وعدة مئات من العربات المدرعة من طرازات مختلفة وعشرات الآلاف من المسيرات. وسيتم استخدام هذه القوة القتالية الجديدة لتعزيز كل الخطوط الدفاعية على طول الجبهة لكي تصبح تكلفة الاستيلاء على الأقاليم المتبقية أعلى مما يمكن أن يكسبه من المفاوضات، مما يضطره إلى قبول الخطوط الحالية الفاصلة بين الجانبين.

وأشار ديفيس إلى أن حلف الناتو يرغب في تحقيق النصر لأوكرانيا والهزيمة لروسيا. إلا أن تحليلا عقلانيا يظهر أن هذه النتيجة لا يمكن تحقيقها سواء الآن أو في المستقبل. وإذا رفض الغرب قبول الواقع، فإن النتيجة الأكثر ترجيحا لأوكرانيا هي هزيمة عسكرية قد تشمل في نهاية الأمر خسارة أوديسا وخاركيف وأراض أخرى أكبر من تلك التي حددها بوتين في إنذاره النهائي في حزيران/يونيو الماضي.

واختتم ديفيس تحليله بالقول إنه خيار فظيع ولكن في هذه المرحلة، من الأفضل بالنسبة لأوكرانيا وأوروبا السعي إلى التسوية غير المقبولة ولكن التي يمكن الحصول عليها عبر التفاوض بدلا من تجاهل الواقع والتعرض في نهاية المطاف إلى خزي هزيمة عسكرية حاسمة.