الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

محللان أمريكيان: تجاهل واشنطن لصعود تيار عالم الجنوب في أمريكا اللاتينية فرصة ذهبية لروسيا والصين

الثلاثاء 23/يوليو/2024 - 12:29 م
صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

أعادت الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إحياء تناقض المصالح الاستراتيجية بين "عالم الجنوب" و"عالم الشمال". ورغم أن مصطلح  "عالم الجنوب" يبدو إعادة اختراع لمفهوم "عدم الانحياز" الذي ساد أثناء الحرب الباردة ، فإنه يمثل مجموعة الدول التي لا ترغب في الانضمام إلى المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة ولا المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق.

 

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية يقول الدكتور سكوت ماكدونالد كبير خبراء الاقتصاد في مركز سميث للأبحاث وزميل مركز اتحاد سياسات الكاريبي، وجورجس فريول الباحث البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن مصطلح "عالم الجنوب" يشير إلى مجموعة مهمة من دول العالم تبحث عن مسار مستقل بين عضوية المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة ومعسكر أقل تماسكا للدول السلطوية يتجمع حول روسيا والصين.

 

ويتيح مفهوم  عالم الجنوب  بمعناه الأوسع نطاقا بديلا لاختيار أي جانب مع السماح لدوله بالاحتفاظ بكافة الخيارات الاقتصادية مفتوحة امامها. ويعتبر  الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا متحدثا مفوها باسم عالم الجنوب في امريكا اللاتينية والبحر الكاريبي مثل الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو ورئيسة وزراء باربادوس ميا موتلي. ورغم أن عالم الجنوب مازال إطارا نظريا فضفاضا ويفتقد إلى الوجود المؤسسي، فإنه يتسلل إلى السياسات الخارجية لدول الكاريبي وأمريكا اللاتينية. لذلك فإن واشنطن تحتاج إلى فهم هذا التوجه  بصورة أفضل  بغض النظر عمن سيتم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة يوم 20 كانون الثاني/يناير المقبل بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

 

والحقيقة أن مصطلح "عالم الجنوب" مفيد ومثير للجدل في وقت واحد. وقدم خورخي هاين سفير شيلي السابق لدى الصين تعريفا محتملا. وأشار إلى أنه "إعادة اصطفاف عالمي محتمل" بين مجموعة من الدول "التي كانت غالبا تعاني في ظل النظام الاستعماري الإمبريالي... نظرا للاختلال السابق في العلاقات بين الكثير من دول عالم الجنوب وعالم الشمال في عصر الإمبراطوريات الاستعمارية والحرب الباردة، فلا عجب اليوم أن نرى الكثير من الدول لا ترغب في الانحياز إلى أي قوة عظمى واحدة.

 

وتبحث أغلب دول عالم الجنوب عن درجة ما من الاستقلالية والمرونة في  تعاملها مع مراكز القوة الاستراتيجية  العالمية وهي واشنطن وبكين وموسكو. وفي الوقت نفسه يجب أن يحقق مفهوم عالم الجنوب توازنا مع تجمع بريكس  الذي تأسس على يد البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وتعمل الصين جاهدة على إعطاء هذا التجمع صبغة صينية، من خلال دعم التحول عن استخدام الدولار في التعاملات التجارية الدولية وإنشاء بنك تنموي للتجمع والدعوة إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب. وتم ضم مجموعة جديدة من الدول إلى تجمع بريكس مؤخرا. ولكن بعد انتخاب الرئيس اليميني خافيير ميلي لرئاسة الأرجنتين رفضت عضوية تجمع بريكس.

 

ويرى المحللان سكوت ماكدونالد وجورجس فريول أن انسحاب الأرجنتين من تجمع بريكس  يبرز التحديات التي تواجه قيام منصة مشتركة لعالم الجنوب داخل أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.  وكانت الإرهاصات الأولى لتوجه عالم الجنوب بقيادة الرئيس البرازيلي لولا الذي أعرب عن طموحاته العالمية بما في ذلك السعي لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا  والدعوة إلى وحدة أمريكا الجنوبية  ومواجهة التغير المناخي.  ويعتبر الأمن الغذائي أقوى ورقة في يد لولا لقيادة عالم الجنوب حيث تعتبر بلاده من أكبر منتجي فول الصويا واللحوم والبن والسكر في العالم. في الوقت نفسه فإن دول الجنوب الكبرى الأخرى مثل روسيا والصين والمملكة العربية السعودية  والعديد من الاقتصادات النامية تعتمد بدرجة كبيرة على الصادرات الزراعية البرازيلية لتغطية أجزاء مهمة من الاحتياجات الغذائية لشعوبها.

 

وتعتبر الحرب الإسرائيلية في غزة مشكلة كبيرة بالنسبة لجهود توحيد دول أمريكا الجنوبية. فالأرجنتين مؤيدة لإسرائيل، ورئيسها ميلي زار تل أبيب في شباط/فبراير الماضي وأعلن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة وهي الخطوة التي أثارت غضب الكثير من الدول العربية لكنها قربت الأرجنتين من الولايات المتحدة.  كما ازداد توتر العلاقات البرازيلية الأرجنتينية بعد رفض الأرجنتين عضوية تجمع بريكس.

 

وفي تناقض حاد مع موقف الأرجنتين، اختارت البرازيل تأييد دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل امام محكمة العدل الدولية واتهامها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ثم  سحبت سفيرها لدى إسرائيل في أيار/مايو الماضي. كما شبه لولا أعمال إسرائيل في غزة بمحارق النازيين ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، واستدعى سفير بلاده لدى تل ابيب. وقرر الرئيس الكولومبي بيترو  قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وأوقف تصدير الفحم إليها حتى توقف مذابحها في غزة. كما قطعت بليز وبوليفيا علاقاتهما مع إسرائيل واستدعت شيلي وهندوراس سفيريهما منها.

ويقول المحللان ماكدونالد وفريول أن تعامل الولايات المتحدة مع هذه التطورات لم ينطلق من القلق من الإجماع الناشئ في أمريكا اللاتينية على مفهوم عالم الجنوب، وإنما بتأثير ذلك على "الحرب الباردة الجديدة" التي تقودها الصين اعتمادا على الدبلوماسية الاقتصادية التي تستخدمها بكفاءة لاستقطاب الدول النامية والناشئة إلى صفها.

 

فالصين شريك تجاري رئيسي للعديد من دول أمريكا اللاتينية  بما فيها البرازيل وشيلي وبيرو. كما أنها مصدر الاستثمارات الأجنبية في تلك الدول وقوة دفع كبيرة لمشروعات البنية التحتية فيها. وتسوق بكين نفسها لدى الدول باعتبارها الخيار الذي يحقق المصلحة للطرفين. كما تتلخص وجهة نظر الصين في أن قوة الولايات المتحدة تتراجع، ولم تعد قادرة على "منع القارة (أمريكا الجنوبية) من السعي إلى الاستقلال والتنمية على أساس المصالح الخاصة لدولها".".

وبغض النظر عن تواجهاتهم السياسية، يتعين على صناع السياسة الأمريكية العمل بجد من أجل تحقيق المصالح بين الانقسامات الداخلية متزايدة الاتساع والمصالح الوطنية في الخارج. علاوة على ذلك فإن الصراعات الدولية المستمرة مثل حرب أوكرانيا وحرب غزة تثير توترات متزايدة مع الصين وتؤجج التنافس الجيوسياسي والجيواقتصادي بين بكين وواشنطن  في أمريكا اللاتينية وأفريقيا ويهدف  بالقضاء على النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية وتقوده  الولايات المتحدة والذي أصبح يعاني من الهشاشة بالفعل. وللمحافظة على هذا النظام قائما، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها في عالم الشمال إقناع دول عالم الجنوب بأن العمل مع القوى الليبرالية أكثر جدوى من الانحياز إلى الأنظمة السلطوية التي فشلت في تحقيق التنمية مثل كوبا ونيكاراجوا وفنزويلا وإيران وكوريا الشمالية.

 

وأخيرا فإن فشل الولايات المتحدة في إدراك  صعود تيار عالم الجنوب في أمريكا اللاتينية بغض النظر عن حداثة هذا المصطلح  حاليا، يهدد بسقوط هذا الجزء من العالم  تحت سيطرة بكين وموسكو.