تشاتام هاوس: كامالا هاريس تفتح الباب أمام تغيير الموقف الأمريكي من حرب غزة
بعد انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من السباق الرئاسي، وتقدم نائبته كامالا هاريس لخوض السباق عن الحزب الديمقراطي في مواجهة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، يمكن القول إن كامالا هاريس في حال فوزها ستكون الأكثر خبرة في السياسة الخارجية بين كل الرؤساء الجدد للولايات المتحدة منذ الرئيس جورج بوش الأب الذي قاد الولايات المتحدة خلال الفترة من 1989 إلى 1992.
في الوقت نفسه كشفت تصريحات ومواقف هاريس الأخيرة عن تبنيها رؤية مختلفة بالنسبة للحرب التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث قالت عقب لقائها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن يوم الخميس الماضي "لا يمكننا أن نغضّ الطرف عن هذه المآسي (التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة). لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح مخدَّرين تجاه المعاناة، وأنا لن أصمت"، مشيرة إلى أنها أكدت لرئيس الوزراء الإسرائيلي "قلقها العميق" إزاء عدد الضحايا في القطاع وأن الوقت حان لوضع حدّ للحرب "المدمّرة" المستمرّة في غزة منذ أكثر من تسعة أشهر.
وفي تحليل نشره المعهد الدولي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني تقول هيثر هورلبورت الزميل المشارك في برنامج أمريكا والأمريكتين بالمعهد إن اختيار هاريس المشاركة في تجمع انتخابي بدلاً من حضور خطاب نتنياهو أمام الكونجرس يوم الأربعاء الماضي ، يقدم لنا إشارة واحدة إلى التحول الذي قد نتوقعه معها في السياسة الخارجية الأمريكية خاصة وأن نصف الديمقراطيين في الكونجرس اتبعوا خطاها وقاطعوا خطاب نتنياهو.
ليس هذا فحسب، بل ففي أوائل كانون الأول/ديسمبر الماضي خرجت تسريبات من البيت الأبيض تقول إن نائب الرئيس كانت تريد تبنى موقفا أكثر تشدد ضد طريقة رئيس الوزراء الإسرائيلي في إدارة الحرب ضد الفلسطينيين. وفي ظهور علني في كانون أول/ديسمبر وآذار/مارس الماضيين تبنت هذا الموقف المتشدد. كما اعترفت بشكل علني بالتكلفة الإنسانية الهائلة التي يدفعها المدنيون الفلسطينيون في الحرب، وبشكل لم يفعله بادين.
وتقول المحللة هورلبورت التي تتمتع بخبرة كبيرة في تحليل وشرح الفجوة بين ممارسة الشؤون الدولية وواقع السياسة في الولايات المتحدة، إنه رغم أن النقطة الخلافية بسيطة لكنها يمكن أن تعطي مؤشرا مهما عن توجهات هاريس بشكل عام، مضيفة أن هاريس كانت حريصة ولكنها حازمة في الرسالة التي أرادت توصيلها بشأن الحرب في غزة. وتنسجم هذه الرسالة تمامًا مع آراء الجمهور الأمريكي، والناخبين الأصغر سنًا على وجه الخصوص في الحرب الدائرة ومعارضته لاستمرارها.
وبحسب تحليل هورلبورت مديرة مشروع "النماذج الجديدة لتغير السياسة" في برنامج الإصلاح السياسي بمعهد "أمريكا الجديدة" للأبحاث تمثل هاريس البالغة من العمر حوالي 59 عاما تغيير أجيال واضح. فهي تتبنى وجهة نظر عالمية للأمور، كما هو منتظر من ابنة مهاجرين أمضت جزءا من طفولتها في كندا. كما أنها ستتولى منصبها مع فريق من ذوي الخبرة حولها. ويمكن القول إن الأمريكيين لن يجدوا من بين كل الرؤساء السابقين حتى جورج بوش الاب، رئيسا يتولى الرئاسة لأول مرة ولديه الخبرة في السياسة الخارجية كالتي لدى هاريس.
وتتحدث المرشحة الديمقراطية وتكتب باستمرار عن والديها المهاجرين وتستخدم الأقوال الشعبية لأهل والدتها من جنوب شرق آسيا في حملتها الانتخابية وتشير إلى رحلات عائلتها إلى أفريقيا أثناء زياراتها الرسمية.
والحقيقة هناك نسبة كبيرة ومتزايدة من الأمريكيين الآن من أبناء مهاجرين. وحتى عام 2019 كان أكثر من واحد من كل 10 مواطنين أمريكيين وأكثر من 25% من الأطفال الأمريكيين أحد والديهم على الأقل مهاجر.
وفي حين يمكن القول إن التزام بايدن العميق تجاه حلف شمال الأطلسي (ناتو) وإسرائيل يعكس حقيقة الشواغل الأمريكية الرئيسية في فترة شبابه وتكوينه. فإن هاريس تمثل أجيالا جديدة من الأمريكيين الذين يعتبرون حلف الناتو وإسرائيل مجرد شيئين مهمين ضمن أشياء أخرى عديدة مهمة يجب الالتزام بها. كما أن الخوف من التهديدات التي تمثلها دول معين يبلغ ذروته لدى الأمريكيين من كبار السن لكنه يتراجع لدى الشباب الذين يرون أن قضايا مثل التغير المناخي وحقوق الإنسان تستحق قدرا أكبر من الاهتمام.
والحقيقة أن هاريس لديها خبرات استثنائية متراكمة في مجال السياسة الخارجية نتيجة عضويتها في لجنة الاستخبارات والأمن الداخلي في مجلس الشيوخ، وهو ما أتاح لها الاطلاع على بنود شديدة السرية ومثيرة للجدل في سياسة الأمن القومي الأمريكي. كما اشتهرت خلال عضويتها في هذه اللجنة بالاستعداد الجيد لجلسات الاستماع واستجواب مسؤولي الأمن القومي الأمريكي الذي يتحدثون أمام اللجنة، وهو أمر متوقع من مدع عام اتحادي ناجح قبل انتخابها لمجلس الشيوخ.
ورغم أنها لم تتعرض لأي قضية دولية مهمة أثناء وجودها في الكونجرس، فإن أي خبير سياسي سيقول إن هذا أمر إيجابي وليس سلبيا بالنسبة لمرشح رئاسي في لبيئة الإعلامية الأمريكية.
في الوقت نفسه أتاح لها منصبها كنائب للرئيس الأمريكي خلال السنوات الأربع الأخيرة الفرصة للقيام بـ 17 زيارة خارجية وهو ما يعكس رؤية بايدن لدور نائبته من ناحية وقلة سفرياته هو من ناحية أخرى. كما مثلت الرئيس الأمريكي في العديد من المؤتمرات الدولية المهمة ومنها مؤتمر ميونيخ للأمن بعد فترة قصيرة من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، إلى جانب قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) وقمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وقمة المناخ العالمية كوب 28 في دبي. كما تواصلت بكثافة مع قادة المكسيك ودول أمريكا الوسطى وزارت هذه الدول في إطار مسؤوليتها عن ملف الهجرة في الإدارة الأمريكية إلى جانب زيارة ثلاث دول في أفريقيا.
كل هذا يجعل هاريس الأكثر خبرة في السياسة الخارجية مقارنة بأي رئيس أمريكي جديد على الأقل خلال أكثر من ثلاثة عقود مضت. ولا ينافسها في هذا السياق سوى جورج بوش الأب الذي كان نائبا للرئيس رونالد ريجان لمدة 8 سنوات، كما كان رئيسا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.آبي.أيه) وعضوا في الكونجرس وهو ما اتاح له تكوين خبرة كبيرة في مجال السياسة الخارجية قبل وصوله إلى البيت الأبيض في 1989.
من ناحيته يقول جيم ليندساي الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن وجهة نظر هاريس في السياسة الخارجية خلال حملتها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2020 كان بصورة غير ملحوظة ضمن التيار العام للحزب. وأثناء خدمتها كنائب للرئيس أيدت بقوة أوكرانيا وقادت الهجوم على تهديدات الرئيس السابق ترامب بتخلي الولايات المتحدة عن الدفاع عن حلفائها في حلف الناتو.
ورغم التوافق الكبير في وجهات النظر بشأن السياسة الخارجية بين هاريس ورئيسها بايدن، كان واضحا أن هناك اختلافا بشأن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.