الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

عيون

الأربعاء 16/يونيو/2021 - 11:11 م

الجمعة 22 يوليو 1977
يجلس كمال على مكتبه أمام مسجل الصوت والعديد من الشرائط، منها الفارغ ومنها المسجل عليه أسماء مطربين يعشقهم الأديب ذو الخمسين عاماً أمثال "فريد الأطرش – أسمهان – سيد مكاوي" ومنها شرائط مسجلة بصوته حسب المواقف والأحداث المختلفة، أول كتاب نشره، حرب النصر 73 – النكسة – وفاة والدته – ثورة يوليو " كلها شرائط تحمل تأريخاً ورأياً شخصيًّا له حول هذه الأحداث التاريخية والشخصية التي عصفت بحياته.

قرر كمال اليوم بعد أن وصل لمكتبه بصعوبة متعكزاً على  أثاث المنزل، أن يسجل شريطاً بصوته يخص حدثاً جديداً تصارع فيه مشاعر الفرح والسعادة مشاعر الحزن والفقدان، يتحسس سطح مكتبه ويمسك بشريط ثم يضعه في الكاسيت، تحفظ يداه مكان زر record، يضغط عليه ويبدأ في الحديث:

"قالوا قديما إن الله يأخذ من الإنسان شيئاً ويعطيه أشياء، ولكن  الإنسان يظل أيضاً ينتظر الشيء المفقود.. أعتبر أن هذه الجملة تعبر عني لفترة طويلة في حياتي، تقريباً منذ أن وعيت على الدنيا، رغم أن إحساسي لم يخدعني مرة، رغم أنني ألمس الأشياء فأشعر بدفئها وحرارتها، أستخدم حاسة اللمس مكان حاسة البصر،ألمس حتى أرى، إلا أنني أعشق الألوان، لم أراها أبداً ولكنني أحب مثلا اللون الأزرق لأنني عرفت أنه لون السماء،وأنا أحب السماء، أحب اللون الأبيض، لأنه يرمز للجمال، أكره الأسود، وللعجب أن هذا اللون أراه طوال حياتي، ولكنني على أية حال أحب حياتي.

هل يستطيع الإنسان أن يحب شيئاً لم يره قط؟ أعتقد أن الإجابة هي نعم، فنحن مثلا نحب الله ونحن لا نراه.. فقط نشعر به ونلمس لطفه في أقدرانا وحياتنا.

يداي تحفظ ملامح من أحب، تمشي يدي على قسمات وجوههم وأعرف من خلالها هل الشخص الذي يقف أمامي سعيد أم حزين أم يخبيء شيئاً ما في نفسه أملاً منه فى ألا أكشف أمره، ليفاجأ بسؤالي: ماذا بك؟ فنحن لا نرى حزن من نحبهم ولكننا نشعر به،والشعور لايحتاج البصر ولكنه في حاجة للبصيرة

كبرتِ يا صغيرتي، منذ بلوغك العاشرة وأنتِ عكازي الذي أتكئ عليه لمواجهة هذا العالم، لم أعد أشعر بأنني فاقد للنظر، توقفت عن لمس الأشياء، إلا لمس يديكي الناعمتين، أغير عليكِ وكأننا حبيبان، تتذكرين يوم أن تقدم لك هذا الشاب لخطبتك، عندما لمست وجهك وشعرت بتدفق الدماء التي تخبرني بفرحتك وخوفك من رد فعلي، رغم موافقتي وفرحتي كنت سأنفجر من الغيظ والغيرة لأنني شعرت بأنه يروق لكِ وأنه سيشاركني اهتمامك وحبك، نعم أنا طفل في حبك ليس أباً من الآباء المتعارف عليها، نستطيع القول أنني ابن ابنتي المدلل، كنتِ دائماً تسألينني"

بابا.. لماذا أسميتني عيون؟ "أقول لكي لأن الله أعطاني العيون التي حرمني منها عندما وهبني إياك ، فأنت عيوني وأنا بك اكتملت حواسي، في يوم عرسك، تلامس يداي تقاسيم وجهك الجميل، أعتقد أن وجهك هو الذي أعطى لمساحيق التجميل جمالاً وليس العكس، تشبهين والدتك رحمها الله، فهي أيضاً لم تكن في حاجة لتلك المساحيق التي تزيد النساء جمالاً، ستذهبين يا صغيرتي لمنزل زوجك، لا أنكر أنني أحبه ، ولكنني أغار منه، اعلمي أنني أحبك أكثر منه ومن الوجود كله، أعطيه اليوم هدية الله لي، أعطيه عيوني، الآن عدت فاقداً للبصر، الآن أصبحت أعمى. "