مرصد الأزهر يكشف أسباب التصعيد الإسرائيلى ضد فلسطين
الأربعاء 19/مايو/2021 - 11:15 ص
أصدرت الوحدة الإعلامية بمرصد الأزهر، اليوم الأربعاء، تقريرا بعنوان "لماذا التصعيد الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى فى هذا التوقيت؟، رصدت من خلاله الأسباب وراء العدوان الإسرائيلى على الفلسطينين فى هذا الوقت.
وجاء فى التقرير، في تصعيدٍ لم يختلف كثيرًا عمّا سبقه من انتهاكاتٍ ضد الفلسطينيين، يواصل الكيان الصهيوني انتهاكاته الدموية واستغلاله للفرص التي تتاح أمامه لتوجيه ضرباته العسكرية ضد الفلسطينيين العزل، ومما حدث ويحدث يحق لنا بكل يقين القول إن هذا الكيان الغاصب لأراضي الشعب الفلسطيني قد مارس -ولا يزال- الإرهاب بكافة أشكاله منذ أن وطأت قدمه أرض دولة فلسطين.
ومنذ الساعات الأولى في شهر رمضان المبارك والأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة خاصة مدينة القدس تحتدم وتتصاعد؛ حيث عمد الاحتلال الصهيوني إلى التضييق على المصلين في المسجد الأقصى، وذلك بالتزامن مع نظر المحكمة العليا الصهيونية لقضية إخلاء عائلاتٍ فلسطينيةٍ من منازل تقيم بها في حي الشيخ جراح بالقدس لصالح جمعيات استيطانية.
وقد أدّت هذه القضية دورًا كبيرًا في تأجيج التوتر الحالي في المدينة المحتلة؛ إذ شارك نشطاء فلسطينيون وأهالي الحي في احتجاجات متواصلة اعتراضًا على إخلاء منازلهم لصالح تلك الجمعيات الاستيطانية.
هذه الاحتجاجات جاءت على الرغم من تقريرٍ سري أرسله المستشار القانوني للحكومة الصهيونية "أفيخاي مندلبيت" إلى المحكمة العليا تتضمن تقديرات الموقف من قبل الأجهزة الأمنية التي تشمل: الشاباك والشرطة والاستخبارات في الجيش ومجلس الأمن القومي. ولعل ذلك يفسر قرار المحكمة بتأجيل النظر فيها لمدة شهر، وهو التأجيل الثالث لها.
وجاءت تقديرات تلك الجهات لتؤكد خطورة عملية إجلاء السكان الفلسطينيين من حي الشيخ جراح على الأوضاع في المدينة المحتلة بل والمنطقة بأسرها.
وكان مستوطنون قد حصلوا بدعم من المحاكم الصهيونية على منازل في الشيخ جراح بالقدس الشرقية، مستندين إلى أن عائلات يهودية كانت تعيش هناك قبل حرب عام 1948، وحاليًا يريدون إخراج فلسطينيين آخرين من منازلهم ضمن خطة الاحتلال الخبيثة لتغيير معالم مدينة القدس ديموغرافيًا لإثبات يهوديتها زيفًا.
هذا "التقرير السري" المرفوع للمحكمة، والذي كشفت عنه وسائل إعلام صهيونية يطرح تساؤلًا حول هدف حكومة الاحتلال الحقيقي من تصعيد التوتر في الأراضي المحتلة وإلام ترمي بهذا؟! ..
وللإجابة عن هذا التساؤل يجب العودة إلى الأوضاع الداخلية في الكيان الصهيوني. ففي وقت سابق أعلن المستشار القانوني للحكومة - الذي سبق أن رفع تقريره السري للمحكمة يحذّر فيه من مغبّة توتر الأوضاع في الشيخ جراح- رفضه القاطع للتوصل إلى صفقة مع رئيس حكومة الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، تقضي باعتزاله السياسة مقابل إغلاق الملفات المنظورة في القضاء ضده.
ووفق ما نشرته صحيفة "جيورزاليم بوست" فإن مستشار الحكومة هدد بإقالة نتنياهو من منصبه، إذا استمر في استغلال سلطات منصبه لعرقلة محاكمته بتهم الفساد؛ فرئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" يسعى إلى لفت الأنظار بعيدًا عن فشله في تشكيل الحكومة بعد خسارة الانتخابات، في ظل ما يواجهه من تهم بالفساد قد تودي به إلى السجن في حال خسارة منصبه؛ لذا يمكن القول إن هذا التصعيد يهدف في المقام الأول إلى استمالة المستوطنين المتطرفين لتدعيم نفوذه على الأرض، وتأجيج الوضع الداخلي في مدينة القدس ليمتد أثر ذلك إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بما يشكل عملية ضغط وإرباك لخليفته في الحكومة، وهو ما حدث بالفعل.
هذا التصعيد الصهيوني الأخير، حللته عايدة توما، النائبة في الكنيست عن الجبهة الديمقراطية في القائمة المشتركة، خلال النقاش الذي طُرح بـإذاعة "مونت كارلو الدولية" حول تلك الأوضاع، بأن نتنياهو "البائس" -كما وصفته- يقوم بمثل ما قام به "نيرون" من حرق روما، حيث يصرّ رئيس الوزراء على إشعال الأوضاع قبل ترك منصبه بعد يأسه من الاستمرار في السلطة والخروج من مأزق قضاياه المتداولة في المحاكم رغم التحذيرات التي أطلقت داخل حكومته من مغبّة هذه التحركات على المنطقة بأسرها.
كما وصف زعيم حزب يش عتيد، يائير لبيد، الذي يعتبر خليفة نتنياهو وألد خصومه، الأوضاع الداخلية الحالية بـ "التهديد الوجودي" بعد تصاعد الاضطرابات العنيفة المستمرة بين المستوطنين والفلسطينيين، وقال في خطاب متلفز "نحن على شفا الهاوية" جرّاء ما اعتبره اقتتالًا عرقيًا، متعهدًا ببناء ائتلافٍ حاكمٍ بديل، وإنهاء حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي استمر 12 عامًا.
أما رئيس الكيان المحتل، رؤوفين ريفلين، فقد حذّر من احتمال نشوب ما وصفه بـ"الحرب الأهلية"، معتبرًا ما يحدث داخل الأراضي المحتلة بين المستوطنين والفلسطينيين بـ "الجنون".
كل هذه التحذيرات من جانب ساسة الكيان الصهيوني المحتل تؤكد خطورة الأوضاع الداخلية التي تعمّد "نتنياهو" تأجيجها وإشعال فتيل الأزمة، وهو ما يؤكد إدراكه لعواقب ما أقدم عليه جيدًا.
وما طرحه مرصد الأزهر من رؤية للوضع السياسي في الكيان المحتل، ناقشه مقال منشور بصحيفة "الفايننشال تايمز" تحت عنوان: "قد يكون بنيامين نتنياهو في نهاية الطريق"، ليؤكد المأزق السياسي الذي يواجهه رئيس الوزراء مؤخرًا.
هذه النية الخبيثة لـ "نتنياهو" بدأت تسري سمومها مع قرار تطويق بوابة العامود التاريخية المؤدية إلى المدينة القديمة، حيث تقوم العائلات الفلسطينية بالتجمع خلال الإفطار في تقليد سنوي لها، مما ساهم في تأجيج الأوضاع إلى جانب قرار إخلاء منازل فلسطينية في حي الشيخ جراح.
وما يؤكد خطورة الإجراءات الاستفزازية التي اتخذها الكيان المحتل منذ بداية شهر رمضان، ما ذكر في مقال لمراسلة صحيفة "الإندبندنت" أونلاين في الشرق الأوسط "بيل ترو" الذي جاء بعنوان: "القدس على حافة الهاوية منذ أسابيع.. إليكم السبب"، لفتت المراسلة إلى أن تفاقم الأوضاع في القدس جاء بقرار من سلطات الاحتلال خلال شهر رمضان، معتبرة ذلك القرار بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير". كما رأت "بيل ترو" أن القرار الخاص بإخلاء حي الشيخ جراح يرقى إلى جرائم حرب وفقًا للأمم المتحدة في حين تصفه الخارجية الصهيونية بـ"نزاع عقاري خاص".
ونأتي لأهم جزء في مقال مراسلة "الإندبندنت" والذي يظهر الأهداف الحقيقية لتصعيد الاحتلال للأوضاع في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد قالت "بيل ترو": "الفوضى في القدس والصراع مع الفلسطينيين قد يجعلان من الصعب على يائير لبيد تشكيل ائتلاف لا سيما إذا كان بحاجة إلى الاعتماد على تحالف مع الأحزاب العربية في البرلمان".
و"يائير لبيد" صحفي ومذيع تليفزيوني سابق، مكلف بتشكيل حكومة الاحتلال الائتلافية خلال 28 يومًا، وهو أقوى خصوم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، وما يعيق "لبيد" عن تشكيل حكومته هو الخلافات الأيديولوجية بين الأحزاب، المقرر انضمامها له. وفي حال فشل "لبيد" في الحصول على أغلبية في البرلمان المكون من 120 مقعدًا، فهذا يعني إجراء الانتخابات للمرة الخامسة في غضون عامين، مما يوضح عمق الأزمة السياسية الداخلية في الكيان الغاصب.
ومن النقاط اللافتة في سيرة المُكلف الجديد بتشكيل حكومة الاحتلال، هي علاقته المضطربة مع نتنياهو، فقد عزله الأخير بعد توليه حقيبة المالية عقب حصول حزب "يش عتيد" المنتمي له على 19 مقعدًا في الكنيست بانتخابات عام 2013. أما النقطة الثانية في علاقة "لبيد" بـ "نتنياهو"، أن الأول كان شاهدًا رئيسيًا في إحدى قضايا الفساد التي كانت الشرطة تحقق فيها مع نتنياهو عام 2018.
وهذه النقاط التي أشرنا إليها توضح شكل العلاقة بين رئيس الوزراء الحالي الذي يواجه قضايا فساد تقربه من السجن في حال ترك منصبه وبين رئيس الوزراء الجديد المكلف بتشكيل الحكومة، والتي يمكن وصفها بمرحلة مخاض صعبة في ظل التوترات الداخلية والضربات العسكرية لقطاع غزة.
مما يفسر إصرار "نتنياهو" على المضي قدمًا في لعبة الشطرنج التي يبرع فيها؛ حيث جعل من الفلسطينيين كبش فداء يضحي به في سبيل إنقاذ نفسه في تلك اللحظات الحاسمة في تاريخه الدموي، وهي اللعبة التي طالما برع فيها رؤساء وزراء الاحتلال دومًا.
ورغم ما طرحناه إلا أن ذلك لا ينفي الأهمية الجغرافية والتاريخية لحي الشيخ جراح الذي تسعى حكومة الاحتلال إلى إخلائه من الفلسطينيين لصالح المستوطنين في مسعى منها لتغيير الواقع الديمغرافي في الحي الفلسطيني.
ويرى مرصد الأزهر أن إصرار رئيس وزراء الاحتلال على المضي قدمًا في خططه الدموية يتطلب تدخلاً دوليًا قويًا لإجباره على التراجع عن ذلك؛ حفاظًا على أرواح الفلسطينيين العزّل سواءً في قطاع غزة أو في الأراضي المحتلة كافة؛ خاصة مع قيام عصابات المستوطنين المتطرفين بمساعدة قوات الاحتلال للنيل من الفلسطينيين داخل منازلهم وظهور مقاطع مصورة توضح تحركاتهم الأخيرة ضد كل من هو فلسطيني عمدًا؛ لذا فإن بيانات الشجب والإدانة لا تكفي وحدها لوقف نزيف الدماء الذي يتزايد يومًا بعد آخر في دولة فلسطين.