حكايات معسكر الموت بسجن صيدنايا.. الداخل مفقود والخارج مولود
كان المسلخ البشري هو الوجهة الأهم للسوريين بعد أنباء سقوط النظام السوري لبشار الأسد، في أمل للبحث عن وجود أثر لذويهم الذين انقطعت أخبارهم لشهور وربما سنوات وعقودا سواء لأباء أو أمهات أو زواج و زوجات وحتى أطفال صغار.
حكايات معسكر الموت بصيدنايا
والعنوان هو سجن صيدنايا في ريف دمشق، والبحث مازال مستمرا لحل اللغز وفك شفرة أبواب الزنازين التي سجن بها المعتقلين منذ سنوات وعقود ولايعرفون حتى هذه اللحظة ان نظام الأسد قد سقط.
وأكد ناشطون أن بعض السجناء ما زالوا عالقين تحت الأرض في السجن الأحمر، دون طعام أو ماء، مشيرين إلى أن حراس السجن هربوا وتركوهم خلف القضبان.
ورصدت مشاهد أحبال إعدام المعتقلين في سجن "صيدنايا"، وقد أكد عدد من المعتقلين الذين تحرروا اليوم، أنهم كانوا على بعد دقائق قليلة من تنفيذ أحكام الإعدام ضدهم.
وقد تخطت مآسي السوريين القصص الخيالية أو أفلام السينما، و ليست من نسج المبالغة، تلك التي زادت أزمات بعض المفرج عنهم من سجون بشار الأسد، بعد عقد من الزمن قضوها في غياهب التعذيب الأسدي، وعادوا إلى ذويهم وأهليهم ليتفاجئوا بزواج زوجاتهم في غيابهم، حين لعبت مخابرات أسد بمشاعرهم ومقدساتهم وأبلغتهم بوفاة أزواجهن وأصبحن بحكم الشرع “الأرامل".
معتقلين تفاجئوا أن زوجاتهم أصبحوا محرمين عليهم
قصص رعب يرويها معتقولون من داخل سجن صيدنايا وآخرين تفاجئوا أن زوجاتهم أصبحوا محرمين عليهم
أولى القصص، كانت لشخص قضى أكثر من عشرة أعوام في سجن صيدنايا، وفقد ذاكرته وأنهك جسده من التعذيب، ولم يتذكر أحد من أهله سوى زوجته حب عمره، لكنه عندما رجع إلى قريته وجد زوجته تزوجت بعد 8 سنوات من دخوله المعتقل وسافرت إلى أوروبا مع أبنتيها اللاتي كانت تعتقد أنهم يتيمتين، بعد أن أجبرها رجال الاستخبارات في نظام الأسد أن زوجها المعتقل قد مات في السجن.
والقصة الثانية لاتقل وجعا عن السابقة عندما خرج أحد المعتقلين من سجن صيدنايا و وجد زوجته تزوجت من شقيقه بعد إخبار عائلته بأنه توفي في المعتقل.
فإن جيش الأسد لم يكتفي باعتقال مئات آلاف السوريين وتغييبهم قسريا في أقبية التعذيب، بل اتبعت أسلوبا "شيطانيا" بإخفاء حقيقة مصيرهم عن ذويهم، لتزيد عذاباتهم وتبقي جراحهم نازفة طول عشر سنوات مضت، إلى جانب التلاعب بمشاعر ذويهم وخداعهم بمصير "كاذب"، عبر إبلاغهم بوفاة الكثيرين من المعتقلين، وهو ما دفع عشرات النساء لاعتبار أنفسهن "أرامل" والزواج مرة أخرى (بشكل شرعي) بعد إبلاغهن بشكل رسمي بوفاة أزواجهن في المعتقل.
رغيد الططري عميد السجناء السوريين
وفي واحدة من أطول قصص الاعتقال السياسي في التاريخ السوري، أعلنت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا عن تحرر الطيار رغيد الططري، عميد المعتقلين وأقدم سجين سياسي في سوريا، بعد اعتقال استمر 43 عاماً في سجون النظام.
وتعود قصة الططري، الطيار في سلاح الجو السوري، إلى عام 1980 حين رفض الامتثال لأوامر عسكرية بقصف مواقع في مدينة حماة خلال الاحتجاجات التي شهدتها المدينة آنذاك، ليتم اعتقاله على إثر هذا الموقف الإنساني.
قصص مروعة عن غرف الملح
نشرت وكالة الأنباء الفرنسية شهادات لمعتقلين سابقين في سجن صيدنايا التابع للنظام السوري السابق، يروون قصصا مروعة عن "غرف الملح"، وهي بمثابة قاعات لحفظ الجثث بدأ النظام باستخدامها خلال سنوات النزاع الذي اندلع في العام 2011، مع ارتفاع أعداد الموتى داخل السجن. وتقول رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا إن إدارة السجن لجأت لغرف الملح لعدم وجود برادات تكفي لحفظ جثث المعتقلين الذين يسقطون بشكل شبه يومي فيه جراء التعذيب.
قبل نقل أحد المعتقلين الذي طلب عدم ذكر اسمه، من السجن إلى المحكمة في أحد أيام شتاء 2017، دفعه أحد الحراس داخل غرفة لم يرها من قبل، فإذا بقدميه الحافيتين تغوصان في كميات من الملح الصخري.
لم يكن عبده قد ذاق طعم الملح قبل عامين منذ دخوله إلى سجن صيدنايا سيئ الصيت قرب دمشق، الذي يمنع القيمون عليه الملح في طعام السجناء، فما كان منه إلا أن اغترف بيده كمية من الملح الذي يغطي الغرفة، واستمتع بمذاقه بعد دقائق قليلة، تجمد رعبا عندما تعثر بجثة نحيلة ملقاه على الملح وإلى جانبها جثتان أخريان. ويروي لوكالة الأنباء الفرنسية التجربة "الأكثر رعبا" في حياته في سجن يصفه معتقلون سابقون بـالقبر أو معسكر الموت.
و دخل معتقل آخر تلك الغرفة يوم أبريل 2014، وفي تلك اللحظة شعر وكأن قلبه سيخرج من صدره من شدة الخفقان، بعدما ناداه السجان لإطلاق سراحه، لا يزال يتذكر كل تفاصيل ذلك اليوم، وبينها طعام الإفطار الذي كان عبارة عن قطعة خبز و3 حبات زيتون.
ودع المعتقل رفاقه وسار فرحا خلف سجانه، لكنه فوجئ بطلب منه، وهو دخول غرفة لم يرها سابقا.
وتابع "غرقت قدمي في مادة خشنة. نظرتُ، فإذا به ملح بعمق 20 إلى 30 سنتيمترا"، مشيرا إلى أنه الملح الصخري .
تذوق المعتقل بعض الملح المحروم منه في السجن، لكن سرعان ما وقعت عيناه على 4 أو 5 جثث ملقاة في المكان ، ويقول: "شعور لا يوصف، أصعب من لحظة الاعتقال. قلت لنفسي سيعدمونني الآن ويضعونني بينهم… أنا أساسا أشبههم".
و حين دخل السجن عام 2011، كان يزن 98 كيلوغراما، لكن حين خرج منه كان وزنه لا يتجاوز 42 كيلوغراما.
ويضيف: "كانت الجثث تشبه المومياء، وكأنها محنطة… كانت عبارة عن هيكل عظمي مكسو باللحم يمكن أن يتفكك في أي لحظة".
بقي المعتقل في الغرفة 3-4 ساعات، ويقول: "كان الملح يذوب من تحتي، من شدة تصبب العرق مني".
ويضيف المعتقل السابق، الذي لا يزال يتذكر أسماء أصدقاء توفوا إلى جانبه في السجن جراء الضرب والأمراض، "ليست الجثث ما أثر بي.. بل فكرة أنني بت أنتظر إعدامي".
من شدة الخوف، تبول معتصم في الغرفة، ثم سارع إلى تغطية البول بالملح حتى لا يعرف الحارس.
ويشير المعتقلان السابقان إلى عدم انبعاث أي رائحة كريهة من الغرفتين، وإلى أنهما لم يتمكنا من تحديد سبب وضعهما فيهما لبعض الوقت. ويقول معتصم "قد يكون ذلك لإخافتنا".