رغم حداثة سنهم انضموا لسوق العمل.. آلاف الأطفال في غزة باتوا أيتاما وبلا معيل
أفجعت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة للشهر التاسع على التوالي آلاف الأطفال الفلسطينيين، بعد أن أفقدتهم آباءهم وأمهاتهم في الهجمات الوحشية، وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله الإنسانية والاجتماعية والنفسية الصعبة على هذه الفئة.
وقال تقرير للميادين، إن الإحصاءات الفلسطينية الرسمية تؤكد أن 70% من ضحايا حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة من النساء والأطفال، وأن 17 ألفاً من الأطفال يعيشون في الوقت الحالي بدون والديهم أو بدون أحدهما من جراء استشهاد الوالدين أو أحدهما.
وأضاف،"ومن شأن ذلك أن يكون سبباً في انتشار المشاكل النفسية وعمالة الأطفال والتفكك الأسري، علاوة على أنه قد يكون سبباً في ظواهر لم تكن موجودة مسبقاً داخل المجتمع الفلسطيني، وذلك في إطار حرب أخرى يخوضها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وسكان غزة".
محمد أبو اسليم، طفل لم يتجاوز التسعة أعوام، يعيش اليوم نازحاً وسط قطاع غزة، بدون والديه اللذين استشهدا في قصف إسرائيلي طال منزلاً نزحوا إليه قبل أعوام، يعيش اليوم أصعب أيامه، متنقلاً واثنين من إخوته بين عائلات أعمامه تارة وأخواله وخالاته تارة أخرى.
وبعبارات وكلمات مخنوقة يقول أبو اسليم، إنّ حياته تحولت إلى جحيم بسبب فقدانه والديه، وأنه يعيش اليوم ظروفاً سيئة للغاية بعد أن بات مسؤولاً عن طفلين، أحدهما 5 أعوام والآخر عامين ونصف، بحسب “الميادين”.
ويجبر أبو اسليم للتنقل بين الحين والآخر بين منازل الأقرباء نظراً لضيق خيام النزوح وكثرة المسؤوليات لديهم، ما يدفعه بعض الأحيان للبحث عن أي فرصة للعمل لتوفير مبالغ مالية زهيدة تمكنه من شراء حاجيات لإخوته الصغار.
محمد الذي فقد طفولته مبكراً بسبب الاحتلال الإسرائيلي يؤكد أنه بالرغم من بكاءه كل ليلة على والديه وحياته الصعبة؛ إلا أنه يزداد إصراراً على الصمود بوجه الاحتلال.
الطفل الذي نجا برفقة أشقائه بصعوبة، يشدد على أنه في ظل المستقبل المجهول والحياة الصعبة التي تنتظره وإخوته؛ سيبذل جهداً من أجل تعويضهم عن غياب والديهم، قائلاً: "أقربائي يهتمون بنا ويقدمون لنا المساعدة، لكن ذلك لا يعوض غياب والدي ووالدتي".
ويشكل الأطفال ما نسبته 47% من سكان قطاع غزة، فيما استشهد نحو 16 ألفاً منهم في الحرب الإسرائيلية، في حين لا يعرف عدداً منهم مصير آبائهم في ظل تسجيل فقدان نحو 10 آلاف من السكان بمختلف مناطق القطاع.
وفي قصة أخرى، تعيش مها أبو سرية، ذات الثلاثة عشر عاماً مأساة لا تختلف عن مأساة محمد، فهي الآن من تقوم بالعمل عوضاً عن والدها الذي استشهد في قصف إسرائيلي بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، واضطرت عائلتها للنزوح إلى وسط القطاع.
أبو سرية، مسؤولة اليوم عن والدتها وسبعة من أشقائها وشقيقاتها، حيث تقوم بالعمل في مهن شاقة للغاية من أجل توفير الاحتياجات اليومية لعائلتها، وهي المهن التي لم تعتد عليها، ولم تكن تفكر يوماً أنها ستضطر للعمل فيها، وفق ما تؤكد لـلميادين نت.
فاضت دموع الطفلة أبو سرية وأجهشت بالبكاء، حزناً على فقدان والدها والحالة الاجتماعية التي انتقلت إليها بسبب الهجمات الإسرائيلية، قائلةً: "نعيش ظروفاً صعبة للغاية ونبكي طوال الليل والنهار على تبدل حياتنا، فبعد أن كانت سبل الحياة بأفضل حال، نعيش اليوم في أصعب الظروف".
وتضيف: "فراق والدي صعب للغاية، واليوم ننتظر مصيراً مجهولاً، فالحياة في خيام النازحين لا تطاق، والمساعدات لا تقدم لنا إلا بالحد الأدنى، وهي لا تعوض فقدان والدي"، مطالبةً بمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحق الطفولة الفلسطينية.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية لدور رعاية الأيتام في قطاع غزة 2800 طفلاً فقط، وهي التي توقفت عن العمل وتحولت إلى مراكز لإيواء النازحين بسبب الظروف الصعبة للحرب، فيما فقدت غزة المؤسسات المعيلة لهذه الفئة.
وبسبب ظروف الحرب لا توجد أي مؤسسة رسمية لرعاية العدد الكبير من الأيتام، علاوة على عدم توفر أي برامج دعم نفسي لهم، ما يزيد من أعبائهم الحياتية والاجتماعية، بما ينذر بكوارث غير مسبوقة على غزة مستقبلاً.
ويفيد المختص في الطب النفسي، أشرف زقوت، أن "الحرب تسببت بانعدام مستوى الرفاهية النفسية والاجتماعية للأطفال الفلسطينيين بغزة"، مشيراً إلى أنها وصلت إلى مستويات منخفضة جداً ومثيرة للقلق وفق التقديرات الدولية.
ويوضح زقوت، لـلميادين نت، أن جميع أطفال القطاع تعرضوا لأضرار كبيرة بسبب الحرب فمنهم المصابين والشهداء ومنهم الأيتام، الأمر الذي يؤكد حاجة من بقي على قيد الحياة لبرامج الدعم النفسي العاجلة.
"جميع الأطفال يعانون في قطاع غزة من اضطراب ما بعد الصدمة، ويعيشون نوبات متكررة من الهلع والخوف والعصبية، وعدد كبير منهم مصاب بالتبول اللاإرادي، علاوة على المشاكل النفسية المعقدة"، وفق الطبيب النفسي.
ويتابع: "الأطفال أصبحوا أكثر عدوانية بسبب ظروف الحرب، ومعدلات الخوف زادت لديهم خاصة أولئك الذين فقدوا أحد الوالدين أو كلاهما، وهناك حاجة ماسة لعلاجهم نفسياً".
وختم زقوت: "سيعاني الأطفال خاصة الذين أصبحوا أيتاماً من انعدام الأمن الاقتصادي، وربما نشهد تفشي ظواهر غير مسبوقة في المجتمع الفلسطيني خاصة تشرد الأطفال"، متابعاً: "نعمل على توثيق جرائم الاحتلال بحق الطفولة، وتقديم ملف كامل للمحاكم الدولية من أجل محاسبة إسرائيل عليها".