السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الحب والموت فى لندن (5)

الإثنين 18/يناير/2021 - 08:37 م

ما حدث "علي كامل فهمي"، وزوجته الفرنسية "ماجي ميلر"، يجلسان على ظهر يخته الخاص في شهر العسل، حين مرَّ إلى جوار اليخت أحد الزوارق البخارية المملوكة لشركة "كوك" للسياحة، ولسوء حظ قائده المراكبي المصري العجوز أنه لم يستطع التحكم في توجيه دفته، وكاد يصدم باليخت، لولا أن ربانه تنبه، واستطاع في اللحظة الأخيرة أن يتفادى الاصطدام بالقارب، وحال دون وقوع الكارثة.

وكان الاهتزاز الذي نجم عن الزورق البخاري المملوك للشركة العالمية "كوك" للسياحة عند محاولته تفادي الاصطدام بيخت البرنس "علي كامل فهمي"، كاد ينزع الأمير من فوق مقعده مما أثار غضبه، فأصر على تأديب قائد الزورق، ونفخ في صافرته الذهبية التي تحلّيها الأحجار الكريمة، والتي يستدعي بها أتباعه، وبعد ثوانٍ قليلة كان الزورق الصغير التابع للأمير والملحق باليخت قد لحق بالزورق البخاري، وقفز أتباع الأمير إلى سطحه وأوقفوا محركه وقبضوا على المراكبي ومساعده، وعادوا بهما في زورقهما إلى اليخت، وما كادا يمثلان أمام الأمير حتى انحنيا على قدميه يقبلانهما طالبين عفوه، لكن الأمير الذي بدا في منامته الحريرية السوداء أشبه بالمارد، انتزع نبُّوتـًا من أحد أتباعه، وانهال به على الرجلين اللذين تجاوزا السبعين، وظل يواصل ضربهما بوحشية حتى كادا يهلكان بين يديه، ثم أمر رجاله بإبعادهما عن مسار يخته، فحملوهما في الزورق وألقوا بهما على الشاطئ وكان آخر ما رأته "ماجي" منهما هو مشهدهما وهما يلطمان وجهيهما بجنون بعد أن بات مستحيلًا عليهما أن يدركا قاربهما الذي كان يتهادى في عرض النيل بلا قائد!

وكانت "ماجي" في أثناء عقابهما تصرخ فيه تطالبه بالتوقف، وهو يرد بعبارة واحدة: هذا هو ما يليق بمثل هذا النوع من البشر.

ضاقت "ماجي" بتصرفاته الشرقية، وبدأ الصراع يتطور حتى أخذ الزوج يعامل مارغريت -التي تكبره بعشرة أعوام؛ إذ كانت في الثالثة والثلاثين- باعتبارها جاريةً يملكها، فيضربها أمام خدمه ويهجرها، تعددت المشاجرات بينهما بإيقاع متزايد لدرجة جعلت كل الذين يحيطون بهما يجزمون -في أعقاب كل مشاجرة- بأنها الأخيرة، ويتوقعون أن يكون الطلاق هو الخطوة المتبقية التي تتلوها، لكنهم كانوا يفاجأون -في كل مرة- بالزوجين يخرجان عليهم وهما يتضاحكان، وكأن شيئـًا لم يكن.

وخلال الأسابيع التي استغرقتها رحلة اليخت من القاهرة إلى الأقصر لقضاء شهر العسل، عاملها الزوج بقسوةٍ، في محاولةٍ للسيطرة على تصرفاتها التي أثارت في نفسه الغيرة والشكوك، لدرجة أن الرعب تملكها، فكتبت رسالة إلى محاميها المصري البروفيسور أسود، وطلبت من وصيفتها الفرنسية أن ترسلها له بالبريد، وألحقت بالرسالة وثيقة طلبت من المحامي أن يحتفظ بها.

جاء في نص هذه الوثيقة: "أنا ماري- مارجريت ليبير.. أقر وأنا مالكة لقواي العقلية تمامـًا أنني في حالة مصرعي بالعنف، أو وقوع أي مكروه لي.. أتهم رسميـًا زوجي "علي بك" بأنه قد ساهم في اختفائي من الحياة.. ذلك أنه في الساعة الثالثة من بعد ظهر أمس- 21 يناير 1923- تناول القرآن ثم لثمه.. ثم وضع يده عليه، وأقسم بأن ينتقم لنفسه مني ذات يوم، سواء غدًا أو بعد غد أو بعد أسبوع أو شهر أو ثلاثة أشهر.. المهم أن أختفي من الأرض بيده..وقد أقسم زوجي هذا القسم دون أدنى سبب مفهوم، سواء من غيرة أو سوء سلوك أو مشهد عاصف جانبي.. لذلك فإنني أرغب، بل وأطالب بإنصاف ابنتي وأسرتي من عواقب فعلته.. والثأر لي منه".

لكن المفارقة وقعت؛ إذ كانت "ماجي" ذات الجسم الصغير والمثير هي التي أقدمت على قتل زوجها بإطلاق الرصاص عليه في ظهره