6 قواعد لحكم إنسانى لصالح سيدة وأطفالها عن فقدان الزوج في حادث محل دون ترخيص
السبت 04/سبتمبر/2021 - 10:15 ص
قضت المحكمة الإدارية العليا دائرة الفحص بإجماع الاَراء برفض الطعن المقام من رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة رشيد ضد زوجة وأطفالها الثلاثة , وأيدت الحكم التاريخى الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بإلزام رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة رشيد بأن يؤدي للمدعية (ث.إ.ق) عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر طفلتين وطفل مبلغا مقداره مائة ألف جنيه (100.000 جنيه) تعويضاً عما لحقهم من أضرار مادية وأدبية جراء وفاة مورثهم نتيجة حادث انفجار أنبوبتين لمحل خردة فى الشارع مُدار بدون ترخيص , تُقسم بينهم بحسب النصيب الشرعي لكل منهم، وألزمت الإدارة المصروفات.
وأكدت المحكمة برئاسة القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة على (6) قواعد للحكم الإنسانى التاريخى لصالح الزوجة وأطفالها عن فقدان الزوج من حوداث المحلات الخطرة دون ترخيص :
1- يشترط فى المحال المقلقة للراحة والخطرة ألا تسبب مضايقات أوإقلاق لراحة السكان أو الإضرار بالبيئة المحيطة بها.
2- عمل المحليات ميداني بطبيعته وليس عملا مكتبياً يدار من خلف الأبواب، يستلزم نزول المختص إلى أماكن المحال للتفتيش عليها على الطبيعة ورصد مخالفاتها وضبطها في حينه
3- الرقابة الميدانية للمحليات ليست مقصودة لذاتها وإنما لحماية أمن المواطنين وسلامتهم من تعمد أصحاب المحلات ممارسة أنشطة خطرة دون ترخيص ولا اشتراطات أمان.
4- المحليات للمحكمة التعويض من صاحب المحل المتوفى وليس منا ! والمحكمة تجيب بإبداع مبدأ جديد : تعدد الأسباب المتكافئة المؤدية للضرر تجعلها جميعا متعادلة في تحملها بعبء مسئولية إحداث الضرر
5- الوحدة المحلية للمحكمة المحل كان يدار في غير أوقات العمل الرسمية ! والمحكمة تجيب : عذر أقبح من ذنب لأن عمل المحليات غير مرتبط بأوقات العمل الرسمية وإلا أصبح المحظور صباحا مباحاً ليلاً لمن يديرون أنشطة خطرة على الصحة أو الأمن العام ويهددون حياة السكان والمارة دون مساءلة.
6- فقدان الزوج لا يعادله مال لزوجته وأطفالها , لكنها قوانين أهل الأرض فى مقدار التعويض.
وترجع القصة المؤلمة إلى أن الزوجة وقفت أمام الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وبصحبتها 3 أطفال وفى حالة بكاء على فقدان زوجها فهدأ القاضى الرحيم من روعها، وقالت سيدى القاضى: ذهبت أنا وزوجى للوحدة المحلية لمركز رشيد للإبلاغ عن وجود محل خطر لاستخلاص الحديد من الخردة يضع أنابيب الغاز والإسطوانات فى الشارع ويستخدم النار ليل نهار ونخشى على أطفالنا من وقوع انفجار، ولم يتحرك أحد حتى وقع انفجار ضخم نتج عنه وفاة صاحب المحل وزوجى أثناء مروره بالشارع عائداً من عمله، وحينما توجهت للوحدة المحلية طالبة تعويضى بمبلغ يعيننى على الحياة كان ردهم " خدى التعويض من صاحب المحل اللى مات" ثم تقدمت بشكوى إلى المجلس الشعبي المحلي أوصى بإبعاد مدير إدارة الرخص بالوحدة المحلية لمركز ومدينة رشيد ومدير مكتب الأمن الصناعي ومدير مكتب القوى العاملة دون تعويضى بأى شئ , وقدمت الزوجة للقاضى حافظة مستندات طويت على تقرير إدارة الدفاع المدني بمديرية أمن البحيرة يبين أسباب الانفجار بقيام صاحب محل خردة بتقطيع اسطوانة كمبروسر وبجوارها إسطوانة غاز (لمبة لحام) وأن الإسطوانتين مملوءتين مما أدى إلى انفجار إحداهما وانفجرت معها الأخرى نتيجة لقطعهما بلمبة اللحام ، بينما قدمت المحليات مذكرة دفاع طلبت فيها رفض الدعوى تأسيسا على أن المحل وإن كانت بدون ترخيص إلا أنه كان يعمل في غير أوقات العمل الرسمية ولا رقابة من الوحدة المحلية عليه ! فقال القاضى الحكم أخر الجلسة وقضى بإدانة تصرف المحليات وألزمها بتعويض الزوجة وأطفالها مائة ألف جنيه التى استقبلت الحكم بدموع الفرحة مع أطفالها فى مشهد مؤثر أبكى من فى القاعة .
وقالت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن المشرع فى قانون المحال الصناعية والتجارية المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة تقديراً منه للطبيعة الخاصة لأنواع معينة من المحال أطلق عليها مسمى" المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة العامة والخطرة"، وأفرد لها تنظيماً تشريعياً خاصاً مؤداه عدم جواز إقامتها أو إدارتها إلا بترخيص ، وأحاط الحصول عليه بقواعد وإجراءات، منها وجود المحل في موقع توافق عليه الجهة الإدارية المختصة بمراعاة نوع النشاط ومدى تأثيره على البيئة المحيطة به أو ما يسببه من مضايقات وإقلاق لراحة السكان، وضرورة توافر اشتراطات معينة لإقامة هذا النوع من الأنشطة سواء كانت عامة لجميع أنواع المحال أو لنوع منها، فإذا أدار المواطن المحل دون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية ، تَعَيّن على الجهة الإدارية غلقه بالطريق الإداري.
وأضافت المحكمة أن المشرع فى سبيل غلق المحل منح موظفي إدارة الرخص الذين يندبهم الوزير المختص صفة مأموري الضبط القضائي في إثبات الجرائم التي بالمخالفة لأحكام القانون ، ويكون لهم دخول المحل للتفتيش عليه.
وهو اختصاص لازم وتمليه طبائع الأشياء والتي تقتضي المتابعة والرقابة المستمرة من جهة الإدارة على المحال الخاضعة لأحكام القانون للتأكد من تشغيلها وإدارتها وفقا لما تميله تلك الأحكام من اشتراطات.
وما من شك أن ممارسة عمل الرقابة والتفتيش على المحال التجارية والصناعية هو عمل ميداني بطبيعته وليس عملا مكتبياً يدار من خلف الأبواب، وإنما يستلزم نزول الموظف المختص إلى أماكن تواجد المحال الخاضعة لأحكام القانون للتفتيش عليها على الطبيعة ورصد مخالفاتها وضبطها في حينه، خاصة ما يشكل منها خطراً على الصحة أو الأمن العام.
فإذا أحجمت جهة الإدارة عن ممارسة اختصاصها المشار إليه كانت ممتنعة عن ممارسة اختصاص أصيل هو من أهم واجباتها تجاه المواطنين، لأن الرقابة الميدانية التي تمارسها المحليات فى هذا الشأن ليست مقصودة لذاتها وإنما قُصِد منها حماية أمن المواطنين وسلامتهم بالدرجة الأولى من تعمد البعض ممارسة أنشطة خطرة دون استيفاء التراخيص اللازمة ودون توافر اشتراطات الأمان المطلوبة.
وذكرت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن المواطن (ع.ي.ا) قام بإدارة وتشغيل محل لحام خردة بدون ترخيص بشارع الحدادين بمدينة رشيد ، وفي اليوم المشار إليه قام المذكور بمحاولة تقطيع أُسطوانة ( كمبروسر ) مستخدماً أنبوبة غاز (لمبة لحام) في نهر الطريق أمام باب المحل المذكور، ونتج عن ذلك حدوث انفجار شديد نتيجة انفجار الأُسطوانتين المشار إليهما واللتين تأثرتا نتيجة التقطيع بلمبة اللحام، على النحو الوارد بتقرير المعاينة الذي أعدته إدارة الدفاع المدني بمديرية أمن البحيرة والمودع بمستندات جهة الإدارة، وقد نتج عن ذلك الانفجار حدوث عدد من الوفيات بين المارة الذين تصادف وجودهم أمام المحل لحظة وقوع الإنفجار ومن بينهم زوج المدعية المرحوم (ن.أ.م) وقد أفادت جهة الإدارة بكتابها المرفق بمستندات المدعية أن المحل المشار إليه لم يصدر له ترخيص وأنه كان يعمل في غير أوقات العمل الرسمية، وهو ما ينهض دليلاً على تقاعس الجهة الإدارية في ممارستها اختصاصها الأصيل بالتفتيش والرقابة على المحل المذكور، إذ كان يتوجب على جهة الإدارة إعمال اختصاصها المنوط بها والمنصوص عليه في قانون المحال الصناعية والتجارية بالتفتيش على المحل ، والذي كان سيمكنها من كشف المخالفة وضبط المحل وغلقه بالطريق الإداري وهو مالم تفعله جهة الإدارة ولم يتحرك موظف منهم ساكناً فى مكانه لغلق ذلك المحل الخطر المدار بدون ترخيص.
وأشارت المحكمة أن جهة الإدارة قد امتنعت عن اتخاذ التدابير والإجراءات الواجبة قانوناً حيال المحل المذكور تاركة إياه يدير نشاطا ً خطراً في نهر الطريق أمام محل يدار دون ترخيص، وتقاعست عن ضبطه وغلقه بالطريق الإداري، مما يعد معه قراراً إدارياً سلبياً ، يشكل بذاته ركن الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية للجهة الإدارية، وعن ركن الضرر، فإن الثابت من الأوراق أن المدعية وهي زوجة وأم لثلاثة أطفال فقدت زوجها في حادث انفجار الأُسطوانتين المستخدمتين بالمحل المذكور، وهي بفقدها زوجها الشاب الذي كان يبلغ من العمر وقت وقوع الحادث ثمانية وثلاثين عاماً، تكون قد فقدت عائلها الذي انتُزِعَ من وسط أطفاله صغار السن والذين كان يبلغ أكبرهم سناً وقت الحادث اثني عشر عاماً وأصغرهم أربع سنوات، وهم جميعاً ممن تجب نفقتهم على الزوج وهو الأب المتوفى، مما أفقدهم مصدر النفقة وهم في سن أحوج ما تكون إلى الرعاية والإنفاق.
فضلا عما أصابهم من ضرر أدبي تمثل فيما أصاب شعورهم وعاطفتهم من الغم والأسى والحزن جراء فقدهم لعائلهم الوحيد وهو ضرر نفسى مستمر فى شعورهم ما دامت الحياة لا يعوضه مال مهما كثُر لكنها قوانين أهل الأرض فى تحديد مقدار التعويض .
وأوضحت المحكمة أنه لا عبرة بقول الوحدة المحلية أنها امتنعت عن غلق المحل الخطر المدار بدون ترخيص وتعللت بعذر هو أقبح من ذنب بأن المحل كان يدار في غير أوقات العمل الرسمية، وكأن الالتزام بأحكام القانون مرتبط بأوقات العمل الرسمية للجهة الإدارية فى المحليات شديد الصلة بحياة المواطنين، وكأنه بفوات تلك المواعيد يصبح المحظور مباحاً، وتنعدم الرقابة على المخالفين لأحكام القانون بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية، يديرون أنشطة خطرة على الصحة أو الأمن العام ويهددون حياة السكان والمارة دون مساءلة أو اعتراض من جهة الإدارة التي غَلَّقَتِ الْأَبوَاب بعد انتهاء أوقات عملها الرسمية، وعمل المحلات ميدانى بطبعه وفى أى وقت لمواجهة الحالات الخطرة، وأَلِفَت الاستكانة والتخاذل في أداء عملها حتى أصبحت تبرر خطأها بأعذار لا يقبلها العقل أو المنطق القانوني السليم .
وانتهت المحكمة لأهم نقطة فى الحكم كانت سنداً للوحدة المحلية ضد الزوجة وأطفالها الذين فقدوا عائلهم بأن وفاة مورثهم كان نتيجة انفجار الأنبوبتين بقولها ليس خطأ الإدارة وإنما هو خطأ صاحب المحل المدار بدون ترخيص والذى كان يمارس نشاطه فى الشارع مما يقطع علاقة السببية بين خطأ جهة الإدارة والضرر الواقع بوفاته , فذلك مردود بأن خطأ جهة الإدارة وتقاعسها عن إصدار قرار بغلق المحل المدار بدون ترخيص مما مكّن صاحبه من ممارسة نشاطه المحظور دون ترخيص ودون توافر الاشتراطات العامة والخاصة المتطلبة قانوناً من نواحي الصحة والأمان ، فتكون جهة الإدارة قد ساهمت بخطئها الفعال والمنتج في وقوع الضرر بالزوجة وأبنائها والمتمثل في وفاة مورثهم . فضلاً عن أن من المستقر في الفقه والقضاء الفرنسيين أنه إذا تدخل أكثر من سبب في إحداث الضرر ، فإنه يعتد بكل من هذه الأسباب إذا كانت جميعها متكافئة من حيث الأثر المنسوب إليها.
أي أنه إذا تعددت العوامل المؤدية إلى الضرر فإنها تكون جميعا متعادلة في تحملها بعبء مسئولية إحداث الضرر طالما ثبت أن هذا الضرر ما كان ليحدث لولا تضافر هذه الأسباب جميعاً، وبحسبان أن خطأ جهة الإدارة في الحالة الماثلة هو مما يؤدي إلى نتائج ضارة يمكن توقعها أو في الإمكان توقعها وحتى وإن لم تقصد الإدارة إحداثها، وسلوكها في هذا لشأن يحكمه واقع الحياة والبيئة المحيطة والعرف السائد فإن هي قصرت عن بذل القدر الذي يتعين أن تبذله الإدارة الحريصة فإن ذلك يعد تهاوناً منها مما يشكل إهمالاً جسيماً، ولا يعصمها من المسئولية سوى حالتي القوة القاهرة أو الحادث الفجائي، وخطأ المضرور وهما غير متوافرين في الدعوى الماثلة، ومن ثم يبدو قول الإدارة لا يستأهل فى الحق ذكراً ولا فى العدل رداً.
وقد أعربت دوائر مهتمة بشئون المرأة عن إشادتها بهذا الحكم , مُشيرة إلى أنه أنشأ مبدأ قضائياً جديداً لصالح المرأة المصرية فى أرقى صور الحماية لها ولأطفالها عن فقدان زوجها نتيجة حدواث المحلات الخطرة المقلقة لراحة السكان ويعبر ولأول مرة عن فكرة الخطأ التشاركى فى إحداث الضرر بالأسرة، وسيسهم فى قيام المسئولين بالوحدات المحلية بدورهم فى النزول الميدانى لغلق المحلات الخطرة الضارة بالسكان والمقلقة لراحتهم والمدارة دون ترخيص المنتشرة فى الشارع المصرى .