الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق 16 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

محللة استراتيجية: تمدد حلف الناتو يهدد قدرته على الاضطلاع بمهمته الأساسية

الثلاثاء 16/يوليو/2024 - 12:41 م
الناتو
الناتو

طغت السياسات الداخلية الأمريكية على القمة الأخيرة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) التي استضافتها واشنطن بالتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين  لإنشاء الحلف. فبدلا من تركيز القمة على بحث التحديات التي تواجهه، تم التركيز على جعله منصة لإثبات تعافي الرئيس الأمريكي جو بايدن من البرد أو "اضطراب الطيران" الذي أسفر عن أدائه الكارثي  في مناظرته مع منافسه الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكي دونالد ترامب.

 

وقالت الدكتورة إليزابيث بوشانان كبيرة الباحثين في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالية في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتربست الأمريكية، إن قمة واشنطن الأخيرة كشفت بوضوح عن مشكلة الحلف وهي نسيان الهدف من إنشائه وفقدان  الرؤية لمهمته المركزية. ففي قمة حلف الناتو في واشنطن عام 1978 كانت الأوضاع الجيوسياسية مماثلة للأوضاع الحالية مع تزايد الخطر السوفيتي، فصدر البيان الختامي للقمة  بالتأكيد على هدفي الحلف وهو الحفاظ على الأمن، مع السعي للحوار. ولم يكن مفهوم الحوار مشحونا عاطفيا كما هو الآن.  في الوقت نفسه أكد البيان ضرورة اليقظة والمحافظة على القدرات العسكرية عند المستويات المطلوبة لضمان أمن وسلامة كل الدول الأعضاء.

 

وقد يرى البعض أن قمة الناتو في واشنطن 2024  كانت ناجحة ومختلفة تماما عن القمم التي عقدت على مدى العقود الماضية. فقد تم إعلان قائمة بالتهديدات الخارجية  على غرار قائمة التسوق، فشملت  الخطر الصيني والروسي والإيراني، لكنها لم تناقش خطة الحلف للمنافسة وتأمين نفسه. كما لم يقدم تصورا واضحا لماهية النظام الدولي القائم على القواعد بالفعل ومدى أهميته كمصلحة "حيوية".

 

وإذا كانت قمة واشنطن لم تشر بوضوح إلى جديته، فإن تأكيد الحلف على اعتزامه تعزيز حضوره في آسيا كشف عنها. وإذا كان الهدف الاستراتيجي لحلف شمال الأطلسي اليوم هو "تحديث الناتو لعصر جديد من الدفاع الجماعي"، فإن هذا، وفقاً للتعريف الأساسي لمعاهدة واشنطن، لا يشمل دولاً مثل أستراليا أو نيوزيلندا. وكلاهما تقعان إلى الجنوب من مدار السرطان، وهو حدود المناطق الجغرافية التي حددها حلف شمال الأطلسي للدفاع الجماعي في معاهدة تأسيسه، مما يشير إلى رغبة قادة الحلف اليوم في توسيع نطاق عمله ليشمل آسيا والمحيط الهادئ.

 

ويظهر ذلك في مشاركة قادة أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية بشكل نشط في القمة، لذلك ترى الدكتورة إليزابيث  بوشانان المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأسترالية أن حلف الناتو في التسعينيات  (والسبعينيات) كان يعرف هدفه بوضوح، ويمارس ضبط النفس الاستراتيجي الضروري داخل حدوده الجغرافية، والآن يتعين عليه العودة إلى أصله وأن يعيد اكتشاف هدفه الرئيسي وهو تعزيز الأمن والاستقرار على جانبي شمال المحيط الأطلسي، وليس التمدد إلى آسيا والمحيط الهادئ.

 

يمكن أن تكون العولمة قد جعلت العالم أصغر وأكثر ارتباطا، لكن الزمن لا يغير الجغرافيا. فآسيا ليست أوروبا. وفي حين أن كلا المنطقتين تشتركان في التحديات والفرص، فإنها ليست تحديات وفرص حيوية لكليهما. لذلك فمحاولة روسيا مثلا إعادة رسم الخريطة السياسية في أوروبا لا تستدعي بالضرورة تدخلا استراليا، لكن الانفعال العاطفي المبالغ فيه من جانب أستراليا ردا على التحرك الروسي مثلا يخفي هذه الحقيقة.

والحديث عن فكرة أن دخول أمريكا ونيوزيلندا في الحرب الأوكرانية لدعم كييف ضد موسكو يمكن أن يردع الصين عن التفكير في  غزو تايوان هو تفكير بالغ السطحية والخطورة. لكن هذا ما تم الوصول إليه اليوم بالنسبة لحالة الردع. فقد أصبحت فكرة الردع لدى حلف الناتو نوعا من الحماقة وتضخيم الذات.

وتقول بوشانان إن حلف الناتو لا ينحرف فقط، عن منطقة عمله ويخون حدوده الجغرافية، وإنما  يسعى إلى القيام بهذه الأشياء. متعمدا، فقد خلق لنفسه مشكلة في القدرة، وفي حين أن مشكلة قدراته باتت معروفة بصورة أفضل، فإن محاولته  تنويع هذه القدرات لمواجهة  مجموعة من التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقلدية أدى إلى تمدده بشكل يفقده القدرة على التحرك بفاعلية في مواجهة التهديدات الحقيقية. ورغم أنه قد يبدو أن كل التهديدات والمجالات قد وجدت مكاناً لها في قائمة تهديدات الناتو فالواقع ليس كذلك لأنها لا تضم مثلا خطر التغير المناخي.

 

وقد أبرزت قمة واشنطن الأخيرة التزام حلف الناتو بأن يصبح منظمة دولية رائدة في فهم تأثير التغير المناخي والظروف المناخية القاسية  والتكيف معها على الأمن. ولكن قبل خمس سنوات قال ينس ستولتنبرج أمين عام حلف الناتو في مقابلة مع إليزابيث بوشانان  إن "الناتو ليس أداة لحل مشكلة التغير المناخي" وأضاف أن الناتو "لن يكون أداة ولا منصة دولية يتم من خلالها عقد اتفاقيات للتغير المناخي".

وترى بوشانان أن تصريحات ستولتنبرج قبل 5 سنوات تشير إلى أن الحلف كان يعرف مهمته جيدا قبل خمس سنوات، ولكنه لم يعد يعرفها الآن، بعد أن كشفت قمة واشنطن عن تصورات مبالغ فيها لمهام الحلف ومناطق عمله الاستراتيجي والمخاطر والتهديدات المطلوب منه مواجهتها.

 

وأخيرا يمكن القول إن هدف الحلف اليوم أصبح التصدي "لكل التهديدات والتحديات وفي كل المناطق وعلى اتجاهات استراتيجية متعددة" وهذا أمر مثير للسخرية بالفعل. فلو أصبح الناتو جاهزا للقيام بكل شيء للجميع، فهذا يعني  ببساطة أنه سيصبح لا شيء بالنسبة للجميع.